تنصب آمال وطموحات الشعب السوداني نحو مخرجات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول، الذي يعقد نهاية مارس (آذار) الحالي بالعاصمة الخرطوم، لتشخيص الوضع الاقتصادي المتردي في السودان، ووضع خريطة طريق للنهوض باقتصاد البلاد إلى مستويات متقدمة عبر تنفيذ سياسات كلية وقطاعية على المديين القصير والمتوسط، وذلك بمشاركة العديد من الباحثين والمختصين السودانيين في القطاعات الاقتصادية المختلفة. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر متزامناً مع دعوة صندوق النقد الدولي الحكومة الانتقالية السودانية إلى القيام بإصلاحات مالية حاسمة لإيقاف المسار السلبي للاقتصاد السوداني.
الإنتاج والاستثمار
ويناقش المؤتمر عدداً من المواضيع الاقتصادية ذات الصلة بالإنتاج والاستثمار والمالية العامة والسياسات النقدية، تشمل الإطار العام للدولة التنموية الديمقراطية ومكونات برنامج الحكومة الانتقالية وأولوياتها، والانتقال إلى آفاق الإنتاج والتصدير وتوسيع فرص العمل، فضلاً عن آفاق الصناعة والتجارة والتعاون والزراعة والثروة الحيوانية والطاقة والتعدين وقضايا النقل والبنى التحتية، إلى جانب الوقوف على السمات المميزة لموازنة 2020 وموقفها من التحولات السياسية عقب الثورة، بالإضافة إلى جانب الإنفاق والإرادات وتقليص الفجوة بينهما وإعادة الأموال المنهوبة من قبل رموز النظام السابق. وكذلك مناقشة مسألة الدعم والسياسات النقدية وميزان المدفوعات والاستقرار الاقتصادي ودور البنك المركزي في محاربة التضخم، إضافة إلى الإصلاح التشريعي والمؤسسي والرقابة على المصارف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويهدف المؤتمر إلى تحليل ومناقشة التحديات الاقتصادية الأساسية التي تواجه البلاد وتقديم رؤى محددة لحلها، وتتلخص هذه الأهداف في تحليل ومناقشة مكونات الرؤية الوطنية والملامح الأساسية وأولويات استراتيجية الثورة لبناء دولة تنموية ديمقراطية تشارك فيها الحكومات الولائية والمحلية ومكونات المجتمع المدني وجميع أهل المصلحة.
موازنة 2020
وتناول المستشار الاقتصادي لمكتب رئيس مجلس الوزراء آدم حريكة فكرة المؤتمر قائلاً "نبعت هذه الفكرة من الإشكاليات التي تواجه موازنة العام 2020 وطرح البدائل والحلول ووضع وصفة للقضايا الاقتصادية بعد حالة الكساد التي عصفت بالاقتصاد السوداني منذ عهد النظام السابق الذي لم يستفد من فترة الانتعاش الاقتصادي التي حدثت عقب تدفق البترول السوداني، إذ لم يتجاوز سعر الدولار جنيهين ونصف الجنيه حتي موعد الانفصال من الجنوب عام 2011 لكن للأسف تعاظمت بعد ذلك مشاكل الاقتصاد خصوصاً التضخم وسعر الصرف إلى جانب الاختلالات الأخرى في الميزان التجاري وتوزيع الدخل والبطالة والفساد الإداري وتراجع أداء المؤسسات الحكومية".
وأوضح أن الحكومة الانتقالية تتطلع لإزالة التشوهات والاعتلالات التي صاحبت اقتصاد بلادنا والعمل على وضع أسس جديدة لبناء اقتصاد معافى من الأمراض الماضية، لذلك جاء التعويل على هذا المؤتمر لوضع حلول كلية لمشاكل الاقتصاد على المستويين العاجل والمتوسط، مبيناً أن هناك 12 ورشة عمل تسبق المؤتمر الاقتصادي، ومنوهاً إلى أنهم لا يريدون مؤتمراً لا يؤثر في السياسات الاقتصادية ولا تنفّذ توصياته، مؤكداً أن المؤتمر ليس أكاديمياً بمعني أن أوراق العمل ليست أكاديمية لجهة أن معظم القضايا تم نقاشها. وتوقع أن تنفذ التوصيات وتخضع للرقابة من الحاضنة السياسية للحكومة قوى الحرية والتغيير إلى جانب المجتمع والإعلام.
وبيّن أن المؤتمر يتيح الفرصة للحوار المجتمعي بين مكونات الدولة، المتمثلة في الحكومة الاتحادية، والولايات، والحرية والتغيير، والعمال، والقطاع الخاص، إلى جانب منظمات المجتمع المدني، والمنظمات الشبابية والنسوية، والجامعات، بالإضافة لهيئات البحث الاقتصادي والاجتماعي ومنظمات المستهلكين، وغيرها للتحاور والتشاور بصراحة وجدية حول التحديات الاقتصادية الملحة التي تواجه البلاد اليوم والوصول إلى توافق عام حول سبل حلها.
خلل هيكلي
وبحسب باحثين اقتصاديين، فإن الأزمة الاقتصادية الراهنة في السودان نتجت من خلل هيكلي وتضارب في السياسات المالية والنقدية، وأثرت سلباً في الاستقرار الاقتصادي إذ بلغ معدل التضخم حوالى 54 في المئة عام 2019 مع الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الحرة، وقد تضاعفت مشكلة الاختلال الهيكلي ومعاناة المواطن السوداني مع تراكم الدين الداخلي والخارجي بغرض تمويل عجز الموازنة والذي زاد عن ثلاثة في المئة من الناتج المحلي عام 2019 من موارد غير حقيقية، وشهدت البلاد شحاً في السيولة عام 2018 والجزء الأول من العام 2019، إلى جانب شح في الدقيق والخبز والوقود خصوصاً على الرغم من الدعم الحكومي الهائل لبعض السلع الأساسية مثل المحروقات والدقيق.
ولفت الباحثون أيضاً إلى أن السودان يواجه اليوم تحديات اقتصادية ضاغطة تتطلب حلولاً عاجلة، وتشمل هذه التحديات التضخم وارتفاع العبء المعيشي على المواطن وأثره في الإنتاج والاستهلاك وتوفر السلع الاستراتيجية مثل المحروقات والدقيق، والفقر والبطالة وعدم المساواة في الدخل والفرص الاقتصادية داخل وبين المدن والولايات المختلفة، وضعف البنية التحتية ومؤسسات الخدمة المدنية والخدمات، وضعف الإنتاج والصادرات مع تزايد الطلب على الواردات من السلع والخدمات، فضلاً عن اختلال الميزان التجاري وعجز الموازنة العامة للدولة، والانخفاض الكبير في قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، لذلك لا بدّ من التوافق على حزمة من السياسات المترابطة والمنسجمة بغرض الإصلاح الاقتصادي الشامل لمواجهة الأزمة والانتقال لمربع الانتعاش والتنمية الشاملة.
