Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع على القيادة في إيران... ديمقراطية الاسم الواحد (5)

المرشد الأعلى للنظام فوض صلاحيات متابعة بعض الملفات الحساسة لنجله خلال مراحل متعددة

العلاقة التي فتحها المرشد بين نجله والحرس لم تكن طارئة على مسار العلاقة بين المرشد وهذه المؤسسة (رويترز)

ملخص

لعل التمهيد الذي بدأ منذ نحو سنة، لتكريس علمية مجتبى على المستوى الفقهي، وإطلاق صفة "آية الله" عليه بما هي صفة متخصصة برجال الدين المجتهدين أو الذين يملكون صفة المرجعية، فضلاً عن الإعلان عن جلوسه على كرسي دروس الخارج الحوزوية، مما يعني أن مدرس هذا المستوى من العلوم الدينية يمتلك مؤهلات المرجعية، ويعطي للكلام عن خلافته صدقية أكبر.

لم تكن الشعارات التي رفعتها مجموعة من الشباب الإيرانيين خلال أحداث "الحركة الخضراء" عام 2009، التي صرخت بوجه المرشد بالقول "مجتبى... نموت ولا ترى القيادة"، مجرد شعارات جاءت من فراغ أو افتعال شعبي، إنما كانت رد فعل على حملة ملصقات تضمنت صورة لمجتبى إلى جانب والده، وتعرف عنه أنه القائد الجديد أو خليفة المرشد الحالي.

وعلى رغم مسارعة أجهزة النظام إلى جمع هذه الملصقات والإعلان أنها ألقت القبض على الأشخاص الذين يقفون وراءها، واتهامهم بالعمل لخدمة أجهزة استخبارات خارجية تسعى إلى زعزعة استقرار إيران وضرب النظام، فإنه في الحقيقة كانت أول اختبارات النظام لردود الفعل الشعبية على هذا الخيار وإمكانية السير به وحجم الأضرار التي قد تنتج من ذلك.

الإشارة الأولى لدور وتدخل النجل الثاني للمرشد في الشأن العام والسياسي، جاءت في الرسالة المفتوحة التي وجهها مرشح الانتخابات الرئاسية، عام 2005، مهدي كروبي إلى المرشد، وأشار فيها إلى دور نجله مجتبى في تغيير نتائج الانتخابات لصالح محمود أحمدي نجاد، وتساءل حينها كروبي "كيف يمكن أن تنام ساعتين وتصحو لتجد نفسك قد هبطت من المركز الثاني إلى المركز الثالث في النتائج؟" في إشارة إلى احتلال هاشمي رفسنجاني المركز الأول وهو (كروبي) الثاني، في حين جاء أحمدي نجاد في المركز الثالث، ثم تغيرت النتيجة لتحصر الدور الثاني الحاسم بين رفسنجاني وأحمدي نجاد، كأولى الخطوات لتحجيم رفسنجاني والتأسيس لإخراجه من دائرة القرار وإنهاء الشراكة معه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا ما عرفنا أن مكتب المرشد "البيت" يمتلك دائرة موازية لكل دوائر القرار في الدولة الأمنية والعسكرية والمالية والاقتصادية، عندها نعرف وندرك ما تحدث عنه كروبي، وحجم الدور والنفوذ الذي يمتلكه نجل المرشد على مستوى قرارات النظام والدولة، ورسم السياسات الاستراتيجية لهما على مختلف المستويات.

يضاف إلى ذلك أن المرشد الأعلى للنظام، وخلال مراحل متعددة، فوض صلاحيات متابعة بعض الملفات الحساسة لنجله، بخاصة ملف العلاقة مع قوات وقيادات حرس الثورة الإسلامية، الذي تحول إلى الرافعة الرئيسة لقيادة المرشد، والجهة التي عملت على استبعاد والقضاء على كل مصادر الخطر والتهديد للنظام ومنظومة السلطة ومشاريعها ومصالحها.

هذه العلاقة التي فتحها المرشد بين نجله والحرس لم تكن طارئة على مسار العلاقة بين المرشد وهذه المؤسسة، بل كانت نتيجة علاقة نسجها المرشد خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي ساعدته في التخلص من الأعباء والإرث الذي أسهم في وصوله إلى موقع القيادة من خلال تحالف قام على مصالح مشتركة أو تبادلية في المصالح، وأن المراد والهدف من وضع ملف إدارة الحرس في يد نجله هو توريثه هذا التحالف الذي يمكن الاعتماد عليه في المرحلة التالية ما بعد المرشد، الذي يضمن عملية انتقال السلطة والقيادة من دون كلف باهظة.

