Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رهاب الزواج... حين نتمسك بـ"أوسمة الوحدة"

لم يعد وهماً وضحاياه يعانون في صمت ويدفعون الثمن ويحتاجون علاجاً نفسياً ودعماً من أجل التعافي

الهروب من الزواج قد لا يكون بسبب الشريك بل لرهاب متأصل في الشخص نفسه (بكسلز)

ملخص

البعض يعتبر أنه لا يحتاج إلى نصف آخر ليكتمل به، وأنه مكتمل بالفعل مادياً ومعنوياً ونفسياً، ويقرر أنه لا يريد شريكاً طويل الأمد في سلامه هذا. فيما آخرون يقتربون خطوة ويتراجعون ألفاً عن قرار الارتباط لأسباب عدة منها الخوف.

"متى سنفرح بك؟" سؤال لا ينفك يطرح على كل من وصل إلى ما يعتقد أنه سن الزواج. وقد يكون السؤال ثقيلاً محرجاً على من يخشى ربط حياته ومستقبله بأحد.

البعض يعتبر أنه لا يحتاج إلى نصف آخر ليكتمل به، وأنه مكتمل بالفعل مادياً ومعنوياً ونفسياً، ويقرر أنه لا يريد شريكاً طويل الأمد في سلامه هذا. فيما آخرون يقتربون خطوة ويتراجعون ألفاً عن قرار الارتباط لأسباب عدة منها الخوف.

ما جناه أبي

"أضعت عمري بالخوف من الارتباط، فكنت بلا وعيي أقيم علاقات مستحيلة لا مستقبل لها، إلى أن اكتشفت بعد أن أصبح عمري 40 سنة إن خوفي من الارتباط جعلني أعيش على هامش الحياة وأخسر وقتاً رائعاً في المشاركة". هذا ما قالته أسماء التي تزوجت بعمر 45 سنة بعد وفاة والدتها. مضيفة "طوال عمري كنت أخشى أن أعيش تجربة والدتي بعد أن تخلى عنها أبي، حبيب عمرها. تركها مع ثلاثة أطفال تصارع الحياة وحدها، بعد أن تزوجته رغماً عن إرادة أهلها. المهم أن شقيقي تزوجا في منتصف العشرينيات. وأنا كنت أرفض أي علاقة تؤدي للزواج إلى أن التقيت بزوجي الحالي، وكان قطار الأمومة قد فات لكن في الأقل كسبت رفقة لعمري الآتي مع شخص لا يشبه أبي الذي جعل نظرتي للحياة سوداوية".

يمثل الارتباط العاطفي لبعض الأشخاص مصدر قلق وذعر بدلاً من الأمان والسعادة. وحال أسماء واحدة من الحالات التي يعزف فيها الأشخاص عن الارتباط خوفاً. هذا الخوف يسمى بالـ"جموفوبيا" أو الخوف من الالتزام العاطفي، وهي حال نفسية واجتماعية تعكس معاناة حقيقية ومؤثرة على العلاقات بين الأشخاص.

 

والـ"جموفوبيا" (Gamophobia) مشتقة من الكلمة اليونانية "gamos"  وتعني الزواج أو الاتحاد، و"phobos" التي تعني الخوف. ويعرف هذا الاضطراب بأنه خوف غير مبرر وشديد من الالتزام بعلاقة عاطفية طويلة الأمد أو من فكرة الزواج. وهنا لا نتحدث عن مجرد التردد الطبيعي باتخاذ القرار ودراسة العلاقة والإحساس بها، بل يرتبط ذلك بشعور عميق بالقلق يمكن أن يتداخل مع قدرة الشخص على بناء علاقات صحية. وأغلب أسباب هذا الخوف يرتبط بتجارب شخصية سابقة.

وعادة لا تأتي الـ"جموفوبيا" وحدها، إذ يرافق رهاب الزواج هذا رهاب الحب، أو رهاب الجنس (الخوف من العلاقة الحميمة)، أو الخوف من الهجر، بحسب Psychology Today.

وعلى رغم أن عديدين يعتقدون أن الرجال أكثر خوفاً من الالتزام، فإن نساء كثيرات يتجنبن الالتزام لمدد طويلة الأمد وفقاً لبحث بمجلة Psychological Report.

بين الحقيقة والذريعة

تعكس الـ"جموفوبيا" تغييرات في نظرة الأفراد للعلاقات والالتزام. وفي عصر السرعة والانفتاح الرقمي تبدو العلاقات العابرة أكثر شيوعاً، فينظر البعض إلى العلاقات الجادة كالتزام ثقيل على القلوب والجيوب لا يتناسب كثيراً مع العصر ويتطلب جهداً للاستمرار.

وأظهرت دراسة أجراها Pew Research Center أن نحو 25 في المئة من الشباب في أميركا قلقون من فكرة الزواج بسبب مخاوف مالية أو نفسية. ويعطي هذا الرقم فكرة عن تغير في فهم معنى الالتزام حيث يختار كثيرون التركيز على حياتهم المهنية والذاتية قبل التفكير في الارتباط العاطفي.

قد يبدو للبعض أن الـ"جموفوبيا" مجرد ذريعة للهرب من الالتزام، لكن الواقع يقول إنها حال نفسية عميقة ومعقدة. فالأشخاص الذين يعانون من الـ"جموفوبيا" غالباً ما يكونون واعين بمخاوفهم لكنهم يشعرون بالعجز أمامها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تتجنب شيرين (32 سنة) العلاقة العاطفية الجادة، وتخيفها فكرة أن تكون مسؤولة عن شخص آخر أو عن طفل، تخشى أن تفقد استقلاليتها وحريتها إذا ارتبطت بأحد. تقول "أجد نفسي دوماً أدفع بالرجل بعيداً على رغم حبي له. وعندما أجد أنه يريد الزواج أبدأ باختراع ذرائع واهية. وعلى رغم تطمينات قد أحصل عليها فإنني أهرب في اللحظات الأخيرة. ولا أشك أبداً بأنني سأهرب أثناء زفافي إذا بقيت بعلاقة تصل للزواج".

تقول شيرين إنها فعلياً لا تعرف لماذا تخيفها فكرة الارتباط إلى هذا الحد على رغم وجود تجارب ناجحة في محيطها القريب.

أسباب الـ"جوموفوبيا"

رولا عصفور مدربة مهارات حياتية وعلاقات صرحت لـ"اندبندنت عربية" بأن الدراسات والأبحاث الحديثة تشير إلى أهمية معرفة أسباب الخوف من الارتباط، بالتالي السعي لعلاجها. وهي تختلف في تأثيرها من شخص إلى آخر، فقد تكون البيئة الأسرية المضطربة التي اعتاد الأطفال فيها رؤية آبائهم غير سعداء أو يتشاجرون باستمرار، أو عاشوا تجربة طلاق الوالدين. وقد تكون بسبب القلق من تحمل مسؤولية الأعباء المادية أو العاطفية الناتجة من الزواج. أو الفشل في تجربة سابقة تعرض فيها الشخص للخيانة أو الانفصال المؤلم. يضاف إلى ذلك الاعتقاد بأن الالتزام يقيد الحرية الشخصية، ويؤثر سلباً في الاستقلالية، ويسبب انخفاض تقدير الذات وقلة الثقة بالنفس الشعور بعدم الأهلية والقدرة على إسعاد الشريك أو إقامة علاقة ناجحة. كما أن وجود توقعات غير واقعية عن العلاقات المثالية أو الشريك المثالي يمكن أن تجعل الشخص يشعر بأن أية علاقة ستكون غير كافية أو مخيبة للآمال. ويأتي الضغط من المجتمع أو الأسرة للالتزام بعلاقة ليزيد الطين بلة. وكذلك فإن التعرض للتحرش الجسدي أو الاستغلال العاطفي في الطفولة قد يكون سبباً في الخوف من الارتباط.

تعتبر رولا أن من الطبيعي أن يخاف أي شخص من الزواج، بخاصة أنها علاقة تدوم مدى الحياة، وفيها تحول وتغير سواء كان ذلك الارتباط بالشخص المناسب أو الخطأ. ويعتبر الخوف الطبيعي استجابة موقتة تزول تدريجاً مع الوقت لأنها تدفع صاحبها للبحث عن حلول للتأقلم والالتزام والتفاهم مع الشريك منذ بداية العلاقة.

 

لكن بعض الأشخاص تتحول مخاوفهم الطبيعية إلى مرض، ومن الممكن أن يصابوا بـ"رهاب الزواج" أو الـ"جاموفوبيا"، وهو حال نفسية تتمثل بخوف غير منطقي ومستمر من فكرة الزواج والالتزام بعلاقة دائمة، ويؤثر ذلك سلباً في جودة الحياة والقدرة على التواصل، فنجد الشخص ميالاً إلى العزلة الاجتماعية وتجنب العلاقات العاطفية بشكل كامل.

وعن التجارب التي قد تؤدي إلى هذا الرهاب تقول رولا "صدمات الطفولة مثل العيش في بيئة مضطربة يشاهد فيها الطفل الخلافات أو المشكلات أو العنف أو الطلاق بين والديه، أو تعرضه للرفض أو الإساءة الجسدية أو العاطفية، كلها أسباب تؤثر بشكل سلبي على جودة علاقاته العاطفية المستقبلية، فتؤدي صدمات الطفولة إلى أنماط التعلق غير الآمنة كنتيجة لتعلم الأطفال في وقت مبكر من الحياة مفاهيم خاطئة تؤثر على منظورهم لفكرة الزواج وكيفية إدراكهم لشركائهم وتفاعلهم معهم. وقد يواجه البعض صعوبة في الثقة والتواصل بسبب تعرضهم لصدمات في الطفولة مما يؤدي إلى عدم القدرة على التواصل الفعال، وصعوبات في تحقيق الرضا والاستقرار في العلاقة الزوجية. ومن الشائع أن يعيد الشخص الذي عانى من صدمات الطفولة إنتاج أنماط سلبية في العلاقات مثل الغضب المفرط والإنعزال العاطفي".

التخلي عن الخوف

تقول رولا إن من الممكن التعامل مع تأثير صدمات الطفولة من خلال التعبير عن المشاعر بالكتابة أو التحدث مع مختص نفسي، إضافة إلى إعادة بناء الثقة بالنفس عبر التركيز على تطوير علاقات آمنة بصورة تدريجية، وقد يحتاج البعض للعلاج المعرفي السلوكي (CBT) الذي ثبتت فعاليته في معالجة الخوف من الالتزام.

وتضيف "بداية لا بد من التعرف إلى الأسباب الجذرية ومصدر الخوف من الارتباط العاطفي والزواج، ثم تبديل الأفكار السلبية بأفكار إيجابية عبر العلاج المعرفي السلوكي، وممارسة الأنشطة التي تعزز تقدير الذات والإنجاز الشخصي، والتحدث بصراحة مع الشريك عن المخاوف والتوقعات من الطرف الآخر، مع ضرورة اتخاذ خطوات صغيرة نحو الالتزام مثل قضاء وقت أطول مع الشريك أو تحديد أهداف مشتركة تدريجاً، مع الأخذ في الاعتبار أن التقدم التدريجي يقلل ويسهل تكوين علاقات مستقرة. وينبغي على الشريك المساعد بألا يستخف بمخاوف الطرف الآخر أو يقلل منها، وأن يتعاطف معه ويتفهم قلقه ويشجعه على التغلب عليه من خلال الحوار الصريح والاستماع العميق من دون إصدار الأحكام. ومن الضروري أن يتحلى الشريك المساعد بالصبر واحترام وقت ومساحة الطرف الآخر من دون الضغط عليه. إضافة إلى بناء الثقة المتبادلة بين الطرفين عبر الالتزام بالدعم والتشجيع على طلب المساعدة المتخصصة إذا كانت المخاوف تعيق تطور العلاقة".

تشير رولا إلى أن دراسة أجراها Clinical Psychology Review عام 2020 تذكر بأن ثمة علامات تؤثر سلباً في جودة العلاقات وتحتاج للتدخل النفسي، منها العزلة الاجتماعية وتجنب جميع العلاقات العاطفية، ومشكلات في التواصل كالخوف من فتح حوارات حول الالتزام، وأعراض نفسية وجسدية مثل التوتر والقلق الشديد والأرق وزيادة معدل ضربات القلب وصعوبة التنفس والإحساس بالاختناق والتعرق، إضافة إلى صعوبة بناء علاقات طويلة الأمد، كتكرار العلاقات السطحية أو الانسحاب المتكرر.

دور وسائل التواصل

تعتبر رولا أن "التوازن الصحي يعزز الحرية الشخصية والالتزام العاطفي من حيث وجود مساحات شخصية مستقلة تساعد على تقليل الخوف من فقدان الذات، وتسهل الاتفاق على المسؤوليات المشتركة، ووضع الحدود الواضحة والتوقعات المشتركة بين الطرفين، إضافة إلى تعزيز مبدأ الشراكة والتركيز على أن الزواج هو شراكة قائمة على الدعم المتبادل والاحترام.

وتشير إلى إسهام وسائل التواصل في تعزيز بعض الأفكار والمخاوف التي تؤدي إلى التردد أو الخوف من الزواج لدى بعض الأفراد، "حيث أتاحت منصات التواصل الفرصة لتسليط الضوء على المشكلات الزوجية ومشاركة التجارب الشخصية مما خلق تصوراً مبالغاً فيه عن صعوبات الحياة الزوجية. كذلك أن عرض بعض الأفراد لحياتهم الزوجية المثالية خلق توقعات غير واقعية حول العلاقات الزوجية، وتسبب في تعزيز المقارنات الاجتماعية السلبية وخيبة الأمل والتردد في الزواج. ووفرت تلك وسائل كذلك منصات للتعارف والتواصل بطرق غير تقليدية مما دفع البعض لتفضيل العلاقات غير الرسمية أو الموقتة على الزواج التقليدي. إضافة إلى أن الانشغال المفرط بوسائل التواصل قلل من فرص التفاعل الاجتماعي المباشر، وقلل من محيط التعارف والتواصل الذي يؤدي إلى التوافق الزوجي".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات