يقول الإعلان أن العالم الفلكي الشيخ أبو تامر قدم من الهند وعمان والمغرب والزنجبار ويسرّه استقبال الحالات المستعصية مجدداً. وزيارة الشيخ العالم لتلك البلاد لم تكن للسياحة أو الترفيه أو ترويحاً عن النفس، هرباً من مشاكل الناس التي جلبها لهم الجن والشياطين، بل هذه الزيارة كانت من أجل تحسين قدراته الفلكية والسحرية حتى يتمكن من حلّ كل أنواع المشاكل التي يعانون منها.
أسماء البلدان التي زارها "العالم الفلكي" أي الهند والمغرب والزنجبار هي أسماء لدول توحي بأنها منبع للسحرة والحواة وقارئي البلورات والمتحدثين إلى الجن وسكان العالم السفلي.
أما الشيخ أبو البراء المغربي، فقد "تعلّم العلم الروحاني بعد دخوله الكهف المظلم في كهف دانيال بالمغرب مدة سنة، عاش فيها على التمر والماء لا يكلّم ولا يرى أحداً، وبعد جولات عدة على البلاد العربية وبلاد السند والهند استقر في تركيا لعلاج محتاجي العلاج". وهذه المعلومات ترد على صفحته في "فيسبوك"، حيث يضع إعلاناً عن عمله وقدراته السحرية.
ويعدد هذان العالمان في الفلك والروحانيات -كما غيرهما من أقرانهما العلماء الذين يضعون إعلاناً على شبكة الإنترنت- الحالات المستعصية المتخصصين بحلّها وهي فك السحر والملبوس، استنطاق العارض، جلب الغائب، زجر الأرواح السفلية المؤذية، إعادة الوفاق مع الحبيب… إلى آخره. وبالطبع، على الراغب في الاستفادة من قدرات العالم هذا أن يتصل به قبل الحضور للحصول على موعد، فطالبو المواعيد كثر وتعجّ بهم مفكرة العالم، الذي سيعيد طالب المساعدة إلى الحياة السوية السعيدة بعدما عبث السحر والشياطين والجن بحياته التي باتت بائسة ووضعته على حافة الانهيار.
إرجاع الحبيب على رأس اللائحة
يقوم "علماء الروح" الذين تغزو إعلاناتهم صفحات شبكة الإنترنت، بعدما كانت تملأ المجلات الإعلانية الورقية قبل إقفالها، بأعمال مشتركة وعامة تخصّ جميع البشر، مثل قراءة الطالع والمستقبل وإخراس الحاسدين وفكّ السحر وجلب الرزق ولجم الأعداء. ويهتم أغلبهم اهتماماً أساسياً بالعلاقات الزوجية وعلاقات الحبيبين، فيقول إعلان "المدهش الروحاني" إنه "يفك المسحور والمربوط من بلد إلى بلد ولو من 20 عاماً، ويجلب الحبيب ولو من الصين بأيام معدودة".
أما "المتحدان" أبو خالد والشيخ أبو محمد، فيمكنهما "تأمين الوفاق بين الزوجين وجلب المحبة". والحاجة أم ضياء تتعدى هذا الاختصاص إلى "معرفة نوايا الحبيب إذا كان يريد الزواج أم العلاقة فقط. وتجلب الحبيب حتى لو كان مسافراً وبعيداً"، والحاجة أم ضياء تخدم النساء فحسب. وهناك من يعلن أنه بإمكانه حلّ الخلافات الزوجية، وفتح نصيب العوانس للزواج.
في صفحته الفيسبوكية، يعلن العالم العراقي "الكبير الشيخ الأستاذ الروحاني" علي الكعبي أنه "المعالج الأول في العالم العربي لجميع أمراضكم بإذن الله تعالى لفك السحر. وإخراج التابعة. وإبطال السحر. جلب الحبيب. التهييج. رد المطلّقة. هلاك الظالم. فتح النصيب. جلب الرزق بإذن الله. تسهيل الأمور. فك جميع أنواع السحر السفلي والسحر الأسود، وتلبّس القرين والتابعة وحل مشاكل العنوسة، وفك جميع أنواع السحر والحسد والمسّ والربط وحل جميع أنواع المشاكل الزوجية والعاطفية وجلب البعيد والحبيب".