والحرس، كمؤسسة تتحفز لإحكام قبضتها على قرار النظام والدولة في مرحلة ما بعد المرشد الحالي لم تعد تخفي هذه الطموحات، أو تسعى إلى تجميل تدخلها في المؤسسات والإدارات، بل بدأت بالكشف عن أهدافها من خلال زرع عناصرها في المفاصل الرئيسة في الدولة، الاقتصادية والسياسية والأمنية وحتى الثقافية، وقد ازدادت هذه الوتيرة مع وصول إبراهيم رئيسي إلى قيادة السلطة التنفيذية، الذي ينظر إلى هذه المؤسسة نظرة مصلحية، فهي التي أسهمت في وصوله إلى الموقع الثاني بعد المرشد في هرمية النظام، إضافة إلى أنها الأقدر على تحقيق طموحه في تولي القيادة خلفاً للمرشد في حال كان موضع اتفاق لدى قياداتها.

في المقابل، فإن هندسة مشهد اليوم التالي، الذي تتولى مؤسسة الحرس جزءاً من المهمة فيه، والجزء الآخر تتشارك فيه مع المرشد، من خلال هندسة انتخابات مجلس خبراء القيادة، واستبعاد الأشخاص المنافسين بناءً على تقارير أمنية منها، هذه الهندسة بدأت من خلال تشكيل اللجنة الثلاثية الخاصة المكلفة مهمة البحث واختيار الأسماء المرشحة لتولي خلافة المرشد، وتضمنت رئيس الجمهورية بصفته النائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة، ونائب الرئيس السابق أحمد خاتمي، وعضو هذا المجلس رحيم توكل. وهذه اللجنة على تنسيق تام وسري مع المرشد الأعلى الذي يطلع فقط على الأسماء المقترحة في حين يمنع على الأعضاء الآخرين معرفتها أو الاطلاع على الأسماء المرشحة للقيادة.

ومن سياق التطورات التي تشهدها عملية هندسة خلافة المرشد، وبعد استبعاد الشخصيات التي تشكل وزناً سياسياً أو تمتلك القدرة على القراءة السياسية والاستراتيجية، فإن الخيار المتبقي لتولي هذا الموقع سيكون محصوراً بنجل المرشد مجتبى الذي يشارك في إدارة ملفات مكتب المرشد، ويملك تحالفاً مع مؤسسة الحرس التي تحولت إلى مؤسسة تمسك بمستقبل إيران والعملية السياسية، مما يجعله مرشحاً طبيعياً للقيادة.

وإذا ما كان خامنئي المرشد قد أعلن، بحسب ما سربه محمود محمدي عراقي عضو مجلس خبراء القيادة، أنه رفض الحديث حول خلافة نجله، خوفاً من الاتهام بتحويل موقعه إلى سلطة متوارثة، فإنه لن يعارض إذا ما قرر الخبراء التمسك بهذا الخيار، لأنه عندها سيكون انتخابه أو اختياره نتيجة عملية ديمقراطية تمثل إرادة الشعب الذي انتخب هذا المجلس.

ولعل التمهيد الذي بدأ منذ نحو سنة، لتكريس علمية مجتبى على المستوى الفقهي، وإطلاق صفة "آية الله" عليه بما هي صفة متخصصة برجال الدين المجتهدين أو الذين يملكون صفة المرجعية، فضلاً عن الإعلان عن جلوسه على كرسي دروس الخارج الحوزوية، مما يعني أن مدرس هذا المستوى من العلوم الدينية يمتلك مؤهلات المرجعية، ويعطي للكلام عن خلافته صدقية أكبر.

إلا أن هذه الخطوة إذا ما حصلت، فإنها ستؤسس لمسار جديد ليس في السلطة الإيرانية التي لا ترفض مسألة التوارث، بل في المؤسسة الدينية، التي لم تعتد على توريث المرجعية من الآباء إلى الأبناء، حتى وإن كان الأبناء يمتلكون هذه الصفة أو المرتبة أو المستوى العلمي، ومن ثم يعني ضرب آخر ما تبقى من استقلالية هذه المؤسسة الدينية وتحويلها إلى تابع لإرادة السلطة السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل