خرج جيراننا إلى شرفات منازلهم ليلة أمس لكي يوجهوا التحية إلى طاقم الأطباء والممرضين الذين يضحون بحياتهم في سبيل مكافحة وباء فيروس كورونا.
نُظمت هذه اللفتة، التي كانت لحظات للتعبير عن عواطف جياشة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وستحدث كل ليلة في طول إسبانيا وعرضها من الآن فصاعداً.
ولا يعكس هذا المشهد سوى جانب واحد فقط من شكل الحياة الجديدة في إسبانيا، حيث الإغلاق التام مفروض على مجتمع يعيش عادة خارج المنزل في الحانات والمطاعم وعلى الشواطئ. لذلك فالمكوث في المنزل، على غرار ما يفعله البريطانيون معظم السنة بسبب الأحوال الجوية، سيمثل صدمة لهم.
وما يعنيه إعلان الحكومة الإسبانية حالة الطوارئ هو أننا لا نستطيع الخروج من المنزل سوى لشراء الطعام أو الأدوية أو لزيارة الطبيب أو الذهاب إلى المستشفى في وضع طارئ أو للعمل فيه إذا كنا من موظفيه. والغريب أن الأعذار التي تسمح بالخروج تتضمن حلاقة الشعر وتنزيه الكلاب.
خرجت، قبل بداية الإغلاق التام رسمياً، في جولة أخيرة على دراجتي الهوائية. وغمرني شعور بأنني في واحد من تلك الأفلام التي تصور الحياة عند نهاية العالم، وبعد فناء جميع البشر تقريباً، فيما أنا من القلة المحظوظين لبقائهم على قيد الحياة.
كانت الشوارع خالية من المارة والحانات مغلقة والمطاعم مهجورة. لم ينقص المشهد سوى بعض الأعشاب التي تتطاير في الهواء ليكتمل كلياً. ومع غياب السيارات عن معظم الشوارع، استطعت أن استمتع بقيادة دراجتي بحرية وسط شوارع تزدحم بالسيارات في الأوقات العادية.
وحين كنت أرى شخصاً ما بين لحظة وأخرى، كنت أبادله السلام الحذر، مع الحفاظ على مسافة بيننا.
خيم على السماء صمتٌ مطبق خارج عن المألوف. فأنا أسكن على مقربة من مطار يملأ أجواءه عادة أزيز الطائرات.
وقد حلت محل ذلك الضجيج حالياً سكينة لطيفة تقطعها الطائرات أحياناً. لا تشمل حالة الطوارئ رسمياً خطوط الطيران ولم تغلق الحدود لكن معظم شركات الطيران قلصت رحلاتها إلى إسبانيا.
بدأ الإغلاق الأسبوع الماضي حين أوصدت المدارس أبوابها، ما أدى إلى حجر ملايين الطلاب وأهلهم داخل البيوت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة لنا، أول ما فكرنا به هو إزالة الغبار عن بعض الحواسيب القديمة لضمان إمكانية متابعة أبنائنا الثلاثة دراستهم عبر الإنترنت. فمجرد احتمال مشاركة الحواسيب ينذر بالفوضى. وأسعفتنا المدرسة في اللحظة الأخيرة حين قدمت لنا بعض الحواسيب المحمولة كي يستطيع أبناؤنا إنجاز وظائفهم المدرسية. واستعدنا السلام القلق.
وجدت نفسي لدى ذهابي إلى السوبرماركت في زيارة سريعة أمام رفوف فارغة مع تقلص مخزون اللحوم والمعكرونة والمعلبات.
ويقدم الأطباء والممرضون خدماتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لغير المصابين بفيروس كورونا من نساء حوامل وأشخاص كبار في السن قد يعانون من مشكلات صحية مزمنة.
في بلد يعمل العديد من أبنائه أعمالاً حرة أو يديرون مؤسسات صغيرة، سيعجز الكثيرون عن دفع فواتيرهم ويواجهون الإفلاس. وكلما أسرعت الحكومة بتأمين المساعدة المالية الموعودة كان أفضل.
ولحسن حظنا أنه على الرغم من عجزنا عن مغادرة المنزل، لدينا حديقة صغيرة باستطاعة الأولاد الركض فيها. وتبدو الترامبولين، أو منصة القفز المطاطية للأطفال بنظري الآن أفضل استثمار قمت به على الإطلاق. لكن في بلاد يقطن معظم أبنائها في شقق سكنية، لم يحالف الآخرون حظاً مماثلاً.
إحدى صديقاتي التي لديها طفل يميل إلى لمس كل الأشياء ولعقها، لا تستطيع مغادرة منزلها الضيق وتجد صعوبة في ضبط الطفل الذي يقود دراجته الهوائية حول المنزل بثياب نومه ويعيث فيه خراباً.
لطالما كانت إسبانيا بلاداً تعني الحياة فيها القبلات على الخد واللقاءات خارج المنزل والأحاديث، بقدر ما تعني تناول البائيلا.
لكن الحياة لم تتوقف بل انتقلت إلى الشبكة الرقمية. وتضمن لنا تطبيقات فايس تايم وسكايب وغيرها "لقاءات" مع أصدقائنا لتبادل النصائح حول النجاة والمزاح.
بالنسبة لنا، أتاح هذا الوضع فرصة للتوقف قليلاً وإخراج بعض الأفلام العائلية القديمة أو اختراع ألعاب عائلية جديدة.
فالإغلاق التام غريب لكنه ليس سيئاً بالكامل.
© The Independent