بعد اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، دعت وزارة الخارجية الروسية الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة إلى زيارة موسكو لعقد لقاء لبحث العديد من الملفات الفلسطينية وأبرزها الموقف المتبادل من خطة السلام الأميركية التي أعلنها الرئيس دونالد ترمب.
وبالفعل، استجابت للدعوة الروسية، ووصل أمينها العام برفقة أعضاء من مكتبها السياسي للحركة إلى العاصمة موسكو، وجرى اجتماع مطول بين زياد النخالة والوفد المرافق له، مع وزير الخارجية سيرغي لافروف.
غضب واحتجاج إسرائيلي
لكن ذلك الاجتماع أغضب إسرائيل كثيراً، فأرسلت المبعوث المؤقت عن السفارة الإسرائيلية في موسكو إلى نائب وزير الخارجية الروسي، وقدّم له احتجاجاً شديد اللهجة، على اعتبار أنّ "الجهاد الإسلامي" منظمة إرهابية مدعومة من إيران، ولا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، وتقوض التهدئة المتبادلة في قطاع غزة بهجمات صاروخية.
وبحسب المعلومات الواردة إلى "اندبندنت عربية"، فإنّ إسرائيل منزعجة كثيراً من العلاقات بين روسيا والفصائل الفلسطينية، ويعتقد المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل أن ثمة تقارباً بين موسكو والفصائل يأتي ضمن مساعي الأخيرة صد خطة السلام الأميركية، وتهدد تل أبيب بوقف العلاقات الدبلوماسية مع موسكو بحال استمرت هذا التقارب واللقاءات العلنية.
ملفات النقاش
وفي موسكو، ناقش وزير الخارجية الروسي مع النخالة ملفات عدة، وأوضح الناطق باسم الحركة مصعب البريم أنه تمت دراسة خطة السلام الأميركية، وأكد الطرفان رفضهم بنودها واستحالة تطبيقها على أرض الميدان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإلى جانب ذلك، جرت مناقشة ملف المصالحة الفلسطينية، مع ضرورة الإسراع في تنفيذه على القاعدة السياسية لمنظمة التحرير، كشرط لا بد منه لإطلاق مفاوضات مباشرة مستدامة مع إسرائيل، وأكدت "الجهاد الإسلامي" تأييد هذه الخطوة على اعتبار أنّها لصالح القضية الوطنية، وتعمل على توحيد الموقف الفلسطيني أمام المحافل الدولية.
وبحسب البريم، فإن الخارجية الروسية أكدت تمسك موسكو بحل الدولتين كمبدأ لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أساس القوانين الدولية المعترف بها، بما فيها قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية. وثمّة تسريبات وصلت إلى "اندبندنت عربية" تشير إلى أن حركة "الجهاد الإسلامي" عبّرت عن غضبها من إسرائيل بسبب استهداف قياداتها في الأراضي السورية، وطلبت موقفاً من وزير الخارجية الروسي حول ذلك خصوصاً أن هناك تقارباً كبيراً بين روسيا وسوريا، لكنه لم يبدِ رأيه.
"الجهاد"... مستهدف
الغريب في تصرف إسرائيل، أنها لم تحتج ولم تغضب من دعوة وزارة الخارجية الروسية لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وعقد لافروف اجتماعاً معه، بحث في خلاله ملفات لها علاقة بقطاع غزة والقدس والضفة الغربية، وكذلك ملف خطة السلام الأميركية، وآليات دعم روسيا غزة. ويقول أستاذ الإعلام والعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية فريد أبو ضهير إنّ إسرائيل تشن حملة ممنهجة ضد "الجهاد الإسلامي" (في الإعلام، والعلاقات مع الإقليم، وميدان المعركة) بينما توازن في تحريضها ضد "حماس" وبقية الفصائل الفلسطينية على ساحة غزة، وذلك لأهداف سياسية وعسكرية.
ويشير أبو ضهير إلى أن فتح إسرائيل نيرانها على "الجهاد" يأتي بسبب تقاربها من إيران، واتهام المستوى السياسي في تل أبيب قياداتها بالوقوف ضد اتفاق التهدئة الطويل مع حركة "حماس"، وكذلك خرق الهدوء الأمني أكثر من مرة بإطلاق صواريخ أو شن هجمات على جنود إسرائيليين. ويوضح أبو ضهير عدم اكتراث إسرائيل باجتماع وزير الخارجية الروسي مع زعيم "حماس"، لوجود تقارب بين الطرفين، ولأهداف إسرائيلية في الذهاب إلى هدوء طويل الأمد في قطاع غزة، لافتاً إلى أن إسرائيل مطمئنة من تحركات "حماس"، لكنها قلقة من "الجهاد الإسلامي" كثيراً بسبب مواقفها المتشددة.
ضربات عسكرية سابقة
وبالفعل، تبادلت إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" إطلاق النار خلال العام 2020 أكثر من مرة، وشهد قطاع غزة وسوريا توتراً عسكرياً كبيراً بسبب الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات ومواقع للحركة. وفي آخر جولة عسكرية في 23 فبراير (شباط) الماضي، قتلت إسرائيل عنصرين من الحركة، أحدهم في سوريا، والآخر في خان يونس جنوب قطاع غزة، وإثر ذلك، قصفت سرايا القدس الجناح العسكري للحركة مستوطنات إسرائيلية برشقات صاروخية على مدار يومين.
وكان من الواضح أن إسرائيل حيّدت مواقع حركة "حماس" وقياداتها وعناصرها من الاستهداف، على الرغم من تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو "حماس" بضربة عسكرية ساحقة.
روسيا قد تكون راعية السلام
قال مدير مركز التحليل الاستراتيجي والسياسي في روسيا دينيس كوركودينوف إن الدعوة الروسية إلى قيادة "الجهاد" جاءت في أعقاب تنامي دور ونفوذ الحركة في سياق صراعها مع إسرائيلي، مشيراً إلى أن المعارك الأخيرة التي خاضتها الحركة ضد الجيش الإسرائيلي أثبتت أنّها قوة لا يمكن الاستهانة بها في الأراضي الفلسطينية.
وتجري روسيا سلسلة لقاءات مع الفصائل الفلسطينية، كلّ واحدة على حدة، بعد موافقة كل من حركتي "فتح" و"حماس"، على أنّ تكون موسكو راعية عملية السلام في الفترة المقبلة، كبديل من أميركا التي تنحاز إلى إسرائيل.
ونشرت "اندبندنت عربية" تقريراً سابقاً جاء فيه موافقة الفلسطينيين على أن تكون روسيا أو الصين راعية عملية السلام، وكان الاحتمال الأكبر أن ترعى موسكو عملية السلام بعد طلب الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس من نظيره الروسي فلاديمير بوتين ذلك خلال زيارة الأخير مدينة بيت لحم.