وصف طبيبٌ يعمل على الخط الأمامي للمواجهة التي تخوضها إيطاليا ضد فيروس كورونا حالة ذلك الوباء بـ"الكارثة"، وفي موازاة "الحرب على الذعر"، حذّر الطبيب الناس تهوين شأن الخطر الذي يمثّله هذا المرض.
وفي وصف دراماتيكي للظروف السائدة في مستشفاه بمدينة "بيرغامو" شمال شرقي البلاد، أفاد دانييلي ماكيني أنّ "تفشي المرض كان أشبه بتسونامي طغى علينا، وعدد الحالات يتضاعف يومياً".
وأكد الجراح، الذي يعمل في مستشفى "هيومانيتاس غافاتزيني" في مقاطعة "لومباردي" التي تعدّ إحدى أكثر المناطق تضرراً في البلاد، أنّ "الحرب انفجرت بكلّ ما في الكلمة من معنى، والمعارك ضدّ المرض متواصلة ليل نهار".
وسجّلت إيطاليا حتى الآن نحو 9172 إصابة بالفيروس المعروف رسمياً باسم "كوفيد 19"، مع 463 وفاة، وفي محاولة منها وقف انتشار المرض، أمرت الحكومة الإيطالية بإغلاق شامل في البلاد مع وضع قيودٍ على السفر، وفرض حظر على الفعاليات العامة، وإقفال المدارس بجميع أنحاء البلاد.
وحضّ الدكتور ماكيني الناس، خصوصاً الشباب، على عدم الشعور بالرضا الذاتي، وتجاهل خطر المرض، والافتراض خطأً أنه "مجرّد إنفلونزا". ونشر على حسابه عبر موقع "فيسبوك" أنه "بينما لا يزال هناك أشخاص على شبكات التواصل الاجتماعي يتفاخرون بعدم الخوف، وبتجاهل الاتّجاهات السائدة، ويحتجّون لأن روتينهم العادي يتعرّض مؤقتاً لاضطراب، فإن كارثةً وبائية تحدث على الأرض".
وأوضح قائلاً، إنّ "الحالات تتضاعف، ونصل إلى معدل يتراوح بين 15 و20 حالة استشفاء يومياً للسبب نفسه، وتأتي نتائج عيّنات المسح الآن واحدة تلو الأخرى مع نتيجة إيجابية، إيجابية، إيجابية. فتنهار فجأةً غرف الطوارئ".
وأضاف ماكيني، "لم يعد هناك تمييز بين جراحين أو أطباء مسالك بولية أو اختصاصيي جراحة العظام، بل أصبحنا فجأةً جميعنا نحن الأطباء جزءاً من فريق واحد، نعمل معاً لمواجهة هذا التسونامي الذي طغى علينا".
وانتقد الجراح الإيطالي ما سمّاها "الحرب على الذعر"، متسائلاً: "هل الذعر حقّاً هو أسوأ من الإهمال واللا مبالاة في أثناء تفشّي وباءٍ من هذا النوع؟"، وكتب أيضاً واصفاً مشاعره، "عندما لا تصل الرسالة إلى الناس عن خطورة ما يحدث أُصاب بقشعريرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبدأت معلومات خاطئة تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن فيروس كورونا، يغذيها مسؤولون كثيرون أمثال دونالد ترمب، إذ تحدّث الرئيس الأميركي مراراً عدّة عن أن "كوفيد 19" ليس أسوأ من مرض الإنفلونزا الشائعة، متهماً وسائل الإعلام بإثارة الأزمة على الرغم من أن زملاءً له في الحزب الجمهوري عمدوا إلى عزل أنفسهم، بسبب مخاوفهم من التعرّض للمرض الذي أودى حتى الساعة حياة 27 أميركياً.
ووفق كلمات الدكتور ماكيني، "يأتي أشخاص سيئو الحظ الواحد تلو الآخر، إلى غرفة الطوارئ، ويكون ما لديهم أكبر بكثير من مضاعفات الإنفلونزا. فلنتوقّف عن القول إنها إنفلونزا سيّئة. (على أَسِرّة المستشفى) تحمل الألواح أسماء المرضى، وتكون عادةً بألوان مختلفة تبعاً لمستوى العلاج. لقد أصبحت جميعها حمراء. وبدلاً من العمليات الجراحية يسود الآن التشخيص الذي تأتي نتائجه دائماً تحت العنوان الملعون نفسه (التهاب في الرئتين)".
وكذلك سأل، "بيّنوا لي الآن ما فيروس الإنفلونزا الذي يسبّب مثل هذه المأساة السريعة؟ أسف، لكن بالنسبة إليّ كطبيب المسألة لا تطمئنني، ويتمثّل ما هو أخطر من ذلك في كبار السن ممن يعانون أمراضاً أخرى".
واعترف الدكتور دانييلي ماكيني أنه هو وزملاؤه، لم يكونوا في البداية متأكّدين من أن "تفشّي المرض سيكون بمثل هذه الضراوة"، عندما جرى إفراغ المستشفى من المرضى العاديين، وخلال إفراغ وحدة العناية المركزة لإتاحة المجال أمام أكبر عددٍ ممكن من الأسرّة قبل تدفق الحالات". في المقابل، أفاد أنه بات متيقناً الآن من أن "الوضع مأسَاوي في أقلّ تقدير".
وفي وصفٍ لنمط العمل الراهن داخل المستشفى، أشار الجراح الإيطالي إلى أنه "لم تعد هناك دوامات مقسمة، ولا ساعات عمل محدّدة. الحياة الاجتماعية معلّقة بالنسبة إلينا حتى إشعار آخر. لم نعد نلتقي عائلاتنا خوفاً من نقل العدوى إلى أفرادها. البعض منا أصبح مصاباً فعلاً بالفيروس على الرغم من البروتوكولات المتّبعة والإجراءات الاحترازية".
وأوضح أيضاً أنّ "لدى بعض زملائنا المصابين بالفيروس أقارب مصابون أيضاً، وبعضهم يكافح المرض فعلاً بين الحياة والموت. لذا كونوا صبورين، فلا يمكنكم الذهاب إلى المسارح أو المتاحف أو قاعات الرياضة، حاولوا أن تشعروا بالشفقة على عدد لا يحصى من كبار السن الذين يمكن أن يتعرّضوا للإبادة".
وختم الطبيب الإيطالي تدوينته على "فيسبوك" بتوجيه رجاء بـ"مشاركة هذه الرسالة. يجب أن ننشر الكلمة لمنع انتقال ما يحدث هنا في مناطقنا، إلى جميع أنحاء إيطاليا".
وجرت مشاركة ما كتبه الدكتور دانييلي ماكيني، على صفحته على موقع "فيسبوك"، أكثر من 29 ألف مرة منذ يوم السبت الماضي.
© The Independent