Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصعيد إسرائيل وإيران وسط مزيد من تدهور ساحات الصراع الإقليمي

في ظل الفوضى وطقوس الغابة يسارع كل طرف بترسيخ نفوذه للهيمنة في مرحلة دولية جديدة لم تتبلور بعد

طائرة مقاتلة تابعة للجيش الإسرائيلي   (أ ف ب)

ملخص

 تصعيد المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية قد يؤدي إلى منزلقات خطرة لا يعرف أحد كيف يمكن السيطرة عليها ولا إلى ماذا ستؤدي إليه

التصعيد الإيراني - الإسرائيلي الجاري يسجل حلقة متصاعدة من التدهور في المشهد الإقليمي والعالمي الحافل منذ سنوات بمشاهد العنف والحرب، ومحاولات بناء وترسيخ النفوذ الذي يعد الشرق الأوسط أبرز مظاهره العالمية، إضافة إلى ما يجري بالطبع في أوكرانيا.

وأخطر ما في هذا التصعيد الجديد أن في الخلفية نجد أن كل ساحات الصراع المفتوحة قد تعقدت خلال الحرب على غزة التي خطفت الانتباه، وكلها يزداد تعقدها وتدهور أوضاعها بما يثير التساؤل عن كيفية أوضاعها إذا تحول إلى مستويات مواجهة عسكرية أشد بين إيران وإسرائيل هل ستهدأ مستويات تدهور بعضها كما يحدث أحياناً أم تزداد اشتعالاً؟

كل الساحات متدهورة

في الحقيقة غالب ما يحدث في ساحات الصراع الإقليمية معروف أغلبه، ولكن ما نريد إبرازه بعض مظاهر التدهور الأخيرة، وأنها لا تحظى إلا بالقليل من الانتباه بسبب سخونة المشهد في غزة ثم هذا التصعيد الإيراني - الإسرائيلي، في وقت يعد استمرار أوضاعها تكريساً في ذاته لتردي هذه الأوضاع وتراكم صعوبات الخروج من النفق المظلم، ولكن الشاهد أيضاً أن هناك مظاهر تدهور وليس فقط مجرد الاستمرار.

في ليبيا قدم مبعوث سكرتير عام الأمم المتحدة عبدالله باتيلي استقالته الثلاثاء الماضي، في كلمة أعرب فيها عن أسفه لعدم تجاوب الأطراف الخمسة الرئيسين في البلاد مع جهوده للتوصل إلى مخرج من الانسداد المزمن في الساحة الليبية.

في المجمل كان خطاب الاستقالة الأكثر تشاؤماً للمبعوثين الأمميين وركز فيه على انتقاد الأطراف الليبية وتجنب أي انتقاد للأطراف الخارجية، وكانت ليبيا قد شهدت مظاهر عديدة أخيراً لترسخ حالة الانقسام وانسداد الأفق السياسي، فالخلاف أو الاستقطاب بين حكومة عبدالحميد الدبيبة التي تسيطر على العاصمة طرابلس وغالب المنطقة الغربية وحكومة أسامة حماد التي عينها مجلس النواب الليبي والموجود في المنطقة الشرقية وقوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي بدأ في التصرف كقائد مسيطر يشارك أبناءه في مفاصل الحكم والسيطرة العسكرية والميدانية وكأنه الحاكم المطلق في بعض المناطق أو كأن السلطة قد استقرت بيده وهي ليست كذلك في الحقيقة. وفي كل من الشرق والغرب تفوح رائحة الفساد واتهامات كثيرة يتورط فيها خصوصاً الدبيبة وعائلته.

ولا يتوقف الأمر عند انقسام يترسخ بمذاق ليبي غريب، بل أيضاً تتفجر قضايا خطرة، أبرزها أخيراً الاشتباك الذي دار على الحدود الليبية والتونسية في معبر رأس جديرة بسبب محاولة قوات تابعة للأمازيغ السيطرة على المعبر وهو ما تم احتواؤه، ولكنه ينذر بأخطار كبيرة.

 وفي سوريا تتعمق الملهاة أو المأساة، فإسرائيل تواصل استباحتها الساحة السورية وتمارس التصعيد من هذه الجبهة لجر إيران إلى حرب إقليمية، والحكومة أو الدولة السورية ناقصة السيادة أو السيطرة على أراضيها لا دور يذكر لها في هذا الصراع.

كل يوم يمر يشهد ترسيخاً للتقسيم الذي جرى منذ سنوات عدة، ففي الشمال الشرقي حيث محافظة إدلب ومحيطها تسيطر تركيا والميليشيات التابعة لها بهدف وجود عدد قوات يخفف من عبء تركيا إذا تصورت الحكومة السورية وحلفاؤها أن لديهم القدرة للزحف لاستعادة هذه المناطق. وتوجد هذه القوات وسط دروع بشرية منتهكة حقوقها ربما يصل عددهم لنحو 3 ملايين، لكنهم في النهاية أسرى حكم ولاية متشددة وفاقدة للعقل والمنطق، فيما وجود عسكري تركي مبرر غربياً لحماية هؤلاء المدنيين من غزو حكومتهم وحلفائها الشيعة، وتترسخ معان سلبية عديدة حول جملة هذا المشهد العبثي.

 

وفي أقصى الشمال الغربي 10 قواعد أميركية وغربية بوجود أميركي بشري رمزي ولكنه كاف لإحجام روسيا والحكومة السورية وحلفائها عن التهور في اتجاه استعادة هذه الأراضي أيضاً.

 في إطار ذلك تمارس قوى كردية استقلالها شبه الذاتي في إدارة هذه المناطق. ولا تزال أيضاً بعض مناطق متفرقة من صحراء البلاد تحت سيطرة من "داعش". وفي ظل هذه الخلفية التي يشكل مرور كل يوم فيها تكريساً لهذا الانقسام، يكتمل عبث المشهد بحرب إسرائيلية - إيرانية متقطعة على أراضي دولة أصبحت سيادتها رمزية وأقرب إلى الوهم، وتوجد فيها آلاف القوات الأجنبية من روسية وأميركية وإيرانية ولبنانية وتركية وعراقية، فضلاً عن مرتزقة ومقاتلين أجانب عديدين في صفوف الجبهتين.

ومن ناحية ثالثة استقر الانقسام في اليمن، وأصبحت هناك دولتان بصورة واضحة، إحداهما في الشمال تسيطر على غالب المناطق الكثيفة السكان، يهيمن عليها الحوثيون وثيقو الصلة بإيران، في مواجهة الأخيرة التي تمثلها الحكومة ويعتبرها غالب العالم الشرعية وتسيطر على غالب المناطق الجنوبية، ويزيد الحوثيون من إرباك المشهد الإقليمي بدخولهم ساحة التصعيد الإقليمي بضجة لم يستفد منها أحد سوى إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما انتقل الجانب الرئيس في الاهتمام الدولي والإقليمي إلى غزة، فإن ساحة السودان الدامية زادت تدهوراً خلال أشهر حرب غزة الأخيرة، ففي كل يوم يضاف مزيد من الخسائر البشرية وتدمير البنى التحتية للبلاد، ويهجر مئات الألوف من النازحين إلى مناطق بعيدة من مواطنهم وأملاكهم، وتتراجع مستويات الإنتاج الصناعية والزراعية في المناطق التي يمتد إليها الصراع المسلح بين الجانبين المتقاتلين، ويتعذر نقل الغذاء والمساعدات إلى هؤلاء النازحين في بلد واسع الأرجاء ويقترب كثير من المناطق والسكان من حافة المجاعة، في ظاهرة لم يعرفها السودان تاريخياً.

صحيح شهد كثيراً من عدم الاستقرار والاضطرابات ولكن ما يحدث ليس له سوابق بهذه الصورة والمعاناة، وربما حاول مؤتمر باريس أخيراً التنبيه إلى خطورة ما يحدث، على رغم ما يحيط به من ملاحظات عديدة تستحق وقفة منفصلة، ولكن المؤتمر هو محاولة للفت الانتباه إلى خطورة التدهور الجاري خلال الأشهر الأخيرة.

أوراق الحسم بين الاستعداد والتأجيل

نطرح منذ سنوات عدة أن أوضاع السيولة الدولية والتحولات الجارية التي تدور حول محاولة واشنطن منع تراجع هيمنتها على النظام الدولي وصعود أقطاب دولية جديدة خلقت حالة من الفوضى واصطياد ثغرات لخلق صراعات وساحات نفوذ، لم يقتصر اللاعبون فيها على واشنطن والقوى الكبرى الصاعدة والتقليدية، بل أيضاً ضمت قوى إقليمية صاعدة خصوصاً إيران وتركيا اللتين تمارسان نفوذاً بقدر من الاستقلال عن نفوذ هذه القوى الكبرى وتدور معها في تفاعلات معقدة بعضها تبدو كوكيل للقوى الكبرى أحياناً، وفي أحيان أخرى كمن يجر هذه القوة خلفه وهو ما يصف حالة علاقة أنقرة بواشنطن وعلاقة طهران بموسكو .

في ظل حالة الفوضى وطقوس الغابة يسارع كل طرف بترسيخ نفوذه من أجل الوجود في مرحلة دولية جديدة لم تتبلور بعد. وفي كل ذلك تبدو تحركات إسرائيل من ناحية لترسيخ مشروعها الاستعماري الاستيطاني، ومن ناحية أخرى لترسيخ أنها لاعب إقليمي مسيطر بقوته العسكرية والتكنولوجيا في صراع الغابة الدائر حالياً.

وفي ظل هذه الخلفية المعقدة تأتي مسألة التصعيد الإسرائيلية - الإيرانية متفاعلة ولم تتبلور بعد، وإن كانت التصريحات الإسرائيلية تسير إلى مزيد من التصعيد المقبل، وفي الحقيقة أنه بنظرة شاملة فإن احتواء هذا التصعيد بصورة أو أخرى سيعني استمرار كل معادلات ساحات الصراع الراهنة في اتجاه مزيد من تأجيل الحسم، بينما تصعيد المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية قد يؤدي إلى منزلقات خطرة لا يعرف أحد كيف يمكن السيطرة عليها، ولا إلى ماذا ستؤدي إليه في الوقت نفسه لو انفجرت كل الساحات السابقة الذكر، إضافة إلى الساحة اللبنانية والعراقية أيضاً، وهو المسار الذي يبدو أن واشنطن لا تزال تريد تجنبه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل