Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النازحون أمام مخاوف تحول خان يونس لرفح جديدة

بات مصير الفلسطينيين جنوب غزة مصدر قلق للمنظمات الإنسانية التي ترى أن "الاجتياح" سيكون كارثة إنسانية

ملخص

التحذيرات الدولية من عواقب كارثية جراء اجتياح رفح لم تمنع الجيش من حشد لواءين من قوات الاحتياط لمواصلة مهمة الدفاع والهجوم في قطاع غزة

بعد أن خسر والديه وزوجته واثنين من أبنائه مطلع الحرب، يستعد محمد الفرا (45 سنة)، لخوض غمار رحلة نزوح جديدة محفوفة بالأخطار مجهولة الوجهة، فمدينة رفح الواقعة على الحدود الفلسطينية المصرية التي لجأ لها باعتبارها ملاذاً آمناً بعد الدمار الهائل الذي حل في منطقته شمال قطاع غزة، أصبحت على صفيح ساخن.

مع تدهور الأوضاع الإنسانية في جميع أنحاء القطاع والتحذيرات الدولية من كارثة إنسانية وشيكة في المدينة التي يتكدس فيها 1.5 مليون شخص، غالبيتهم من النازحين وتنعدم فيها بشكل شبه تام مقومات الحياة الأساسية، تلوح إسرائيل بشن عملية عسكرية برية فيها واسعة النطاق لمهاجمة معاقل حركة "حماس". ومع اقتراب ساعة الصفر لاجتياح رفح، بدأت بعض العائلات مغادرة المدينة والتوجه نحو الحدود مع مصر، فيما لا يدري الفرا وآخرون إلى أين يتجهون، وقد فاضت المنازل والمدارس وحتى الشوارع والميادين العامة بخيام النازحين.

وفقاً للتقديرات، منذ أن بدأت إسرائيل الحرب على قطاع غزة أعقاب هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، زاد عدد سكان رفح المقدر عددهم بـ300 ألف شخص خمسة أضعاف، يتكدس معظمهم في نحو 20 كيلومتراً مربعاً منها داخل ملاجئ مكتظة أو في الشوارع والطرقات والأماكن العامة، فيما تحكم إسرائيل سيطرتها على بقية مساحتها الكلية المقدرة 32 كيلومتراً لوقوعها في نطاق المناطق الأمنية العازلة المتاخمة للسياج الأمني، وهو ما أتلف معظم أراضيها الزراعية وجعل الوصول إليها واستغلالها أمراً بالغ الصعوبة. وجاء في بيان منظمة ActionAid الدولية أن "كل شخص في قطاع غزة يعاني الآن الجوع، ولا يحصل الناس إلا على ما بين 1.5 وليترين من المياه غير الآمنة يومياً لتلبية جميع حاجاتهم.

مثيرة للجدل

في مدينة خان يونس التي تبعد عن رفح نحو خمسة كيلومترات إلى الجنوب من قطاع غزة، أظهرت صور من شركة "ماكسار تكنولوجيز" الأميركية المتخصصة في التصوير عبر الأقمار الاصطناعية صفوفاً من الخيام البيضاء مربعة الشكل نصبها الجيش الإسرائيلي على طول الساحل في منطقة "المواصي" الأقرب للحدود مع مصر استعداداً لنقل النازحين إليها في عملية من المتوقع أن تستغرق نحو شهر، قبل الاجتياح البري المتوقع للمدينة.

وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن هذه المنطقة التي ستمتد من المواصي وحتى النصيرات بإمكانها استيعاب قرابة مليون نازح في خيام تتسع الواحدة منها ما بين 10 و12 شخصاً، كما أقيمت فيها خمس مستشفيات ميدانية وأكثر من 50 ألف خيمة.

ورفضت الأمم المتحدة اعتبار "المواصي" منطقة آمنة لانعدام الظروف الأساسية للأمن والحاجات الإنسانية الأساسية الأخرى، وفقدان الآلية للإشراف على تنفيذ منطقة آمنة فيها، وهو ما جعل العملية العسكرية الإسرائيلية المخطط لها في رفح واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصاً من حيث آلية وإمكانات تطبيقها على أرض الواقع، فغالب منطقة المواصي التي تقدر مساحتها الإجمالية بنحو 12 مليون متر مربع وتمثل نحو ثلاثة في المئة من مساحة قطاع غزة، تتكون من كثبان رملية بيضاء، ورقع قاحلة ضيقة تفتقر إلى الشروط الأساسية للحياة البشرية.

 

وتشير تقديرات إلى أن المنطقة التي يبلغ عدد سكانها قرابة 9 آلاف شخص، لا يمكن أن تستوعب أكثر من 200 ألف فلسطيني.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حذر إسرائيل من المضي قدماً في توغل أوسع في رفح من دون خطة لحماية المدنيين، ووصف ردها على هجمات السابع من أكتوبر بأنه "مبالغ فيه". كما أبدت منظمة العفو الدولية قلقها من خطر إبادة جماعية وشيك لانعدام فرصة توفر ملجأ آمن للمدنيين وسط تخوفات مصرية من أن يدفع الاجتياح، في حال تحققه، النازحين الفلسطينيين إلى اختراق الحدود إلى الجانب المصري، في حين حذرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من "الترحيل القسري للمدنيين" في غزة، قائلة إن "الإخلاء الموقت يجب أن يخضع لشروط، بينها توفير السكن".

أمر مستحيل

في السياق، يشدد الباحث السياسي عصمت منصور على أن خروج النازحين من رفح للمنطقة الآمنة التي أنشأتها إسرائيل، جنوب شرقي وادي غزة على الشريط الساحلي بطول 12 كيلومتراً وتمتد من دير البلح شمالاً مروراً بمحافظة خان يونس حتى محافظة رفح جنوباً بعمق كيلومتر تقريباً "أمر مستحيل"، خصوصاً إذا نزح سكان رفح الأصليون وعددهم يقدر بـ300 ألف شخص.

واستبعد منصور أن تصبح خان يونس رفح جديدة، فالعملية العسكرية الإسرائيلية فيها خلفت دماراً واسعاً في الطرق والمنازل والبنية التحتية بلغ 85 في المئة. ووفقاً للتحليلات التي أجراها المكتب الإعلامي الحكومي فإن ما يقدر بنحو 144 ألف مبنى في خان يونس دمر بصورة كلية و175 ألفاً آخرين تضرروا بصورة جزئية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين يرى مراقبون إسرائيليون أن افتقار خيم النازحين في رفح ومناطق أخرى جنوب القطاع إلى البنى التحتية والصرف الصحي وخطوط المياه والكهرباء وشبكات الاتصالات والإنترنت، يجعل انتقالهم للخيم في منطقة المواصي بخان يونس سهلاً وسريعاً، وقد أكد الجيش الإسرائيلي مراراً وتكراراً أنه يسعى إلى تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين إلى الحد الأدنى، وأن المناطق الآمنة المخطط لها ستوفر السكن الموقت والغذاء والمياه وغيرها من الضرورات للفلسطينيين الذين سيجلون.

وتقسم المواصي التي ينصب فيها الجيش الإسرائيلي خيماً للنازحين إلى منطقتين متصلتين جغرافياً، تتبع إحداهما لمحافظة خان يونس، وتقع في أقصى الجنوب الغربي من المحافظة، في حين تتبع الثانية لمحافظة رفح، وتقع في أقصى الشمال الغربي منها.

كارثة إنسانية

على رغم أن موعد إخلاء النازحين لم يتضح بعد بات مصير الفلسطينيين جنوب القطاع مصدر قلق كبيراً للمنظمات الإنسانية، التي ترى أن الهجوم على المنطقة المكتظة بالنازحين سيكون بمثابة كارثة، إذ تعد رفح شريان الحياة الرئيس للقطاع، وبوابته إلى العالم الخارجي والمدخل الرئيس للمساعدات، وقد يؤدي إقدام الجيش على تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح إلى صدام دموي مع المدنيين تتضمن جملة من الإجراءات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والدولية وغيرها.

 

بيد أن موقف التيار الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت واليمين عموماً يتبنى توجهاً يقضي بأن العملية العسكرية والضغط العسكري فقط هو من سيعيد الرهائن الإسرائيليين وليس صفقات التبادل، فيما تبذل مصر جهوداً دبلوماسية حثيثة لحشد المجتمع الدولي ضد تنفيذ عملية عسكرية في رفح، وتشدد من وقت لآخر على "رفضها تهجير الفلسطينيين داخل أراضيهم أو خارجها"، وتترقب كيف ستتعامل إسرائيل مع التحذيرات الدولية؟ وهو ما يدفعها إلى السعي قدماً للتوصل إلى هدنة توقف الاجتياح البري المرتقب. في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي في بيان قبل أيام قليلة، إن التحذيرات الدولية من عواقب كارثية، لم تمنعه من حشد لواءين من قوات الاحتياط لمواصلة مهمة الدفاع والهجوم في قطاع غزة تحت قيادة الفرقة 99، مشيراً إلى أن اللواء 2 التابع للفرقة 146 واللواء 679 التابع للفرقة 210، اللذين عملا حتى الآن على الحدود الشمالية أجريا الاستعدادات على مدى الأسابيع الأخيرة لمهمتهما في قطاع غزة. وهو ما يكسب إسرائيل وفقاً لمراقبين، مزيداً من أوراق القوة للضغط على حركة "حماس" عسكرياً وتفاوضياً، على الأرض وفي المحادثات غير المباشرة.

ويرى مراقبون أن التضخيم الكبير لأهمية اجتياح رفح ومحور صلاح الدين الحدودي (محور فيلادلفيا) يضع إسرائيل أمام مفترق طرق حاسم، فخروج العملية العسكرية على رغم أخطارها الجسيمة من دون تحقيق إنجازات واضحة أمام المستوى الدولي سواء بالقضاء على حركة "حماس" أو "استعادة الرهائن الإسرائيليين"، والاكتفاء بتطبيق سياسة الأرض المحروقة، سينعكس سلباً على صورتها عالمياً.

وأمس الأحد، هدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش رئيس الوزراء نتنياهو بحل الحكومة في حال وافق على المقترح المصري للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع حركة "حماس" وأوقف اجتياح رفح جنوبي قطاع غزة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات