Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

21 فتاة في "سجن النساء" يصححن أخطاء المرأة والرجل

مسرحية مصرية كتبتها فتحية العسال وأخرجتها ريهام عبد الرازق تفضح أعطاب المجمتع بجرأة

مشهد من مسرحية "سجن النساء" المصرية (خدمة الفرقة)

ملخص

"سجن النساء" مسرحية للكاتبة المصرية فتحية العسال، تناقش قضايا متعددة تواجه النساء، لكنها لا تنحاز للمرأة في شكل مطلق، ولا ترى أن الرجل، وحده، سبب شرور العالم، وهو ما التفتت إليه المخرجة ريهام عبد الرازق في صياغتها لعرضها المسرحي.

منذ أن قدمت المخرجة المصرية، ريهام عبد الرازق عرضها اللافت "كلام في سري" الذي حصل على جائزة أفضل عمل جماعي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 2007، وهي تواصل الاهتمام بقضايا المرأة في عروضها التي توالت بعد ذلك، سواء كمخرجة أو كممثلة.

ورغم ما تعرضت له، هذه المخرجة، من هجوم بسبب "كلام في سري" الذي تميز بجرأته الشديدة، بحيث ناقش مشكلات المرأة وعلاقتها بالرجل من خلال حوارات جريئة وكاشفة، أثارت وقتها المتشددين والمتزمتين، ووصل الأمر إلى إهدار دمها، لم تتوقف ريهام عبد الرازق عن تقديم عروض كانت المرأة وقضاياها الشائكة محورها الرئيس، ومنها: "الطريقة المضمونة للتخلص من البقع"، "حريم النار"، "جريمة في جزيرة الماعز"، "شق القمر"، "النداهة"، "عرس الدم"، "بتول"، "كعب عال"، "الطوق والأسورة"، "نساء تحت السطر"، وغيرها من العروض.

ذكاء النص

النص الذي كتبته الراحلة فتحية العسال، دراماتورجيا باسم رزق، يبدأ بالقبض على سلوى، وهي كاتبة صحافية وناشطة سياسية، وليلى صديقتها التي لا علاقة لها بالسياسة، كانت تزورها في منزلها تشكو إليها معاملة زوجها السيئة لها، والتي دفعتها إلى الهروب من بيتها واللجوء إليها.  فداهمهما رجال الأمن وألقوا القبض عليهما، وفي السجن تنضم إليهما منى، طالبة جامعية وناشطة سياسية، وفي السجن. ومن خلال بعض المواقف، نتعرف على سيرة كل منهن، والأسباب التي أودت بها إلى السجن، ولكن ليس عبر مونولوغات منفردة، كما يحدث في مثل هذه النوعية من النصوص.

لقد اتضح ذكاء الكتابة هنا في أمرين، الأول هو عدم الانزلاق إلى الطريقة المعتادة في صياغة هذه النوعية من النصوص، التي تتعرض فيها مجموعة من البشر لأزمة ما داخل مكان ما، ويبدأ كل منهم في سرد حكايته منفردة، من دون أي مبرر درامي يستوجب السرد. هنا الأمر مختلف، فالأحداث هي التي تدفع هذه أو تلك إلى سرد جزء من حكايتها، وهي التي تدفعها إلى استكمالها في موضع آخر، وهكذا.

الأمر الآخر، فعلى رغم أننا أمام حكايات لنساء سجينات، فإن الأزمة التي يناقشها النص هي أزمة مجتمع، لا أزمة نساء فحسب، فلسنا هنا أمام بكائية عن أحوال النساء يتم تقديمهن من خلالها وكأنهن ملائكة، في مقابل شياطين هم الرجال، يتم تعليق كل مشاكل العالم عليهم وحدهم، بينما المرأة، دائماً وأبداً، مقهورة ومظلومة. ولعل اختيار المخرجة لهذا النص تحديداً يشير إلى حالة من النضج الفكري وصلت إليها، وجعلت زاوية نظرها أكثر اتساعاً وعمقاً.

يحفل نص العرض بنماذج من النساء يتمتع بعضهن بازدواجية غريبة، منهن على سبيل المثال، سلوى الصحافية والناشطة السياسية، التي تطالب بالحرية والمساواة، في حين تمارس القهر على ابنتها الشابة وترفض علاقتها بصديق لها. وكذلك ليلى التي استسلمت تماما لزوجها من دون أي قدرة أو حتى رغبة في النقاش، فكل ما يغذيها به من أفكار هو محل تصديق، وغيرها من النماذج التي جاءت بالعرض.

رحلة الاستنارة

كان هذا الفضاء الذي اجتمعت فيه نماذج متعددة من النساء وسيلة للنضج والاستنارة، يتطور وعي سلوى وتكتشف تناقضاتها التي أدت إلى سوء علاقتها بابنتها الشابة، وتدرك ليلى الخديعة التي أوقعها فيها زوجها وصور لها السياسيين والنشطاء وكأنهم مجموعة من "البراغيث". فبعد أن كانت تنظر للنساء اللاتي يمارسن العمل السياسي باعتبارهن من أعداء الوطن، اكتشفت صدقهن ورغبتهن في تغيير الواقع إلى الأفضل.

إن السجن الكبير، الذي تعيش فيه المرأة، هو ليس من صنع الرجل وحده، بل إنها مشاركة في تشييده، هي إذًا قضية مجتمع مأزوم وغير ناضج، وليست قضية امرأة تصورها غالبية السرديات باعتبارها مظلومة دوماً.

جاء العرض في منظر واحد، مجموعة من الأسرة التي اعتدنا مشاهدتها في السجون، تتحرك على عجل، هذا كل ما في الأمر (ديكور لبنى الإمام). فلا شيء يشغل الفضاء سوى هذه الأسرة، وقد حاولت المخرجة، من خلال تحريكها، صناعة بعض التشكيلات، وإن جاء ذلك على استحياء من دون أن يؤدي إلى إثراء الصورة، أو يمنحها عمقا أكبر. وربما احتاج الأمر إلى مزيد من الجهد والتفكير في كيفية توظيف هذه الأسرة كعنصر يساهم في صناعة المعنى من ناحية، ويساهم، من ناحية أخرى، في خلق معادل جمالي يضفي على العرض شيئا من الحيوية والبهجة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الإضاءة (تصميم جاسر الفرن) كانت واحدة من العناصر الواعية التي عوضت نسبياً، عدم توظيف الديكور في شكل جمالي، وذلك بتعدد مساقطها وألوانها، وقدرتها على الإسهام في تجسيد الحالة، وصنع تكوينات فنية، وتهيئة الجو الدرامي. وكذلك الملابس التي صممها رامي عادل وقد ذهب إلى أقرب تصور لملابس السجينات، لكن اختيار الخامة المرنة أسهم في قدرة الممثلات على أداء بعض الرقصات (تصميم محمد صلاح) بشكل جيد ومن دون أن تشكل الملابس عائقا أمامهن.

وعي الممثلات

قد تكون الإسكندرية، نظرا إلى طبيعتها المنفتحة، ولكونها مدينة مسرح بامتياز، من أكثر المحافظات التي تحفل بعشرات الممثلات الموهوبات. لذلك لم يكن من الصعب على المخرجة العثور على إحدى وعشرين فتاة قام عليهن العرض، كل بحسب مساحتها ودورها، ليشكلن معا عنصرا من أبرز عناصر العرض، استطاعت المخرجة توظيفهن بشكل جيد. فكنا أمام حالة من التمثيل المدهش النابع من الفهم الواعي لطبيعة الشخصيات وأزماتها، والذي تنوع ما بين التراجيدي والكوميدي، بعيدا من المبالغة أو الاستظراف. وكذلك حضور لغة الخشبة بشكل واضح، فلا حضور النص وحده، وهو ما يحسب للعرض ويمنحه تلك القدرة على التأثير في وعي المتلقي، وإن شاب العرض بعض الصخب، أو" الدوشة" التي يبدو أن كثرة عدد الممثلات، والرغبة في إثبات القدرات التمثيلية، تسببتا فيها.

نجح الدراماتورج في اختزال النص وتكثيفه، واستغنى عن بعض المشاهد خارج السجن، محافظاً على رسالة النص الأصلي وتوازنها في تناول قضيتها، بعيداً من أي مبالغة، أو رغبة، غير مبررة، في إدانة طرف على حساب الآخر. فالأزمة، على المستويين السياسي والاجتماعي، ليست أزمة رجل أو امرأة بقدر ماهي أزمة مجتمع ككل.

العرض من تمثيل: ندى جمال، منة محمد، تقى حمدي، سوزي الشيخ، ناهد محفوظ، جيلان، منة محمد، شريهان زاهر، منة، مريم، رضوى، رضوى العبادي، ياسمين، أمنيه فوزي، روان، ندى يوسف، حبيبة عصام، توتا، ندى، لورا.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة