Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تعيد إحياء دور القابلة التقليدية "الداية" في غزة

استعادت دورها القديم بعد توقف عمل المستشفيات والأمهات يلدن في الخيام والبيوت المدمرة بلا تعقيم أو متابعة

لهذه الحرفة أخطار كثيرة لدى ممارستها من غير متخصصين أو في أماكن خارج المرافق الصحية (اندبندنت عربية)

ملخص

بين المستشفيات الثلاثة العاملة في غزة، يوجد مستشفى واحد مخصص للولادة يضم خمس غرف عمليات، أي إنه قادر على استيعاب خمس حالات فحسب في الوقت نفسه.

تلفتت الداية خضرة حولها ومدت يدها لتلتقط سكيناً، ثم شرطت به السيدة كفاح لتساعدها على إخراج مولودها الجديد. ما إن لامست الأداة الحادة جسد الأم حتى صرخت فوق صراخها بنبرة أسمعت كل من حولها في معسكر النازحين بمنطقة المواصي في محافظة رفح.

التقطت خضرة رأس الجنين وبدأت تسحبه بقوة حتى خرج من رحم أمه، "أين المقص، اجلبوا لي أي مقص"، كانت تريد قطع الحبل السري للجنين.

ولادة في خيمة

بعد ذلك وضعت الطفل في شاشة بيضاء، ورشت قليلاً من الملح على سرته، وطلبت من أمه تكرار ذلك بعد مغادرتها.

مجبرة خضعت السيدة كفاح لعملية ولادة على يد الداية خضرة، التي لم تكن معها أي معدات طبية، إذ جاءها المخاض غفلة عند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وبسبب القصف الإسرائيلي المستمر على أنحاء قطاع غزة تعذر على زوجها نقلها إلى المستشفى.

تقول كفاح، "حاولنا الاتصال بالإسعاف كثيراً، لكن بسبب انقطاع الاتصالات تعذر ذلك، كما لا يمكن أن يتحرك أحد بسيارة في وقت متأخر لأن الجيش سيقصفه، ومن شدة الألم طلب زوجي من الداية التي تقيم في خيمة مجاورة الإشراف على ولادتي".

أدوات غير صحية

تعرف كفاح أن الداية لم تستخدم أدوات صحية، وأن طفلها ولد في بيئة غير نظيفة، إذ تم لفه بفوطة غير ملائمة، وهي الأخرى جرى التعامل معها بالآلية غير الآمنة نفسها، وبعد أربعة أيام من هذه المعاناة لاحظت الأم ألماً على ملامح الرضيع.

نقلت كفاح رضيعها إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة نتيجة مضاعفات عملية الولادة داخل الخيمة والظروف غير الصحية للمكان. تضيف الأم، "عادت مهنة الداية إلى غزة، وباتت النساء يلدن في منازلهن ومدارس الإيواء والخيام، لا مستشفيات أو رعاية طبية".

في الواقع، فرض خروج مستشفيات غزة من الخدمة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية واقعاً صعباً في المنظومة الطبية، إذ لم يتبق سوى ثلاث مستشفيات تعمل في جميع أنحاء القطاع من أصل 36 مستشفى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بين المستشفيات الثلاثة العاملة في غزة، يوجد مستشفى واحد مخصص للولادة هو المستشفى الإماراتي، ويضم خمس غرف عمليات، أي إنه قادر على استيعاب خمس حالات فحسب في الوقت نفسه.

يقع المستشفى الإماراتي في محافظة رفح، وهي المنطقة التي يتجمع فيها جميع النازحين في قطاع غزة، إذ بلغ تعدادها قرابة 1.3 مليون نسمة، وعلى هذا المرفق الصحي خدمة 50 ألف سيدة حامل، أو بمعنى آخر يجب عليه إجراء عملية ولادة كل 10 دقائق على مدار الساعة.

ويعجز المستشفى الوحيد عن خدمة هذا العدد الضخم من الحوامل، مما دفع إلى ظهور مهنة القبالة أو الداية من جديد في قطاع غزة، لكن لهذه الحرفة أخطار كثيرة لدى ممارستها من غير متخصصين أو في أماكن خارج المرافق الصحية.

سكين في لحمي

بواسطة قابلة ولدت السيدة أنغام طفلتها. تقول، "لتوسيع منطقة الرحم اضطرت القابلة لاستخدام آلة حادة منزلية، لقد شعرت بالسكين تمزق طبقات بطني، وسمعت صوته يمزق لحمي، شعرت بكل غرزة، في كل مرة تخترق الإبرة لحمي ويسحب الخيط كنت أشعر بها".

استعانت أنغام بقابلة كانت تعمل في مرفق صحي لتساعدها في ولادتها. وتضيف، "المكان الذي وضعت فيه لم يكن غرفة ولادة، ولم أحظَ بأي نوع من الخصوصية، فقد اجتمع النازحون حولي، لقد وضعت طفلي في خيمة نزوح بلا عناية ولا رعاية".

شاهدت أنغام بكامل وعيها ظروف ولادتها غير الصحية، الأمر الذي جعلها تدخل في مرحلة اكتئاب، لكنها تحمد الله كل يوم على أنها لم تتعرض لأي أمراض جراء ذلك، وأن طفلها يتمتع بصحة جيدة.

 

 

في شمال غزة، نشطت الداية بصورة أكبر من الجنوب، ففي حارة الشجاعية عادت شيخة الحارة محفوظة لممارسة عملها في توليد النساء داخل المنازل. تقول محفوظة، "تستخدم الداية أقل الأدوات وفقاً للمتاح، ومنذ الأزل وأنا ألجأ للمقص من أجل قطع الحبل السري وشق الجروح والتخلص من المشيمة، وكذلك أضع الملح على سرة الطفل".

تملك محفوظة أدوات قديمة، منها مقص السرة، وملقط كبير تمسك من خلاله كل الأدوات الأخرى حفاظاً على التعقيم، وميزان عمودي قديم. وهي تضع الطفل في قماشة، ثم تشبكها بالميزان لتعرف وزن الطفل، أما عملية التعقيم فهي عبارة عن ماء مغلي وصابون.

تؤدي إلى الوفاة

تقول المتخصصة في الولادة وصحة الأم والطفل سعدية بركات إن "حالات كثيرة اضطرت إلى الولادة في المنازل ومراكز الإيواء في ظل غياب النظافة، مما جعل الأم والجنين يتعرضان لأخطار منها النزف الشديد والالتهابات والعدوى بالأمراض الفيروسية والبكتيرية". وتضيف، "عادت الداية من جديد وبقوة داخل القطاع، فهي نتاج وضع مأسوي ترتب عليه ضرورة التأقلم ومحاولة التعامل مع الكارثة، كون غالب السيدات لا يمكنهن الولادة إلا في المنازل المدمرة جزئياً أو داخل خيام الإيواء". وتشير إلى أن نقص الكادر الطبي في مراكز الإيواء بسبب نزوح هذه الكوادر من مناطق لأخرى كان أبرز العوامل التي تسببت في عودة القبالة أو حرفة الداية، لكنها تؤكد أن الولادات المنزلية أو تلك التي تجري خارج المستشفى قد تؤدي إلى كارثة مفاجئة تهدد حياة الأم أو الجنين، وتمثل تراجعاً للوراء في تقديم خدمة طبية آمنة.

وتشير بركات إلى أن غزة عادت للوراء بسبب نقص الإمكانات الطبية، إذ تلجأ الداية إلى استخدام البن أو القهوة لمداواة الجرح، ولتحمية الطلق والمساعدة على تخطي صعوبات الولادة عادت فكرة القرفة والتمر وجلوس الحامل في المياه الدافئة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات