أياً يكن نقيض المنفعة الذي تواصل شركة "هواوي" الصينية تقديمه لحكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، فإن هذا هو الذي يحصل معها من جرائه. إنه السبب والحافز لقيام أول تمرد برلماني "محافظ" منذ الانتخابات العامة في المملكة المتحدة.
فقد تكتلت مجموعة من الوزراء السابقين وغيرهم من أعضاء الصفوف الخلفية في البرلمان، الذين يميلون في الغالب إلى التشكيك في أوروبا، ويُسمون الجناح "الأطلسي" لحزب "المحافظين"، للإعراب عن الاستياء من السماح للشركة الصينية بالوصول إلى شبكة الجيل الخامس 5G من الاتصالات المخطط لإنشائها في المملكة المتحدة، إلى درجة أن هؤلاء يعتزمون طرح تعديل على مشروع القانون يوم الثلاثاء المقبل، من شأنه حصر المهلة المعطاة لشركة "هواوي" بموعدٍ زمني لا يتجاوز مثلاً الحادي والثلاثين من ديسمبر (كانون الأول) من عام 2022.
ربما تكون هذه المجموعة مدفوعة جزئياً باحتمالات إبرام صفقة تجارية مفترضة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، قد يعوقها هذا التعقيد الصيني. فقد أفيد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بدا "شديد الغضب" عندما اتصل به بوريس جونسون لاطلاعه على خطة الحكومة البريطانية في هذا المجال. ويبدو أن قضية "هواوي" مرجحة لأن تكون مصدر قلق بالنسبة إلى الحكومة البريطانية، قد يلازمها لسنوات عدة مقبلة.
هل ينجح إذاً هذا التمرد؟ وماذا يخبئ للسنوات القليلة المقبلة من الحياة البرلمانية؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضم المتمردون إلى صفوفهم شخصياتٍ نجومية مثل إيان دنكن سميث وديفيد ديفيس وأوين باترسون وداميان غرين وطوم توغندات رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، وغراهام برادي رئيس "لجنة 1922" (تشمل جميع نواب المقاعد الخلفية من "المحافظين"). ومع ذلك، قد لا يصلون إلى مستوى الأهلية اللازمة لهزيمة الحكومة، ولا يمكنهم افتراض أن كل عضو برلماني معارض سيصوت معهم. ويبدو أن متمردي حزب "المحافظين" يريدون فقط "القيام بتحرك يوضح للناس ما هم قادرون عليه"، أكثر من سعيهم إلى تحقيق أي شيء آخر.
لكن هذا لا يعني أن حكومة جونسون ستجد أن الأمور ميسرة بالنسبة إليها. فعلى عكس حكومة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي استمرت في الحكم في الفترة ما بين عامي 2017 و 2019، والحكومة الأولى لبوريس جونسون، اللتين كانتا في حينه تفتقران لأي نوع من أنواع الغالبية البرلمانية، تبدو الحكومة "الجديدة" لجونسون ظاهرياً في وضع أفضل لإنجاز أعمالها (مثل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي).
وكي نكون منصفين، ستظل هذه هي الحال بالتأكيد مقارنة بالهزائم البرلمانية الكبيرة التي تعرضت لها حكومة ماي في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عندما واجهت خسارةً بلغت 230 صوتاً خلال التصويت في السادس عشر من يناير (كانون الثاني) على اتفاق "بريكست"، وهو يُعد رقماً قياسياً لا سابقة له على الإطلاق.
ويمكن لجونسون أيضاً أن يعتمد على نحو مئة وثمانية نواب جدد من "المحافظين" الذين يدينون (بدرجات متفاوتة) إلى رئيس الوزراء شخصياً في وصولهم إلى مجلس العموم. وقد أنتجت المكاسب الكبيرة التي حققها حزب "المحافظين" وكثير من أصحاب المناصب فيه (مثل فيليب هاموند وكين كلارك وأمبر رود ودومينيك غريف وديفيد غوك ونيكولاس سومس...) مجموعة وافرة من الوجوه الجديدة. وربما يجد رئيس الوزراء أيضاً لدى الرئيس الجديد لمجلس العموم ليندساي هويل، قابلية للتعاون أكبر من سلفه جون بيركو، وأقل احتمالاً لتسهيل حدوث إجراءات محرجة لحكومته.
ومع ذلك يمكن أن يشكل أعضاء في البرلمان مجموعة متقلبة وغير ممتنة للغاية. فقد لاحظ جون ميجور في السابق، أن المقاعد الخلفية للبرلمان مليئة بالنواب "المحرومين وغير المهووسين". وعلى الرغم من أن عدداً من خصوم رئيس الوزراء قد تم إقصاؤهم في شهر ديسمبر الماضي، فإن مع مرور الوقت، سيراكم هو أيضاً عصبة من "الأوغاد" (بلسان ميجور)، الذين يكونون على استعداد للتسبب في مشكلات له. فبعض القضايا مثل شبكة "بي بي سي" وهيئة "الخدمات الصحية الوطنية" NHS، تُعد حساسة جداً للرأي العام في المملكة المتحدة.
