الشوارع مقفرة، عدا عربة خضراء تتدحرج ببطء شديد يتنافس مع سرعة حركة الحلزون. فجأة، ومن مكان لا مرئي، انبثقت موجة من الحركة ونفثة من الغبار الأحمر، وظهرت مجموعة من الأطفال راحوا يرمون مسحوقاً ملّوناً، ويصيحون مبتهجين "هولي سعيد"، ثم هربوا ضاحكين.
إنه اليوم السنوي الذي تحتفل فيه الهند والجزء الأكبر من بلدان جنوب آسيا بـ"مهرجان الألوان". ويتجمع فيه سكان المناطق المختلفة ضمن حفلات شوارع كبيرة وصاخبة، وتصبح الطرق التي تربط بين هذه الأحياء كأنها ساحات قتال ملطخة بالألوان، الأحمر والبرتقالي والأخضر.
وكان منتظراً أن تصل الاحتفالات إلى ذروتها يوم الثلاثاء الفائت الذي يكون يوم عطلة في شتى أنحاء الهند. مع ذلك، فإن هناك نشاطاً أقل بكثير من المعتاد في الاستعداد له. وكانت مبيعات المحلات للمسحوق الأحمر ومسدسات الماء قليلة جداً، مع تصاعد المخاوف من احتمال وقوع انتشار مهلك لفيروس كورونا في الهند.
ومع تأكيد الهند على ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا يوم الاثنين الماضي إلى 45، عزّزت الحكومة من جهود التدقيق في الزوار الأجانب وأصدرت نصائح، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصحف والإعلانات والرسائل الأوتوماتيكية التي تسبق كل المكالمات الهاتفية، تنبّه الجمهور إلى الحفاظ على النظافة، وتجنّب الأماكن شديدة الازدحام والبقاء متيقظين من أعراض الإصابة بالوباء.
من ناحية أخرى، لم تمنع وزارة الداخلية بشكل مباشر احتفالات "هولي"، لكنّ شخصيات حكومية كانت قدوة في هذا المجال. وقد كتب رئيس الوزراء ناريندرا مودي تغريدة على صفحته في موقع "تويتر" الأسبوع الماضي، ورد فيها أنه لن يشارك في تجمعات عيد "هولي" وذلك لأن "الخبراء في شتى أنحاء العالم نصحوا بالتقليل من حضور التجمعات الكبيرة لتجنّب انتشار "كوفيد-19" [= كورونا]".
في هذا السياق، ذهب وزير الداخلية أميت شاه خطوة أبعد، فأشار إلى أنه لن يشارك، وكذلك أصدر "نداءً لكل شخص بوجوب تجنب التجمعات الشعبية الكبيرة والعناية بنفسه وعائلته".
وإذا كان مهرجان "هولي" يتطلب تجمعات بشرية كبيرة وتواصلاً عن قُربْ بين الأفراد، فإن موعد حلوله هذه السنة "كان مقلقاً حقاً" بالنسبة إلى مسؤولي الصحة العامة، المستعدين لبذل أقصى الجهود لمنع انتشار فيروس الكورونا، بحسب توضيح من الدكتورة سانغيتا فاتاشاريا، كبيرة الخبراء في "مؤسسة الصحة العامة للهند".
في هذا الصدد، شرحت فاتاشاريا لـ"الاندبندنت"، "معنى المشاركة في "هولي"، قائلةً إن هذا المهرجان يتمحور حول تبادل الألوان بين الأفراد، وهذا يعني أنك ستكون على اتصال قريب جسدياً من الآخرين... بشكل عام، أنت تضع اللون على وجوه الناس. طبيعة المهرجان الجوهرية تتعارض مع النصائح الطبية".
لذلك يوصي مسؤولو الصحة العامة الناس بتقنين احتفالاتهم بعيد "هولي" فتكون في مجموعات صغيرة، والحالة الأمثل هي أن تضم هذه المجموعة أفراد العائلة الذين يقضون معظم وقتهم معاً في كل الأحوال.
كذلك طُلب من المجموعات المهددة بمخاطر الإصابة ككبار السن وأولئك الذين يعانون من مشاكل صحية، عدم مغادرة مساكنهم يوم الثلاثاء الماضي.
في هذا السياق، ذكرت الدكتورة فاتاشاريا أنّ "الرسالة هي البقاء بعيداً، والبقاء داخل البيوت... لأنك لا تستطيع أن تطلب من الأطفال عدم لمس الأشخاص، فهذا لن يتحقّق. أفضل نصيحة تتمثّل في أنه إذا تعذّر ذلك تماماً، فالأفضل عدم خروجك والبقاء في بيتك وتناول الكثير من الطعام اللّذيذ تعويضاً عن عدم الخروج".
وأضافت "يجب عدم السماح لفيروس كورونا هذا أن يحبط مزاجك للمهرجان، فهناك طرق كثيرة للاستمتاع به".
وحتى الاحتفالات المنظمة بعيد "هولي" التي يرافقها إجراء فحوصات واسعة، كالحفل السنوي الذي يقام عادة في قصر "راشتراباتي فاهون" الجمهوري، ألغي. وقد وصف رئيس الجمهورية رام ناث كوفيند ذلك القرار بإنه "إجراء احترازي".
وعمد بعض المحتفين إلى التعويض عن غياب الألوان الحقيقية بتبادل صور عن مهرجان السنة الماضية مع بعضهم بعضاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن ضمن من بادروا إلى ذلك، فيكرام ميسري، سفير الهند لدى الصين، الذي كتب تغريدة على صفحته في موقع "تويتر" إنّ الحفلة التقليدية التي تُنظم عادة في دار الهند ببكين "أُلغيت، للأسف، بسبب وضع فيروس كورونا المتفشي".
ومع الضغوط التي يواجهها نظامها الصحي، ومدنها الضخمة الشديدة الازدحام، وقرب طرقها من الصين، تستعد الهند وبشكل جدي لوصول "كوفيد-19" إليها. وحالياً، ثبت أن معظم حالات الإصابة حدثت بين المسافرين الآتين من إيطاليا، بما فيها 15 حالة شُخّصت بشكل إيجابي ضمن مجموعة سياحية واحدة إلى راجستان.
ولهذا السبب، أُغلِقت المدارس في دلهي من قِبَلْ السلطات المحلية حتى 31 مارس (آذار)، وجرى تبني تلك الإجراءات في بقية أنحاء البلد.
وفي ساعة متقدّمة من مساء الاثنين الفائت، أوضح وزير الخارجية الهندي أنّ رحلة مخططاً لها لرئيس الوزراء مودي إلى بنغلادش في 17 مارس الحالي أصبحت آخر ضحايا انتشار الفيروس. وكذلك ذكر متحدث باسم بنغلادش أن حفل إحياء الذكرى المئة لولادة الشيخ مجيب الرحمن، مؤسّس تلك الدولة، قد قُلِّص، مشيراً إلى إن الهند "مستعدة للعمل مع بنغلادش، بوصفهما شريكَيْن في محاربة انتشار هذا المرض ضمن منطقتنا المشتركة".
© The Independent