Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الدار البيضاء" المغربية كنز معماري يعود لبداية القرن الـ20

عرفت المدينة طلباً كبيراً على العقار وشهدت ثورة اجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية في ذلك الحين

تبنى المغرب عام 2014 مشروعاً يتعلق بالمحافظة وتثمين البنايات ذات القيمة التراثية في الدار البيضاء (أ ف ب)

ملخص

ميناء المدينة جعل منها بوابة كبيرة على المحيط الأطلسي وصارت قبلة للوافدين الراغبين في الاستقرار والعمل

في خضم ما تشهده مدينة الدار البيضاء في المغرب من تطورات اقتصادية واجتماعية من جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال وغيرها، ما زالت تحتفظ المدينة بصورتها الجميلة لاسيما شوارعها وأزقتها وشرفات منازلها ومداخل العمارات وممرات المدينة العتيقة وأقواسها وأعمدتها.

وإلى جانب دوره الوظيفي والجمالي، يعد بناؤها الهندسي المميز مجالاً لحفظ الذاكرة والهوية، إذ يبقى التجول في أزقة مدينة الدار البيضاء، التي يطلق عليها المغاربة اسم "كازا" اختصاراً لـ"كازابلانكا" بواجهاتها الرائعة، فرصة للاطلاع على كنوز معمارية تعود لبداية القرن الـ20، إذ يعد المجال المعماري لمدينة الدار البيضاء أكبر الموروثات المعمارية في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط التي تعود لفترة الاستعمار في القرنين الـ19 والـ20.

ونجح معماريون مغاربة وأجانب في ترك ميراث هندسي واضح المعالم يقاوم عوامل الزمن وتعديات المقاولين العقاريين وزحف الأسمنت، إذ تحمل بنايات تراثية بكامل جمالها وشموخها وتفرد معمارها، تواقيع أشهر المهندسين خلال عشرينيات وثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي.

وأدرج المغرب عشرات من العمارات والمسارح والفنادق والكنائس في لوائح التراث الوطني، كفندق "لينكولن" وفندق "ترانس أتلنتيك" وفندق "ماجيستيك" و"قصر العدالة" وفيلا "فيوليتا" و"فيلا سويسا" وكنيسة "القلب المقدس" وبناية "الخزينة العامة" و"السوق المركزي" وعمارة "الأميرية" وعمارة "التازي" وبناية "استوديوهات" وغيرها كثير.

إرث معماري رفيع

يقول مؤلفا كتاب "الدار البيضاء... الهوية والمعمار (1912 ـ 1960)"، المعماري رشيد الأندلسي والناقد يحيى بن الوليد، إن الجنرال ليوطي، وهو أول مقيم عام بالمغرب بعد استعمار فرنسا للبلاد، "اتخذ قرارات على المستوى المعماري كشفت عن الأيدولوجيا الاستعمارية العنصرية. منها قراره الذي أفضى به، ومعه مهندسه المخلص بروست، إلى إنشاء أحياء أهلية للمغاربة منفصلة عن الأحياء الأوروبية مثل حي الأحباس. وزاد على ذلك أن جعل مدن الأهالي محرمة على الأوروبيين، بدليل تفادي أمراض الأوروبيين".

وتابع الكتاب، الذي يوثق تاريخ وذاكرة المدينة المغربية أثناء أعوام الاحتلال الفرنسي للبلاد، أن "فن البناء بالنسبة إلى المستعمر كان وسيلة لإثبات تفوق ثقافته وحضارته. ولذلك فإن الاتجاه المحافظ لليوطي في المغرب أو سياسته الإسلامية في المغرب، وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، لا تعدو أن تكون مرحلة جديدة في الأيديولوجيا الاستعمارية الذكية".

بالنسبة إلى المهندس المعماري رشيد الأندلسي، وهو عضو مؤسس لجمعية "كازا ميموار" (ذاكرة الدار البيضاء)، يتميز التراث المعماري الهندسي لمدينة الدار البيضاء، بأشكال هندسية مختلفة ومن الطراز العالي.

وأفاد المهندس المعماري المغربي متحدثاً لـ"اندبندنت عربية" بأن المدينة نشأت في ظروف تاريخية مميزة شهدت معها ثروة معمارية، معتبراً أن ميناء المدينة كان له دور فعال في نشأة المدينة، جعل منها بوابة كبيرة على المحيط الأطلسي، وصارت قبلة للوافدين عليها من داخل المغرب وخارجه من الراغبين في الاستقرار والشغل وتحسين الظروف المعيشية.

ونشأت مدينة الدار البيضاء بمبانيها ومرافقها المميزة بالتزامن مع ظهور السيارات والطائرات وصناعة السينما، وفق رشيد الأندلسي، وكانت تتجاوب مع هذه التطورات، إذ توفرت المدينة على شوارع كبرى وعلى ثلاثة مطارات بالضواحي، وقاعات سينمائية ومسارح عدة، إلى جانب منطقتها الصناعية التي جلبت استثمارات مهمة ورؤوس أموال عالمية وكانت تعرف طلباً كبيراً على العقار، وعرفت ثورة اجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية ومعمارية بداية القرن الـ20.

وبذلك شهدت المدينة تطوراً عمرانياً وسكانياً في ظرف زمني وجيز، مما جعلها في طليعة المدن العالمية من ناحية البناء المعماري، إذ إن التجارب الأولى في مجال التعمير، وهو تخصص حديث آنذاك، جرت بالدار البيضاء ومدن عالمية أخرى. كما جرى تشييد المدينة بالتقنيات نفسها التي شيدت بها مدينتا باريس ونيويورك.

حماية وتثمين

وإذا كان المغرب يبذل جهوداً مهمة للحفاظ على التراث المعماري الفريد لـ"كازا"، فإن نقاداً ونشطاء مدنيين مغاربة يتحسرون على ما آلت إليه بعض البنايات التاريخية والمميزة بمعمارها المتفرد كالمسرح البلدي، ومقهى "لا كوميدي"، وسينما "فوكس" التي كانت الأكبر على صعيد القارة الأفريقية بثلاث شرفات و2000 مقعد، وسينما "ريتز"، وهي البنايات التي أزيل غالبها فيما ترك الآخر عرضة للإهمال والنسيان والذكريات.

وتبنى المغرب مشروعاً يتعلق بالمحافظة وتثمين البنايات ذات القيمة التراثية بمدينة الدار البيضاء في 2014، يروم إعادة تأهيل وتعزيز كنيسة "القلب المقدس"، وتحسين الموقع الأثري مقلع "توماس الأول" غير البعيد من الدار البيضاء، وإعادة تأهيل وتعزيز السوق المركزي، فضلاً عن مشروع تجديد فندق "لينكولن"، قبل أن يتم إحداث "شركة الدار البيضاء للتراث"عام 2015، التي تعنى بالتراث الثقافي والمادي وغير المادي والطبيعي للمدينة.

بالنسبة إلى المهندس المعماري رشيد الأندلسي، فإن صيانة وحماية التراث المعماري لمدينة الدار البيضاء واجب وطني، وأوضح أن المدينة التي صنعت حداثتها وبلورت هندستها المعمارية الخاصة، باتت لها هويتها وشخصيتها المميزة.

وشدد الأندلسي على أن الحفاظ على الهوية المعمارية للمدينة وثقافتها مسؤولية الجميع، موصياً بتعزيز الوسائل والنصوص القانونية من أجل الحفاظ عليها وإعادة بنائها وتثمينها، خاتماً كلامه بالقول إن "هذا الإرث الهندسي هو مفخرة للدار البيضاء ولأهلها وللأجيال المقبلة".

المزيد من منوعات