لكن على الرغم من ذلك، هناك مفارقة. فإن غالبية كبيرة داخل المجلس يمكن أن تغري بعض النواب "المحافظين" بالتمرد على جونسون عندما يعلمون أن هناك فرصةً ضئيلة لسقوط فعلي للحكومة في مجلس العموم، ناهيك باحتمال الخروج من السلطة. ويمكن أن تطغى بعض القضايا على المناصب البرلمانية الأكثر أماناً. فقد كان طوني بلير آخر رئيس للوزراء قبل جونسون يتمتع بغالبيات مريحة، لكن في عام 2005 وجد نفسه في الطرف الخاطئ من التصويت على موضوع احتجاز أشخاص مشتبه بهم في أنهم إرهابيون، لمدة تصل إلى 90 يوماً. فقد صوت نواب المعارضة كلهم ونواب من حزب "العمال" ضده لإلغاء الخطة، بحيث سقطت غالبيته الإسمية التي تحققت من انتخابات عام 2005 والبالغة آنذاك ستة وستين صوتاً. وعلى الرغم من أن بلير كان يتمتع بغالبية عظمى بين عامي 1997 و 2005، فقد عانى أيضاً من حرج كبير وإن لم يكن قاتلاً، من الإصلاحات التي طرحها في شأن المنافع ورسوم التعليم والحرب في العراق. فالسياسات لا تتوقف بمجرد تغيير الحسابات داخل مجلس العموم.
وإذا كان الموضوع ضاغطاً بما فيه الكفاية وربما غير حزبي، قد تصبح الحكومة عاجزة عن منع الهزيمة. فقد عانت رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر ما يكفي من المحطات الخطرة في حياتها السياسية، حتى بعد انتصاراتها الساحقة في الانتخابات العامة، لكنها نجت في الغالب منها. وكانت القضية اللاهوتية المتعلقة بالسماح للتجار بالعمل يوم الأحد قد حركت بشكل انفعالي غريب ما يكفي من النواب "المحافظين" الذين يخافون الله، في اتجاه إلحاق الهزيمة بها عام 1986، ما أدى إلى خسارة غالبيتها الإجمالية البالغة آنذاك ما يزيد على مئة وأربعين نائباً. ومن الغريب أن صدى هزيمة ثاتشر تردد مرة أخرى في مارس (آذار) عام 2016، عندما كانت حكومة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون تتمتع بغالبية ضئيلة لم تكفِ للحؤول دون التعرض لهزيمة مماثلة، ما يشير إلى أن طبيعة القضية المطروحة قد تكون أكثر أهمية من مجرد حسابات التفاضل والتكامل.
وعلى النقيض من ذلك، يمكن لغالبية نيابية بسيطة أن تساعد ضابطي التصويت لدى الحكومة والمعارضة على حد سواء، في الحفاظ على الانضباط وفرضه. وكانت هذه هي الحال مع حكومتي ويلسون وكالاهان في سبعينيات القرن الماضي، ومرة أخرى في بعض الأحيان مع حكومة جون ميجور بعد عام 1992. وقد تعرض المتمردون للتهديد بإجراء انتخابات عامة، وفي حالة أولئك الذين هم في المقاعد الهامشية، فقد كادوا أن يفقدوا وظائفهم الخاصة إذا لم ينضبطوا ويتقيدوا بالخط. وهكذا، على عكس الاحتمالات، نجح ميجور في تمرير مشروع قانون "معاهدة ماستريخت" في البرلمان.
لذا يبدو أن الفرص ضيقة جداً أمام حكومة بوريس جونسون في التغلب على السنوات الأربع أو الخمس المقبلة المضطربة سالمة. ومن المحتمل أن تكون هناك هزائم لأسباب ليس أقلها أن كثيراً من أعضاء حزب "المحافظين" قد اكتسبوا عادة التمرد "من حيث المبدأ" عندما لا يعجبهم ظاهر الأشياء. في الغالب، حتى معظم "الشجعان" من محاربي المقاعد الخلفية يبدون انضباطاً عندما تتم الدعوة إلى تصويت رسمي بحجب الثقة عن الحكومة (كما فعلوا أيام تيريزا ماي وجون ميجور). ويتمثل الخطر الحقيقي لجونسون، وهو نفسه كان قد تمرد في السابق، إذا ما بات نواب حزبه في حاجة إلى زعيم جديد بدلاً من إجراء انتخابات مبكرة. وينبغي ألا يتم استبعاد الوصول إلى وضع كهذا.
© The Independent