بدأ الأمر، كما تكون العادة في هذه المواضيع، مع خبر عاجل، إذ جرى تأكيد أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة في بلدة تبعد عشرين ميلاً إلى الشمال من سياتل [على الساحل الغربي لأميركا]. في غضون ساعة، كنتُ على الطريق السريع رقم 5 متوجهاً إلى "إيفريت"، للتحدث إلى مسؤولي الصحة والحصول على ردود أفعال من السكان. (خلاصة اللقاءات التي أجريتها يتمثل في أن السكان لم يكونوا قلقين، وحاولوا الحفاظ على هدوئهم).
وبعد ستة أسابيع، أُعلنت أول حالة وفاة في البلاد في ضواحي كيركلاند. هذه المرّة، اندفعتُ مباشرة إلى الطريق السريع 405 متوجهاً إلى الشمال الغربي للتحدث مع الأشخاص الذين كانوا يخزّنون المؤونة في أحد المتاجر الكبرى بالقرب من المستشفى الذي توفي فيه المُصاب وحيث توجد دار "لايف كير" للمسنين. (خلاصة المقابلات تمثّلت في أن الأشخاص قلقون بشكل متزايد، ويحاولون البقاء هادئين لكنهم خائفون).
الآن، وصل عدد الوفيات إلى 11 شخصاً. وقد طُلِبَ من أكثر من عشرة آلاف موظف في شركات كـ"آمازون" و"مايكروسوفت" و"غوغل" و"فيسبوك"، من بينهم زوجتي، أن يعملوا من المنزل بهدف الحدّ من انتشار الفيروس.
كذلك نُصِح المواطنون الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة أو الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية أساسية، أن يبقوا في منازلهم. وقد أمر المسؤولون بإغلاق المناطق التعليمية. واقترحوا أيضاً أن تتولّى المجموعات المجتمعية إلغاء الفعاليات التي تضم أكثر من عشرة أشخاص.
واستطراداً، تُظهِر الصور الملتقطة من المتاجر الاستهلاكية كـ"كوستكو"، الأشخاص يصطفون في طوابير طويلة جداً. وأبلغت شركات كـ"آمازون" عن ارتفاع في الطلب على السلع المعلّبة ومعقمات الأيدي. ويزور نائب الرئيس الأميركي مايك بينس عاصمة الولاية.
ومع ذلك، يبدو أن الزبائن في مقهى الحي لم يبدوا اهتماماً يُذكر هذا الصباح. وذكرت إحداهم، تُدْعَى ليندزي بيرغر، أثناء حديثها مع سيدتين أخريين، أنها فوجئت بطريقة "مُبالغة الناس في ردود أفعالهم".
وبحسب بيرغر، "يجعلني هذا قلقة إزاء ما سنفعله لو كانت هناك أزمة حقيقية". وأضافت أن أصدقاء لها في نيويورك أرسلوا لها صوراً لأرفف خاوية من فرع متاجر "هول فودز ماركت" في "ميدان الاتحاد" في حي مانهاتن الشهير. إنّ كورونا فيروس معد، لكنه خفيف. ماذا لو كان مرضاً معدياً لكنه حاد؟".
في ظل معظم الأزمات أو حالات الطوارئ المعلنة، مثل زلزال "فوكيشيما" في 2011، أو إعصار "هايان" الذي اجتاح الفلبين في 2013، يتجسّد التحدي الذي يواجه المراسلين إلى حد كبير، في التحدي اللوجستي.
هل يمكنك الوصول إلى المكان؟ هل باستطاعتك العثور على مترجم؟ هل هناك إشارة لشبكات الهواتف الخلوية؟ هل يمكنك استعارة هاتف يعمل بالأقمار الصناعية من شخص ما؟
لقد ارتدى أحد الأصدقاء الذي غطى تفشي فيروس "إيبولا" في غرب أفريقيا عام 2014، البدلة الخاصة بالتعامل مع المواد الخطيرة لمدة أربعة أشهر متتالية، أثناء توثيقه الانتشار المدمر للمرض، الأمر الذي جعله يظفر بجائزة "بوليتزر" الأميركية للإنجازات الصحافية.
يبدو أمراً سخيفاً أن يكتب المرء عن أن مرتادي حصة "التدريب الأساسي" في النادي الرياضي بدأوا يسلمون على بعضهم البعض بـ"ضرب أكفهم" في الهواء عند نهاية الحصة لتجنب ملامسة الأيدي بشكل مباشر. يبدو نوعاً من ممارسة الرفاهية أن تكتب تقريراً عن مخاوف الناس بشأن ركوب الطائرات عند الذهاب لقضاء إجازتهم. يبدو الوضع أنه أزمة بالكاد عندما يكون بمقدور الناس أن يملأوا بالطعام خزائن مطابخهم عبر نقرة زر واحدة.
وعلى غرار الحالة في جزء كبير من عالم اليوم، من المحتمل أن يتحوّل الامتياز خطاً اجتماعياً فاصلاً مع ظهور أزمة فيروس كورونا.
إذا كان لديك تأمين صحي، فأنت تعلم أنه يمكنك تلقي العلاج عندما تمرض. إذا كان لديك مكان تعيش فيه، فباستطاعتك العمل من المنزل، على افتراض أن لديك وظيفة. ما لم يكن الحال كذلك، فأنت تعمل في أحد المستودعات المملوءة بالأطعمة المعلبة، أو تعمل كسائق توصيل بضائع، أو نادلاً في مقهى أو مطعم للوجبات السريعة.
ولكن ماذا عن الأشخاص المشردين الذين يقدّر عددهم بنحو خمسين ألف إنسان في سياتل، وقد تفاقمت محنتهم بسبب النقص في الإسكان الميسر الذي ساعد في خلقه وجود الآلاف من موظفي التكنولوجيا الذين يحصلون على مردود جيد؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كيف يمكنك الحصول على علاج لفيروس كورونا إذا كان مسكنك عبارة عن خيمة على جانب الطريق السريع أو بجوار مبنى ما زال قيد التشييد؟ هل سينتهي بك المطاف في فندق "إيكونولودج" المكوّن من 84 غرفة الكائن في بلدة رينتون الذي اشتراه المسؤولون في مقاطعة كينغ (واشنطن) بمبلغ أربعة ملايين دولار كي يُستخدم كمرفق للحجر الصحي لمرضى فيروس كورونا؟ هل سيضعونك في وحدة عزل بديلة ضمن مقطورة في أحد مواقف السيارات العامة؟
وكذلك أورد داو قسطنطين، الرئيس التنفيذي في مقاطعة كينغ أنّه "باستطاعة كثيرين منّا الاحتماء في مكان ما، بإمكاننا العودة إلى منازلنا، بل ويمكننا العمل عن بُعد... هذا ليس خياراً للأشخاص الذين لا يمتلكون مسكناً".
هذا الصباح، صُعق كثيرون بسبب خبر نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أشار إلى أنه خلال الأسابيع الستة الفاصلة بين أول ظهور للمرض في إيفريت وحالة الوفاة الأولى في كيركلاند، تراوح عدد الأشخاص المصابين بالمرض أو الذين نُقل إليهم، بين 150 و1500 شخص.
وكذلك أشار مايك فامولاري، عالم أبحاث رئيس في "معهد نمذجة الأمراض" في ضاحية بيلفيو [في سياتل]، إلى أن العدد يتراوح على الأرجح بين 300 و500 شخص.
الأمر الأكثر إثارة للخوف حقيقةً يتمثّل في أن الأفراد لا يعرفون مكان الفيروس أو مَن هم المصابون به. هل إنّه هذا الشخص الذي يعطس في الحافلة؟ ماذا عن ذلك الشخص الذي يمشي مع كلابه؟ وبالنسبة إلى الصحافيين، يكمن التحدي في تحديد الموقع. ما جوهر القصة التي نحاول تغطيتها؟
وبينما يتقدم مسؤولو الصحة في اختباراتهم، سيُبلّغُ عن حالات عدّة. من شبه المؤكد أننا سنشهد مزيداً من الوفيات. في مرحلة ما، ستبدأ الأرقام في الانخفاض، لكن قد يكون ذلك بعد حين.
في المقابل، صدر تعليق تشجيعي من إحدى العاملات في ذلك المقهى هذا الصباح عندما حدّثتُها عن دهشتي نوعاً ما لأني وجدت المكان مفتوحاً، إذ جاء ردها إن "العمل سارٍ كالمعتاد"، لكنّ "الجميع يبذلون جهداً كي يكونوا ودودين على نحو غير اعتيادي". وقد سألتُها إن قصدت بكلماتها العاملين أو الزبائن، فأجابتني، "بل كلاهما".
© The Independent