تتوالى أنباء تسلم العراق أعداداً من المطلوبين في قضايا إرهابية، ألقت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" القبض عليهم، خلال المعارك الأخيرة في الشرق السوري، وسط مخاوف من تكرار سيناريو سجن أبي غريب الشهير، غرب بغداد، الذي هرب منه مئات المعتقلين العرب والأجانب في يوليو (تموز) العام 2013، ليشنّوا بعد نحو عام واحد، هجوماً واسعاً أسفر عن سقوط نحو ثلث الأراضي العراقية في أيديهم.
وبدا أن السلطات العراقية مرتبكة حيال التعامل مع الجهاديين الأجانب في تنظيم "داعش"، الذين تنأى دولهم عن تسلمهم أو التعامل معهم. فبينما قال رئيس الجمهورية برهم صالح إن بغداد ستحاكمهم وفقاً لقانون الإرهاب العراقي، قال رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي إن الجهات المختصة ستنظر في ملفاتهم على حدة، وتتواصل مع دولهم في شأن مصيرهم.
تحمل العبء
يسمح قانون مكافحة الإرهاب في العراق بإدانة مستويات مختلفة من المتورطين في أعمال العنف، لا تقتصر على الفاعلين المباشرين، بل تشمل معظم من يقدّمون أيّاً من أشكال المساعدة لهم.
وتقول مصادر مطلعة إن نقاشاً يدور في كواليس الحكومة العراقية في شأن السبيل الأمثل للتعامل مع الأعضاء العرب والأجانب في تنظيم "داعش". ويريد فريق حكومي الانتفاع بالميزات التي توفرها عملية تحمل عبء التعامل مع رعايا أجانب، ترفض دولهم استعادتهم، على أن تقدم للبلد الذي يتبرع بالتعامل معهم مساعدات اقتصادية وعسكرية، يبدو العراق في حاجة إليها، فيما يدفع فريق آخر نحو التخلص منهم سريعاً، بإرسالهم إلى دولهم، أو إلى بلد ثالث.
أخطر الإرهابيين
وإلى أن تجد بغداد وسيلة للتخلص من "أجانب داعش"، فقد أفرغت لهم جانباً من أشهر السجون العراقية في جنوب البلاد، لتحتجزهم فيه موقتاً، وربما دائماً.
وكشفت مصادر في وزارة العدل العراقية لـ "اندبندنت عربية" عن أن "تعليمات صدرت بإخلاء جزء من سجن الناصرية، الذي يعرف بسجن الحوت، ليستقبل المطلوبين الأجانب الجدد، الذين تسلمتهم بغداد أخيراً من قسد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقع هذا السجن في جنوب البلاد، ويخضع لحراسة أمنية مشددة، لأنه يضم بعضاً من أخطر الإرهابيين الذين عملوا ضمن تنظيمي "القاعدة" و"داعش".
ولا يعرف أصل التسمية الشعبية التي يحظى بها هذا المعتقل، لكن سكاناً محليين يقولون إنها تشير إلى الشبه بينه وبين "بطن الحوت"، لجهة قدرته الفائقة على الاستيعاب. وعلى الرغم من أن سجن الحوت يتسع لنحو ألفي معتقل، إلا أن السلطات العراقية تحتجز فيه نحو 10 آلاف سجين.
من المسؤول؟
وسبق للسلطات العراقية أن كدّست آلاف الإرهابيين المحليين والعرب والأجانب في سجن أبي غريب، غرب بغداد، الذي اشتهر بأنه الموقع الذي استخدمه الجيش الأميركي لتعذيب معتقلين عراقيين متهمين بالتمرّد ضده، في أبريل (نيسان) العام 2004.
وصيف العام 2013 تعرض سجن أبي غريب، لهجوم واسع نفذه متشددون يشتبه في أنهم ينشطون ضمن صفوف تنظيم داعش، ما أسفر عن تحرير مئات المحتجزين فيه.
وتبادلت الحكومة العراقية وخصومها السياسيون آنذاك، تهماً بالمسؤولية عن وقوع هذه العملية الواسعة.
وتُجمع التقارير الاستخبارية، على أن بعض الهاربين من سجن أبي غريب شكّلوا العصب الرئيس لحملة تنظيم "داعش"، صيف العام 2014، التي أسفرت عن سقوط أجزاء واسعة من الأراضي العراقية، عندما هربت القوات النظامية أمام زحف المتشددين، ما نتج منها احتلال مدينة الموصل.
ويشكو سكان القرى المحيطة بسجن الحوت في الناصرية، من التشديد الأمني الذي تخضع له المنطقة، وهو ما يمكن أن يتضاعف مع وصول معتقلين جدد، يصنفون بين السجناء الأعلى قيمة في العالم.
ولكن احتمالات الهرب من أشد السجون تحصيناً في العراق قائمة. وحتى الآن، لم يجر تحديد الجهات المسؤولة عن هرب معتقلي أبي غريب، على الرغم من مضي نحو ستة أعوام على الحادثة، إذ طاولت التهم قائمة واسعة من الشخصيات، بدءاً برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، مروراً بقادة بارزين في الجيش والشرطة، ولم تنتهِ عند عناصر أمن يتولون مهمات الحراسة الروتينية.
ويقول مراقبون إن لا ضمانات في شأن استمرار السيطرة على أعداد كبيرة من أبرز الإرهابيين داخل سجون العراق في ظل استمرار الاحتقان السياسي، الذي يصنّف على أنه أحد أهم أسباب الانهيارات الأمنية الكبيرة التي شهدها العراق منذ العام 2003.