Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تظاهرات مليونية في الجزائر تطالب الرئيس بوتفليقة بالتنحي

وفاة محتج في "تدافع أثناء اشتباك بين الشرطة ومحتجين" في العاصمة والتلفزيون العام ينقل مشاهد التظاهرات

في يوم "التظاهرة المليونية" في الجزائر ضد التمديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، الجمعة، توفي محتج في "تدافع أثناء اشتباك بين الشرطة ومحتجين"، وفق وكالة رويترز. وذلك على الرغم من محافظة التظاهرات التي عمت مختلف المدن والمقاطعات، على طابعها السلمي. وقد عبّرت الجمعيات المنظمة للاحتجاجات عن مخاوف شديدة من احتمال حدوث مواجهات وأحداث عنف.

وفي انتظار موعد تجدد التظاهرات، الأحد 3 مارس (آذار)، بالتزامن مع موعد الإيداع الرسمي لترشيح الرئيس بوتفليقة لدى المجلس الدستوري، فإن المخاوف الأمنية تزداد.

هدوء العاصمة

وكان يوم التظاهرة المليونية في العاصمة الجزائرية على الشكل الآتي. مظاهر الحياة اليومية في أحياء وسط المدينة تسير بشكل اعتيادي. لا تبدو على المارة علامات التوتر أو القلق، ولا أحد يحث الخطى أو يستعجل العودة إلى بيته، على الرغم من أنه لم تعد تفصلنا سوى أقل من ساعة واحدة على موعد انطلاق الجولة الثانية من تظاهرات الحراك الشعبي ضد التمديد للرئيس بوتفليقة، أو ما يُعرف هنا بـ "حراك 22 فبراير (شباط)"، نسبة إلى اليوم الذي شهد انتشار تظاهرات عارمة في كبرى المدن الجزائرية، احتجاجاً على إصرار "أصحاب القرار"، كما يسميهم الإعلام المحلي، على إعادة ترشيح الرئيس بوتفليقة إلى ولاية رئاسية خامسة"، على الرغم من أنه مريض ومُقعَد، ولم يشارك في أي نشاط عمومي طوال ولايته الرئاسية الرابعة، ولم يلقِ أي خطاب إلى الشعب منذ العام 2012.

الطقس الشامس سرعان ما بدّد المخاوف، وأضفى على التظاهرات مسحة من البهجة والتفاؤل. فيوم الجمعة الذي يوافق الأول من مارس (آذار)، يصادف عيد "مغرس"، الذي يعد أول يوم من فصل الربيع، وفق التقويم المحلي الأمازيغي. وقد رأى نشطاء الحراك الاحتجاجي في ذلك فأل خير يبشر بـ "ربيع ديموقراطي سيعمّ البلاد".

توجس من التسريبات

لكن هذه النبرة المتفائلة لم تخفِ مشاعر التوجس، التي خيمت على تدوينات الجزائريين على شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعد الجدل الذي أثاره تسريب محادثة هاتفية جرت بين عبد المالك السلال، رئيس الحكومة السابق ومدير حملة الرئيس بوتفليقة الانتخابية حالياً، وعلي حداد، رئيس جمعية رجال الأعمال الجزائريين، قبل ثلاثة أيام، وتم التلميح خلالها إلى احتمال استعمال "الكلاشنكوف" ضد المتظاهرين!

هذه الهواجس الأمنية تضاعفت على إثر تصريح لرئيس الحكومة أحمد أويحيى، حذّر فيه الجزائريين، عشية هذه الجولة الاحتجاجية الثانية، من مصير شبيه بما حدث في سوريا. إذ قال رداً على أسئلة نواب المعارضة في المجلس الوطني (البرلمان) الجزائري، "لا تنسوا أن الأمور في سوريا بدأت أيضاً بالورود، وانتهت بالدماء". هذا التصريح عدّه منظمو التظاهرات استفزازياً، وفي مقدّمهم منظمة "مواطنة" وجمعية "بركات" (معناها باللهجة الجزائرية "كفاية")، إذ سارع الجميع إلى تأكيد ضرورة التمسك بسلمية الحراك الشعبي. وشهدت شبكات التواصل حملة واسعة من التعليقات على "تهديدات" رئيس الحكومة.

تصدّر هذه التعليقات ملصقٌ أحال رئيس الحكومة إلى نموذج مغاير تماماً للتجربة السورية التي تحدث عنها، قائلاً "نبشرك، في ماليزيا بدأت الأمور باعتقال الفاسدين، وانتهت بأقوى اقتصاد في العالم الإسلامي".

واستغربت تدوينة أخرى لجوء السلطات إلى تخويف المحتجين من انفجار أحداث العنف، ساخرة من كون الجزائر هي "أول بلد في العالم شعبه يريد المحافظة على الاستقرار، والنظام يبحث عن الفوضى".

وتصدرت منصات التواصل أيضاً تدوينات شدّدت على ضرورة أن تبقى التظاهرات سلمية، وذلك من خلال مجموعة من السلوكيات التي طُلب من المتظاهرين التزامها، لتفادي الانسياق وراء "الاستفزازات" التي قد تؤدي إلى أعمال العنف. وارتفعت أصوات نقابات وجمعيات وشخصيات بارزة لدعوة المتظاهرين والسلطات إلى ضبط النفس، وتفادي أي تصعيد قد يسهم في الزج بالبلاد مجدداً في دوامة العنف والاقتتال الأهلي.

ودوّن الروائي عبد العزيز غرمول، رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين سابقاً، قائلاً إن "الشرطي الذي يقف أمامك اليوم هو أخوك، ألقِ عليه سلام المحبة: سلمية، حضارية، شبيبة جزائرية".

في المقابل، لجأت قوات الشرطة إلى تطويق التظاهرات في محاولة للتحكم في مسارها، من دون الاشتباك المباشر مع المحتجين، بهدف منعهم من تجاوز المربع المسموح بالتظاهر فيه بين ساحة أول مايو، عند المدخل الشرقي للعاصمة، وميدان البريد المركزي، في وسط المدينة. ولم يُسمح بوصول المسيرات إلى الأحياء المجاورة التي تضم المقارّ الرسمية للحكومة والبرلمان، كما حدث خلال مسيرات الأسبوع الماضي. لكن الأمور تمت بسلاسة من دون إطلاق القنابل المسيّلة للدموع أو اللجوء إلى خراطيم المياه، إلا في نهاية المسيرات، حين تطلب الأمر تفريق المتظاهرين.

وكان  أن المحتجّين، كلما اقتربت المسيرات من المنافذ المسدودة من قبل قوات الشرطة، كانوا يرفعون هتافات تقول إن "الشعب والشرطة، خاوة، خاوة (أي إخوة)". ولم تحدث أي محاولات لتجاوز أو اقتحام الحواجز الأمنية.

جميلة بوحيرد

وفي أوج التجمع الضخم، الذي ضم مئات آلاف المحتجين، في المحيط القريب من ميدان البريد المركزي، حدثت مفاجأة ألهبت حماسة الحاضرين، إذ جاءت بطلة الثورة الجزائرية جميلة بوحيرد، على الرغم من حالتها الصحية الحساسة، لتحيي المتظاهرين، معبرةً عن تأييدها تطلعات الشباب الجزائري في الإصلاح والتغيير.

الإجماع الذي قوبل به حضور "جميلة الثورة"، وسط أهازيج الأغاني الوطنية الموروثة من حرب التحرير الجزائرية، أبعدت نهائياً شبح العنف والإقتتال الأهلي.

لكن يبقى السؤال: هل يحافظ الحراك الاحتجاجي الجزائري على هذه الروحية خلال الجولة الثالثة من التظاهرات التي ستجري الأحد؟ وهي جولة يعتبرها جميع الفرقاء حاسمة ومصيرية، لأنها تتزامن مع الموعد المرتقب لإيداع الترشيح الرسمي للرئيس بوتفليقة لدى المجلس الدستوري.

التلفزيون العام ينقل مشاهد التظاهرات

وفي يوم التظاهرة المليونية، افتتح التلفزيون الوطني الجزائري، للمرة الأولى منذ بدء حركة الاحتجاج، نشرته الاخبارية بمشاهد لتظاهرات في العاصمة الجزائرية لكن من دون الإشارة إلى أن المحتجين يطالبون برفض ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة.

وقال التلفزيون إن المتظاهرين يطالبون بـ"تغيير سلمي".

وفي شأن المواجهات التي وقعت بين مجموعات من الشبان والشرطة في نهاية تظاهرة العاصمة، تحدث التلفزيون عن تجاوزات اضطرت قوات الأمن إلى استخدام الغاز المسيل للدموع.

وقال التلفزيون الرسمي إن هناك 56 جريحاً بين عناصر الشرطة وسبعة بين المحتجين. فيما أحصى مراسلو "فرانس برس" عشرة جرحى بين المحتجين تعرضوا للضرب بعصي الشرطيين وبحجارة أعاد بعض الشرطيين رميها على محتجين وبشظايا قنابل مسيلة للدموع أو اختناقاً بالغاز.

وأوقفت الشرطة خلال النهار 45 شخصاً بينهم خمسة حاولوا دخول فندق الجزائر، بحسب التلفزيون نقلاً عن بيان للإدارة العامة للأمن الوطني التي تشرف على مختلف أجهزة الأمن الجزائرية.

وكان صحافيو وسائل الإعلام العامة (الإذاعة والتلفزيون) نددوا مؤخراً علناً بالتضييق "المفروض من رؤسائهم" على تغطية الأحداث المتعلقة بحركة الاحتجاج غير المسبوقة في الجزائر على ترشح بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ 1999 لولاية خامسة.

يشار إلى أن وسائل الإعلام العامة كانت عتمت في 22 فبراير على أول التظاهرات الكبيرة في البلاد، خصوصاً في العاصمة التي يحظر القانون نظرياً فيها التظاهر منذ 2001.

وكان التلفزيون العام أشار الأربعاء في منتصف نشرته إلى مسيرات ضمت آلاف الطلبة، من دون الإشارة إلى أنها احتجاج على ترشح بوتفليقة.

وبثت قناتان خاصتان يملكهما رجلا أعمال عرفا بقربهما من النظام، الجمعة، مشاهد الاحتجاجات، وهو ما لم تفعلاه سابقاً.

وتجمع مئة صحافي يعملون في وسائل الإعلام العامة المكتوبة والمرئية والمسموعة الخميس في وسط العاصمة للتنديد بـ"الرقابة" وضغوط رؤسائهم التي يواجهونها خصوصاً في تغطية حركة الاحتجاج.

المزيد من العالم العربي