Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نيتسح يهودا" حصان طروادة في الجيش الإسرائيلي لخدمة المستوطنين

تدفع المنخرطين بها للاعتقاد أن فرض الحكم على الفلسطينيين والسيطرة عليهم بمثابة "مهمة مقدسة"

تشكلت كتيبة "نيتسح يهودا" بالأساس من جنود مستوطنين متزمتين دينياً (موقع الجيش الإسرائيلي)

ملخص

تحولت الكتيبة من حاضنة للشباب الحريدي المتسرب من الدراسة إلى كتيبة دينية سياسية تبلور عقيدة أيديولوجية، ولا يوجد سجل يشير إلى عقاب أي ضابط على رغم حالات القتل الموثقة.

بعد مقتل الفلسطيني الأميركي عمر الأسعد البالغ من العمر 78 سنة مقيداً ومكمم الفم ومعصوب العينين عند نقطة تفتيش موقتة في وسط قرية جلجليا شرق رام الله في الـ12 من يناير (كانون الثاني) عام 2022، تعود كتيبة "نيتسح يهودا" المتهمة بمقتل الرجل المسن تحت المجهر من جديد، عقب تهديدات أميركية بفرض عقوبات غير مسبوقة عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، ارتكبت قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي من شأنها أن تمنع الكتيبة وأعضاءها من تلقي أي نوع من المساعدة أو التدريب العسكري الأميركي، خصوصاً أنها تتزامن مع إقرار واشنطن مساعدة لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار.

ويخول قانون ليهي وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميركيتين بتعليق المساعدات العسكرية لوحدة عسكرية أجنبية محددة إذا وجدوا أنها ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دولياً ولم يقدم المسؤولون عنها إلى العدالة، التي تشمل بموجب قانون الولايات المتحدة رقم 22 / 2304، "التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة والاحتجاز المطول من دون توجيه اتهامات ومحاكمة، مما يتسبب في اختفاء الأشخاص عن طريق اختطافهم واحتجازهم سراً، وغير ذلك من أشكال الإنكار الصارخ للحق في الحياة أو الحرية أو الأمن الشخصي".

وتشكلت كتيبة "نيتسح يهودا" بالأساس من جنود مستوطنين حرديين (متزمتين دينياً)، ذوي قناعات توراتية، وتحظى باستقلالية نسبية داخل الجيش الإسرائيلي.

وفقاً لمنظمة Dawn الأميركية لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تورطت الكتيبة بين عامي 2015 و2022 في جرائم عدة، تشمل إطلاق النار وقتل مدنيين عزل والتعذيب والاعتداء الجسدي والضرب والاعتداء الجنسي، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

وتحظر المادة رقم "7" من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إخضاع أي فرد "للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة"، بينما تطالب المادة "10" بمعاملة أي شخص "يحرم من حريته بإنسانية واحترام الكرامة المتأصلة في الإنسان". وأكدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أن عصب العينين يشكل تعذيباً، بينما أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب مراراً وتكراراً إلى عصب العينين، بأنه تكتيك من أساليب التعذيب عند الإبلاغ عن ممارسات الدول المختلفة.

تعاون حثيث

على رغم أن مجتمع الحريديم، المتزمت دينياً، يكرس كل حياته لتعلم التوراة في المعاهد الدينية (اليشيفاه) وينأى بنفسه عن الانخراط في صفوف الجيش لاعتقاده دينياً وعقائدياً أنه مؤسسة علمانية ستحرفهم عن ممارسة الشريعة الدينية السليمة، إلا أن انخراط شبان من الحريديم الذين فشلوا بالالتحاق بمدرسة توراتية بالمجتمع الإسرائيلي الليبرالي في العقود الأخيرة، دفع الحاخام تسفي كالبناو، إلى تأسيس جمعية "نيتسح يهودا" عام 1999 بهدف دفعهم للتجنيد في صفوف الجيش الإسرائيلي، ودعمهم مادياً خلال خدمتهم العسكرية التي تمتد إلى عامين، ومرافقتهم بعد إنهاء الخدمة للاندماج في المجتمع مع الحفاظ على قيم التوراة الأرثوذكسية المتشددة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن الجمعية التي ترعى نحو 2400 شاب حريدي فشلوا في الالتحاق بالمدرسة التوراتية، اتسع نطاق عملها لتضم بين صفوفها نحو 14 ألف مقاتل إسرائيلي من متدينين وعقائديين ونحو 700 جندي من المجتمعات اليهودية في العالم، لا ينتمون بالضرورة إلى مجتمع الحريديم، يتوزعون جميعاً على أكثر من ست كتائب داخل الجيش، أهمها كتيبة "نيتسح يهودا" التابعة لسرية كفير التي تحمل رقم 900، وتضم 1000 مجند. ويجمع مسار التجنيد في هذه الكتيبة ما بين العلوم العسكرية والعلوم الدينية التوراتية، فجنود الكتيبة يخدمون ما مجموعه عامان وثمانية أشهر في الجيش الإسرائيلي يخضعون خلالها لدورة تدريبية تمتد لنحو ثمانية أشهر، ومن ثم يخدمون كجنود لمدة 16 شهراً إضافياً، وهو ما يمهد للجندي الحصول على عام دراسي آخر بعد إنهاء الخدمة، إما لإكمال شهادة الثانوية العامة أو الدراسة في معهد من أجل الحصول على مهنة تمكنه من توفير مصدر دخل جيد.

مهمة مقدسة

يرى المستوطنون أن كتيبة "نيتسح يهودا" التي تعمل في منطقتي رام الله وجنين بالضفة الغربية، تعبر عن نفوذهم داخل مؤسسة الجيش الإسرائيلي، كيف لا وقد تحولت الكتيبة من حاضنة للشباب الحريدي المتسرب من الدراسة إلى كتيبة دينية سياسية تبلور عقيدة أيديولوجية، تدفع المنخرطين بها للاعتقاد أن فرض الحكم على الفلسطينيين والسيطرة عليهم يعتبر مهمة مقدسة دينياً، أكبر وأهم من كونها مهمة عسكرية تصدر عن قيادة الجيش، خصوصاً أنها تضم بين صفوفها أفراداً من "شبيبة التلال" اليمينية المتطرفة المعروفة بالعنف المفرط تجاه الفلسطينيين.

 

وأدت الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان التي يرتكبها جنود من كتيبة "نيتسح يهودا"، لا سيما في أعقاب وفاة الأسعد عام 2022 لنقل الكتيبة خارج الضفة الغربية. وعلى رغم تعالي أصوات داخل المجتمع الإسرائيلي وحتى داخل الجيش الإسرائيلي نفسه، بأن ثمة علاقة وثيقة بين الكتيبة وحركة المستوطنين، مطالبين بضرورة تفكيكها، ووضع حد لتمردها على الانضباط العسكري، وارتجالها اقتحامات لبيوت ومنشآت فلسطينية من دون معرفة قيادة الجيش وممارستها أعمال عنف، يصر قادة المستوطنين على دعمها، حتى إن زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش دافع عنها مراراً وتكراراً وكتب على منصة "إكس"، قائلاً "بصفتي مستوطناً، أقول لكم إن السكان المستوطنين سعداء دائماً أن كتيبة نيتسح يهودا منتشرة في قطاعهم".

وبحسب ما ورد في تقرير لمجلة "+972" الإسرائيلية اليسارية، يصف الجيش الإسرائيلي الكتيبة بأنها "في طليعة الحرب ضد الإرهاب الفلسطيني".

إفلات العقاب

وثقت منظمة (DAWN) انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها كتيبة "نيتسح يهودا" بين عامي 2015 و2022 ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك عديد من حالات القتل التعسفي والتعذيب والاعتداء الجسدي، إلى جانب مقتل المسن عمر الأسعد، وأشارت المنظمة وفقاً لتحقيقات متعددة اعتمدت على اعترافات وبيانات رسمية من الجيش، إلى أن جنوداً من الكتيبة قتلوا فلسطينيين لم يشكلوا أي تهديد ومارسوا عنفاً مفرطاً تجاه آخرين، كما عذبوا معتقلين فلسطينيين بالصعق الكهربائي.

 

وعلى رغم أنه في بعض الحالات واجه الجنود من ذوي الرتب الدنيا العقاب، لا يوجد ما يشير إلى أن الضباط عانوا أي عواقب، وفي حالات القتل الموثقة على وجه التحديد، لم يعاقب أي جندي أو قائد.

يرى مراقبون، أن قضايا الانتهاكات الثلاث التي ارتكبتها الكتيبة وأدت إلى مقتل إياد حامد في عام 2016، وقاسم عباسي 2018، وعمر الأسعد 2022، الذي يرجح بأن العقوبات الأميركية المرتقبة وغير المسبوقة ضد الكتيبة جاءت على إثرها، دفعت منظمات حقوقية للتشكيك بفاعلية إنفاذ القانون على الجنود المشتبه بإلحاقهم الضرر بالفلسطينيين وممتلكاتهم.

ووفقاً لمنظمة "ييش دين" الإسرائيلية غير الحكومية لحقوق الإنسان، فإن نسبة احتمال أن تؤدي شكوى الفلسطيني إلى محاكمة الجندي الذي أساء إليه لا تتعدى اثنين في المئة، مؤكدة إغلاق 72 في المئة من الشكاوى المقدمة بين عامي 2019 و2020 على خلفية جرائم مشبوهة ارتكبها جنود في حق فلسطينيين، واتخاذ قرار في شأنها من دون إجراء تحقيق جنائي.

وخلصت المنظمة، إلى أن نظام تطبيق القانون العسكري "يواصل تجنب التحقيق وملاحقة الجنود الذين يؤذون الفلسطينيين". في حين أكد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بيتسليم) أن "نظام التبييض المعقد الذي تقوم به النيابة العسكرية العامة الإسرائيلية، يهدف إلى إسكات الانتقادات الموجهة للجيش ولا يقصد به الكشف عن الحقيقة أو محاسبة المسؤولين، ولا يقصد بالتأكيد منع تكرار مثل هذه الحالات أو ضمان قدر ضئيل من العدالة".

المزيد من تقارير