المهمات المتعلقة بالعلاقة بين الذكر والأنثى هي الغالبة في مهام "العلماء الروحانيين" كاشفي المستقبل ومسهلي الحياة، وهم إذ يستقبلون الزبائن الكثر، فلسببين، إما لأن الناس الذي يزورونهم يعتقدون أن مشكلاتهم في حياتهم الزوجية سببها أمر ما ورائي لا يقدرون على دفعه إلا بالسحر، وإما لأن البشر الذين أحبطتهم حياتهم ويأسهم من إقامة علاقات طبيعية ومستمرة وهادئة ما عادوا يقتنعون بطرق طبيعية لحلحلة أزماتهم، وهنا يأتي دور السحر. يرمي الزبون أسباب مشاكله على شخصيات متوهمة من العالم السفلي والماورائي، أو على شخصيات حقيقية هي غالباً مصدر الحسد، وهي القرينة التي تريد الشر بهذا الشخص.
كشف السارق في عالم الروح
ولأن في وسع الساحر أن يقرأ الغيب من خلال تسخيره الإنس والجن، فإنه يكون مقصد من تعرض لسرقة خصوصاً إذا كان المشكوك في كونه السارق ينتمي إلى المحيط الأسري لمن طالته السرقة، ويرغب هذا الأخير في استرجاع مسروقه بلا ضجة. وأغلب وصفات السحر التي يعملها الساحر بهذا الخصوص تتطلب مشاركة طفل. هنا وصفة يقول فيها البوني: "إذا أردت إظهار اسم السارق فخذ ورقة وشمّعها وارمها في الماء واتلُ العزيمة، فتنط (تقفز) الورقة، فخذها لتجد أن اسم السارق وتعريفه مكتوبين فيها (كذا)".
أما الوصفات الشعبية فلا تقل غرابة، حيث تشير واحدة منها إلى أنه للكشف عن هوية السارق، يكفي أن تضع لمن تشك فيه، لسان ضفدع في خبز وتناوله إياه، وما إن يأكله حتى يسارع إلى الإقرار بفعلته.
ويقول السيوطي إنه لرؤية السارق "تأخذ بيضة دجاجة وتكتب عليها من أول سورة "الملك" إلى حسير، ثم تدهنها بالقطران وتعطيها لصبي ثم تقرأ سورة "يس" والصبي ينظر إليها فإنه ينظر (فيها) السارق".
التكلفة مالياً
اتصلنا بأحد المنجمين وسألناه عن كلفة جلسة واحدة، فأجاب بأن الأمر يتوقف على المشكلة وطريقة حلّها. فقلت له إن المشكلة تتعلق بالحسد، فأجاب أنه علينا أن نعرف أولاً نوع الحسد ومن ثم نحاول اكتشاف من يقوم به، وهذا الأمر يتطلب جلسات عدة. أما الجلسة الأولى فقد تكون بعد أسبوع من الآن بسبب ازدحام جدول المواعيد.
في اتصال بمنجِّم آخر، قال إن هناك مشكلات يمكن حلّها عبر الهاتف إذا لم تكن شائكة وأخرى قد تحتاج إلى لقاء. أما بالنسبة إلى التكلفة، فقد أجاب "لن نختلف، فلنرَ ما هي المشكلة أولاً".
في هذا الزمن كما في غيره، ما زال بشر كثيرون في جميع أنحاء العالم يبحثون عن حلّ لمشكلاتهم التي تضعهم أمامها الحياة وعلاقتهم ببشر آخرين بواسطة التنجيم والشعوذة وفك الطلاسم. لذا، فإن إعلانات العلماء "الروحانيين" لا تبدو أقل أهمية من إعلان أي منتج استهلاكي. فالبضاعة على أنواعها تجد من يستهلكها ودائماً بهدف الترويح عن النفس والتمكّن من تحمّل البقاء على قيد الحياة، خصوصاً بالنسبة إلى الذين يرددون "اللي خلق علق". فهؤلاء يتعاملون مع الحياة كونها فخّاً سلفاً، والتنجيم والسحر يساعداهم على التخفيف من آلام الوقوع في هذا الفخْ.
وفي بند التكلفة المالية نعرض لتجربة فتاة بحسب ما روتها على صفحتها على "فيسبوك"، وقعت في فخّ المنجمين وفكاكي السحر، أو "الفتّاحين" كما يسمّون.
تجربة طالبة جامعية لدى الفتّاحين
كتبت طالبة جامعية عن تجربتها لدى المنجمين على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وجاء فيها:
"أتردد إلى مكاتب الفتّاحة والسحر منذ عشر سنوات، لكنني لم أحصل على ما أريد. لم أتزوج حتى اللحظة، وأفتّش عن عمل منذ سنوات، ولم أجد عملاً على الرغم من أنني دفعت كل ما كان لدي من أموال.
بدأت حكايتي عندما كنت أدرس في الجامعة، حين وقعت في غرام شاب، تزوج من أخرى كانت صديقتي. فقررت الذهاب إلى سيدة تعمل في السحر والشعوذة، وأعطيتها مبلغ 280 دولاراً، وطلبت منها أن تعمل على أن يطلِّق من أحبه زوجته ويعود إلي. وقالت المشعوذة بأنه "سيطلقها بعد أسبوع ويعود إليك في الأسبوع المقبل"، صدقتها ودفعت ما يعادل 1200 دولار، لكنها قالت لي إنَّ "زوجة حبيبك قامت بسحر آخر عند مشعوذة أخرى، وهذا السحر بحاجة إلى فك، ليعاود الارتباط بك. ذهبتُ إلى فتّاح آخر طلب مني 1400 دولار، كأجرة تعبه وسهره على حد قوله". وتتابع "صرفت كل ما لدي من دولارات عند الفتّاحين من دون جدوى".
عالم الإنترنت الروحاني
لم يعد من الصعب الاطلاع على معلومات حول عالم السحرة والروحانيين والمطلّعين وقارئي الحظ ومستشرفي المستقبل، وما عاد يحتاج لقاؤهم إلى مواعيد سرية ودفع الأموال الطائلة لحل هذه المشكلة أو تلك، كما كان الأمر قبل الإعلان الصحافي أو "الإنترنتي" وازدياد عدد المنجمين والمتخصصين بأمور السحر والجن بشكل مطرد. الآن، يمكن لأي راغب بالاطلاع على أسرار هذا العالم ولوج شبكة الإنترنت. ففي مواقع متخصصة يمكن لمن يؤمن بأن مشكلته لا يحلّها إلا السحر أن يقرأ الطرق التي يجب أن يتبعها لحل مشكلته، ويمكنه الحصول على المعلومات بسهولة.
قد يظن القارئ أن هذه دعوة إلى المرضى النفسيين أو الذين "يركبهم الجن" أو الذين يعانون من الحسد والخلافات الزوجية وأمراض مستعصية لزيارة هذه المواقع، ولكن في عالم الإنترنت وشبكاتها ينفتح عالم السحر والروحانية على مصراعيه، وليس كما حال الخفر في الحياة الواقعية.
هنا في عالم الإنترنت تُعرض المشاكل والحلول أمام الجميع وبعضها مجاني، ويختلط العقلاني واللاعقلاني، المنطقي واللامنطقي، الحقيقي والمتخيل، في إطار واحد.
الشيخ محمد صالح المنجد محارب السحرة
في المقلب الآخر، هناك رجال دين يحاربون المنجمين والمشعوذين والعاملين في فك السحر وطرد الجن وغير ذلك. الشيخ محمد صالح المنجد كتب على صفحته الفيسبوكية الإشارات التي تساعد في تمييز الساحر من عالم الفلك العلمي:
"الساحر يسأل الشخص عن اسمه وعن اسم أمه، ومن علاماته: الوصية باستعمال البخور. وأن يأخذ أثراً من أثر المريض المزعوم من ثوب أو شعر ونحوه. وطلب ذبح حيوان بصفة معينة ولا يذكر اسم الله عليه، وأن يلطخ بدمه أماكن الألم أو جدران البيت أو السيارة، ونحو ذلك. وتردادهم لكلمات غير معروفة أو فيها استغاثة بالشياطين: يا بدوح يا بدوح، ونحو ذلك من أسماء الشياطين".
و"ربما طلبوا من المصاب أن يعتزل الناس فترة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسمونها بالحجبة، أو ألا يمس الماء مدة معينة، وربما تكون أربعين يوماً، أو يوصون بدفن أشياء في الأرض، أو الدخول في قذارة، أو نجاسة، أو طلب كتابة آيات بدم الحيض والعياذ بالله، وهؤلاء لا يتورعون عن اقتراف الرذيلة واقتراف الفاحشة، وكم من النساء ذهبن إليهم فكانت النتيجة ضياع العرض وفقد الكرامة على يد هذا الساحر أو المشعوذ والكاهن".
ورأي معاكس
لكن العالم أبو محمد المغربي له رأي مختلف عن الشيخ محمد صالح المنجد، فهو يرى أنه "عندما نتكلم عن فك السحر فإننا نتكلم عن واحد من الخدمات الإنسانية الراقية، وعن تخليص البشر من الكثير من الآلام، وعن حياة سعيدة بعد أن كدرها أعمال العابثين والسحرة. ولا يخفى على كل عاقل مدى تأثير السحر في قدرات الإنسان الجسدية والنفسية والفكرية، ولا يمكن لأي عاقل أو صاحب قلب أن يشك بوجود السحر وشدة تأثيره، وإن فك السحر هو تخليص وتحرير قدرات الإنسان النفسية والفكرية مجدداً من أسر السحر الخبيث".
وبعدما يشرح لنا أبو محمد المغربي أعراض السحر الأسود يعلمنا كيفية فكّه.
أما أعراضه فمنها الدخول في حالة من الاكتئاب غير المسبوق (غير المعتاد عند المسحور) إضافة لشعوره بالفراغ، ويصاب الشخص المستهدف بالسحر الأسود بالخمول، فيصبح كارهاً للناس ولا يرغب في مخالطتهم أو الجلوس معهم، وتبدأ الكوابيس تراود الشخص المسحور، ثم تلازمه تلك الكوابيس حيث غالباً ما يشاهد كوابيس فيها تعذيب بدني، أو صور لحيوانات مفترسة تطارده".
فك السحر الأسود
أما عن طريقة فك السحر عن الشخص المستهدف بالسحر الأسود بحسب العالم أبو محمد المغربي:
"الطريقة التقليدية في فك السحر الأسود، هي استخراجه. وهنا يجب أن يعلم المسحور مكان وجود السحر. وإذا تعذر ذلك نلجأ لفك السحر واستخراجه من خلال الكشف الروحاني أي بالاستعانة بالأرواح. وفي حال لم نستطع فك السحر الأسود وتحديد مكانه بالاستعانة بالأرواح فإننا نلجأ إلى فك السحر وجلبه بواسطة الجن. أما في حال تعذر علينا فك السحر الأسود واستخراجه بالطرق السابقة، فإننا نقوم بنقل هذا السحر إلى نبتة ولا بد من التخلص من هذه النبتة من طريق متخصّص.
أما في حال تعذر علينا فك السحر بنقله إلى النبات، فإننا نقوم بفك السحر عن طريق العلاج الروحاني، وفي هذا النوع من فك السحر نقوم برصد برج المصاب بالسحر وكوكبه ونعمل على استخدام أنواع معينة من البخور التي تشكل حجر الأساس بعملية فك السحر ويستمر العلاج مدة سبعة أيام يتم فيها تنجيم العمل بشكل يومي للتخلص من جميع الأعمال".
ويكمل الشيخ المغربي "بعد فك السحر عن الشخص المسحور، فإن من أهم ما يجب علينا القيام به، هو عمل تحصين للشخص المصاب بالسحر، وهذا التحصين يعتبر أمراً هاماً جداً بعد فك السحر، لأنه سيمنع السحر عن المصاب. وللإيضاح، فإن هناك العديد من طرق التحصين، فمنها ما يتم على معادن ثمينة أو على أحجار كريمة وأخرى يتم على رق غزال أو بعض مواد الحيوانات تبعاً للتحصين المطلوب عمله".
إن أغلب من يقوم بالسحر الأسود، أو من يستعين بساحر للقيام بسحر أسود، إنما يقصد بذلك الحصول على غاية محددة لهذا السحر، لكن مع الأسف، فإن السحر الأسود بعد أن يحقق الغاية والهدف الذي عمل من أجله، فإنه لا يزول عن الشخص المستهدف، بل يبدأ بإحداث الأثار السلبية في المسحور، وتزداد هذه الأثار تدريجياً وتتطور لتصل بالمسحور إلى حالة عدم فك السحر عنه، أي إلى حالة لا يمكن الرجوع عنها، حيث يصبح علاج الشخص المسحور أمراً مستحيلاً، وتصبح حالته ميؤوساً منها.