ضعف الإنتاج
وفي سياق متصل، أوضح وكيل أكاديمية المصارف للعلوم المصرفية والمالية علي خالد الفويل لـ "اندبندنت عربية" أن معالجة تدهور الاقتصاد يتطلب معرفة أسبابه أولاً ومشكلته الرئيسة، مبيناً أن الاقتصاد السوداني يواجه إشكاليات مزمنة تتمثل في هيكل الاقتصاد نفسه، مشدداً على أن الخيار الأمثل لبناء أي اقتصاد هو الإنتاج سواء كان ثروة حيوانية أو زراعية أو تعديناً أو بترولاً أو صناعة وهكذا، وأنه بالنسبة لاقتصاد السودان، فإنه يعاني من ضعف الإنتاج على الرغم من توفر الموارد الطبيعية خصوصاً قطاع الزراعة والثروة الحيوانية لكن هناك مشكلة في البنية التحتية والتسويقية، مشيراً إلى أن تجاوز الفترة الانتقالية من الناحية الاقتصادية يتطلب إيجاد برنامج إسعافي يعمل على اتباع سياسات ترشيديه في الاستيراد لتخفيف الفجوة في الميزان التجاري البالغة ستة مليارات دولار خصوصاً وأنه كان يتم في فترة النظام السابق استيراد 80 في المئة من حاجة الاستهلاك المحلي، كما أنه لا بد من تحرك خارجي لدعم الصادر ومسألة الاستيراد من خلال رفع العقوبات الاقتصادية وإعادة علاقاتنا مع المؤسسات التمويلية الدولية والإقليمية لضخ رأسمال تشغيلي تستفيد منه قطاعات منتجة عدة لفترات طويلة، إلى جانب أهمية العمل على ثبات السياسات الائتمانية النقدية والضريبية والجمركية وقانون الاستثمار. فضلاً عن العمل على استقطاب مدخرات المغتربين من خلال وضع سياسات تشجيعية واضحة.
رفع الدعم
وفي ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية في البلاد، دعا صندوق النقد الدولي الخرطوم إلى معالجة دعم الوقود ورفعه تدريجياً مع زيادة الإنفاق في الوقت نفسه على القطاعات الضعيفة في المجتمع. وقال الصندوق الأربعاء 11 مارس "ارتفع إجمالي الدعم (الصريح والضمني) للوقود بحوالى 7.5 في المئة ليصل إلى 11.75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين 2018 و 2019 بسبب ارتفاع أسعار النفط الدولية وانخفاض سعر الصرف وزيادة استهلاك الوقود".
وتراجعت الحكومة السودانية عن رفع دعم الوقود في ميزانيتها لعام 2020 بعد الضجة التي أحدثتها على الرغم من إدراجها القرار في البداية، مؤكده أنها ستطرحه للنقاش في المؤتمر الاقتصادي المقبل.
أمر حاسم
وفي وقت أوصى الصندوق بتحرير سعر الصرف الحالي، أكد أن التحرير التدريجي لسعر الصرف أمر حاسم في القضاء على التشوهات التي تعرقل الاستثمار والنمو، موضحاً أنه سيعزز القدرة التنافسية والشفافية، ويقضي على العديد من ممارسات العملات والتشوهات المرتبطة بها ويعزز استقلالية البنك المركزي والإيرادات المالية. علماً أن الجنيه السوداني انخفض مقابل الدولار في السوق السوداء، والذي يقول صندوق النقد الدولي إنه يمثل 80 في المئة من جميع المعاملات، ليصل إلى ما فوق الـ 100 جنيه وهو ما يقرب من ضعف السعر الرسمي ما يزيد المشاكل التضخمية التي تواجه المستهلكين السودانيين.
وبشكل عام، من المتوقع أن ينخفض عجز الموازنة الرئيسية إلى اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن تضمين الدعم الضمني من شأنه أن يرفع العجز إلى سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، إذا فشلت الإيرادات الكبيرة المتوقعة في تجسيد العجز، فقد يرتفع إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ما يتعلق بالمؤشرات الرئيسة، توقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للسودان بنسبة 2.5 في المئة عام 2019، و -1.2 في المئة عام 2020، و -0.6 في المئة عام 2021 قبل أن ينمو إلى 0.4 في المئة عام 2022. وستكون معدلات التضخم 51.3، و66.4، و74.8 و80.2 في المئة على التوالي. ومن المتوقع أيضاً أن تبلغ الاحتياطيات الأجنبية للسودان 1.7 مليار دولار في عام 2019 وأن تنخفض قليلاً إلى 1.5 مليار دولار هذا العام. وفي كلتا الحالتين فإن هذه المستويات أقل بكثير من الحد الأدنى المتعارف عليه دولياً لتغطية 3 أشهر من الواردات.