مرت العلاقة بين حركتَيْ "فتح" و"حماس" بانتعاشٍ عابرٍ، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنود خطته للسلام، لكن سرعان ما تلاشت تلك العلاقة وعادت إلى أسوأ حالاتها، فارتفعت وتيرة التراشق الإعلامي من جديد، ما يجعل الحديث عن إمكانية تحقيق مصالحة وطنية أو عقد لقاء فصائلي شامل خلال الفترة المقبلة صعباً.
وأبدت "فتح" غضبها من تصرفات "حماس"، بسبب سياسات الأخيرة وتصرفاتها بعد إعلان "خطة السلام" الأميركية، لكنّ مراقبين للساحة السياسية يرون أن الفصيلين مختلفين في النظرة السياسية وحتى في الحصول على دعم إقليمي، الأمر الذي زاد حجم الفجوة بينهما.
رفض استقبال المنظمة وجولة هنية
وفقاً لقيادات فتحاوية، فإنّ التصرفات التي أقدمت عليها "حماس" وأغضبت فريق "منظمة التحرير"، تمثلت في رفضها عرض رئيس السلطة الوطنية محمود عباس عقد لقاء وطني شامل يبحث سبل صدّ "خطة السلام" الأميركية، وفتح الباب أمام الوحدة الوطنية، إضافةً إلى عودة الحملات الإعلامية ضد السلطة الفلسطينية إلى مختلف المنابر.
وقال عضو "المجلس الثوري" في "فتح" سليم الزريعي إنّ "حماس لا تحترم أخلاقيات العمل السياسي، ولا تجيد قوانينه، وكذلك لا تهتم للمصالح الوطنية، بل تسعى إلى تحقيق مصالحها الذاتية الفصائلية حتى لو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية".
ويستند الغضب الفتحاوي على جولة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية التي يجريها خارج غزّة، ويزور خلالها دولاً عربية وإقليمية، لكسب مزيد من الدعم لصالح القطاع والحركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزار هنية خلال جولته الخارجية سبع دول هي مصر وتركيا وقطر وإيران وعمان وماليزيا وروسيا. وكان يطرح برفقة الوفد المرافق له في كل محطة، آليات صدّ "خطة السلام" الأميركية، وكسب مزيد من الدعم لقطاع غزّة الذي يعاني من حصار مستمر منذ 14 عاماً.
عدم الالتزام بأخلاقيات السياسة
وأوضح الزريعي أن معلومات وصلتهم من الدول التي زارها هنية، بأنه "يجري جولة تمثّل الكلّ الفلسطيني، ويحاول من خلالها أن يكسب لنفسه الصفة الشرعية بالإنابة عن الفلسطينيين"، مشيراً إلى أن ذلك "تجاهلاً لمنظمة التحرير التي تُعدُّ ممثلاً وحيداً وشرعياً للفلسطينيين أمام المحافل الدولية".
واعتبر أنّ "هذا التصرف من رئيس حركة حماس، يُعدُّ تجاوزاً لكل أخلاقيات العمل السياسي، وعدم شعور بالمسؤولية الوطنية تجاه القضية الفلسطينية والحالة الصعبة التي تمر بها بعد الإعلان الأميركي عن خطة السلام الجديدة".
وتعتقد "فتح" أنه "من منطلق العلوم السياسية، يتوجب على حماس اتّباع مسار الرئيس محمود عبّاس، والانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وتوحيد خطابها وتحركاتها مع السلطة، ووقف كلّ أشكال الخلافات والتراشق الإعلامي".
وأشار الزريعي إلى أنّ "تصرفات حماس سواء في قطاع غزّة من خلال عناصرها، والتراشق الإعلامي مع فتح، أو في الخارج من خلال جولة هنية غير المفهومة، تجعل أنّ هناك فريقين يمثلان الشرعية الفلسطينية. بالتالي، يصبح العالم في حيرة مع أي طرف سيتعامل، وهذا يضعف الموقف أمام المحافل الرسمية والدولية".
كما ترى قيادات "فتح" أنّ "السياسة تحتاج إلى تفكير عميق لتحقيق مصالح وطنية وليس حزبية، حتى إن كان هناك خلاف بين الفصائل الفلسطينية". وقال الزريعي إنّ "السياسة لها أخلاقيات عمل، ولا بد من احترامها، بخاصة في هذه الظروف".
رد "حماس"
في المقابل، تعتبر حركة حماس أنّ "كلّ تصرفاتها طبيعية"، وأنّ "من حقها الذهاب إلى العالم لتمثيل نفسها والفلسطينيين كذلك، وهذا لا يسبّب عرقلة في عمل السلطة الفلسطينية ولا ينفي الشرعية عن منظمة التحرير، بل من المفترض أنّ يدفعها إلى مزيد من العمل السياسي".
وصرح المتحدث باسمها حماد الرقب أن "إسماعيل هنية يمارس دوره السياسي الطبيعي، ويبني علاقات مع الدول لصالح الحركة بما يخدم القضية الفلسطينية، وعلى منظمة التحرير وقيادات حركة فتح فهم ذلك والعمل جنباً مع حماس لصدّ الخطط التصفوية التي تنوي إسرائيل تنفيذها".
ونفى الرقب حدوث أي تراشق إعلامي بين الحركتين، مؤكداً "أن العلاقة بين الطرفين مبنية على محاولة توحيد الجهود، وتوحيد الخطاب الفلسطيني في وجه خطة السلام الأميركية التي أعلنها ترمب".
خبراء سياسة
أما عن عدم احترام أخلاقيات العمل السياسي، فأشار إلى أن "حماس تعمل وفقاً لمؤسسات الحركة، التي يعمل فيها خبراء سياسيون ومتمكنون في مجالات عملهم. فضلاً عن ذلك، توجد في الحركة مراكز عدّة للدراسات السياسية تحدّد لقياديّيها مسارهم".
ووفقاً لحديثه، فإنّ "حماس تطالب فتح بالالتزام بالعمل الوطني، وعدم التطبيع مع إسرائيل على اعتبار أنها احتلال للأراضي الفلسطينية، وأنّ ما تقوم به السلطة يُعدُّ تجاوزاً للأعراف الفلسطينية".
ولفت الرقب إلى أنّ "عباس أصدر في أكثر من مرة قرارات بوقف العلاقات الثنائية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولكن لم يتم الالتزام بها. لذلك، سعت حماس إلى كسب مزيد من الأصوات الدولية لصالح القضية".
يُذكر أن تراشقاً إعلامياً كبيراً جرى بين عناصر من حركتَيْ "فتح" و"حماس"، وظهر بشكل واضح على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى المنابر ووكالات الإعلام الخاصة بكل فصيل.