في المركب الغارق نفسه أصبح الغاز رفيقاً لسوق النفط التي تشهد حروباً في الأسعار، إضافة إلى انهيار كبير في الطلب، تسببا في أن تتهاوى الأسعار مع ارتفاع كبير في المخزون لتظهر مجدداً أزمة تخمة المعروض من جديد.
وربما عمقت الأزمات المرتبطة بشكل مباشر بانتشار فيروس "كورونا" في أزمة جديدة تتعلق بالطلب العالمي الذي يواصل تراجعه مع استمرار توقف المصانع الكبرى الأكثر استهلاكاً للطاقة على مستوى العالم.
ووفق رؤوية تحليلية حديثة أعدها موقع "أويل برايس"، فإنه وعلى الرغم من معاناة النفط، لكنه على الأقل لديه منظمة "أوبك" التي تواصل تحركاتها في إطار إعادة الهدوء والاستقرار للسوق، لكن سوق الغاز ليست كذلك وليست لديها منظمة مثل "أوبك"، ما يجعل أزمتها أعنف وأشد.
ويعتبر فائض المعروض العالمي من الغاز الطبيعي ليس أمراً جديداً، فمزيج من الغاز الطبيعي المسال الجديد والطاقة الإنتاجية لخطوط الأنابيب والشتاء الأكثر اعتدالًا في بعض أنحاء العالم كافياً لإدخال السوق في فائض بالمعروض يستمر حتى الآن. وفضلاً عن ذلك كان الطلب يزداد سوءاً بفضل انتشار الفيروس الذي أصبح وباءً، ونتيجة لذلك، تنخفض أسعار الغاز في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة.
الأسعار تهوي بشدة في 2020
في أوروبا، تراجع سعر الغاز الطبيعي حوالى 27 في المئة منذ بداية العام الحالي بعد خسائر تقدر بحوالى 50 في المئة مقارنة بأسعار العام الماضي، بينما في الولايات المتحدة، تقل أسعار العقود الآجلة للغاز عن دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
ويرى رئيس مجموعة الاستشارات في مجال الطاقة "أن.يو.إس"، ريتشارد سولتانيان، أن الأسعار في الولايات المتحدة قد تضعف أكثر لمستوى يتراوح بين 1.50 و1.60 دولار لعقود التسليم في الشهر المقبل، قبل أن تبدأ في التحسن في وقت لاحق من العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحليل أشار إلى تشبع أوروبا وآسيا بالغاز في الوقت الحالي، كما توقعت إدارة معلومات الطاقة أن تصل مخزونات الغاز في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي في وقت لاحق من هذا العام عند 1.935 تريليون قدم مكعب، أي بزيادة 12 في المئة عن متوسط الخمس سنوات. ولا يُظهر الإنتاج أي علامات على التباطؤ، في الغالب لأن الكثير من الغاز المنتج في الولايات المتحدة يرتبط بالغاز من آبار النفط الصخري.
في الوقت نفسه، يبدو أنه لا توجد وسيلة تدعم صعود الأسعار، وهذا يعني المزيد من الخسائر لبعض منتجي الغاز، وخصوصاً شركات التنقيب التي تركز على الولايات المتحدة. حيث يشير تقرير لمزود بيانات الطاقة "روكيس آند باكين ان فوكس" إلى أن العديد من المنتجين النشطين في المنطقتين الصخريتين لديهم أسعار إنتاج أعلى بكثير من أسعار المؤشرات، بعضها أعلى من ثلاثة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وهذه أمور قد تدفع إلى وقوع حالات إفلاس ما لم تتغير الأمور بسرعة، وسط مشكلات متعلقة بنقص وسائل النقل والتخزين.
أزمة النقل مستمرة
في سياق متصل، تظل أزمة النقل كما هي على الرغم من أن الإغاثة تأتي من خلال خط أنابيب "بريمان" السريع الذي تم إنهاء بنائه في وقت سابق من هذا الشهر، وسينقل خط الأنابيب ملياري قدم مكعب من الغاز يومياً إلى منطقة هيوستن، ومع ذلك لن يغير إشباع الطلب على الغاز في الولايات المتحدة.
ووفقاً لتقرير حديث لوكالة "بلومبيرغ"، فإن العالم بحاجة إلى المزيد من قدرة توليد الطاقة التي تعمل بالغاز من أجل تعافي أسعاره. ويرى كبير محللي البيانات لدى "إن.يو.إس"، كامبل فولكنر، أن "الأسعار تتقارب على مستوى العالم، وإلى أن يكون هناك كمية كبيرة من توليد الطاقة يتم بناؤها محلياً وفي الخارج، ليس هناك مساحة كبيرة لاستيعاب الغاز في السوق".
ومن المتوقع أن تؤدي زيادة استهلاك الكهرباء خلال موسم الصيف المقبل، إلى توفير بعض المساعدة لأسعار الغاز في الولايات المتحدة وكذلك صادرات الغاز إلى المكسيك التي تعد واحدة من أكبر المشترين للغاز الأميركي. ومع تزايد الطلب مع زيادة عدد سكانها، ستظل المكسيك بمثابة منفذ أساس لفائض الغاز الأميركي بسبب نقص الإنتاج المحلي.
أيضاً، من المرجح أن ترتفع صادرات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة هذا العام، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، على الرغم من ملاحظة أن قدرة الأخيرة لتصدير الغاز الطبيعي المسال سوف تستمر في خدمة الطلب العالمي المتزايد عليه، خاصة في الأسواق الآسيوية الناشئة طالما ظلت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة قادرة على المنافسة.
والقدرة التنافسية هي اسم اللعبة في الغاز الطبيعي المسال، حيث تشعر جميع الدول المنتجة الرئيسة بالألم الناجم عن وباء الفيروس، ويشير التحليل إلى أن الذين يتعاملون كثيراً في تجارة الطاقة مع الصين سوف يشعرون بألم أعمق من أولئك الأقل اعتماداً على الصادرات الصينية.
خروج لاعبين كبار من السوق وإفلاس شركات
ووفقاً لرؤية إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الغاز الطبيعي المسال الأميركي سيبقى قادراً على المنافسة حتى عام 2030، ومع ذلك، فإن المشترين من أوروبا يرفضون بالفعل الشحنات وهذا يشير إلى واقع مختلف في الوقت الحالي. ويخطط منتجو الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة لإتاحة المزيد من طاقة التسييل للغاز هذا العام، ولا يمكن أن تكون عمليات إلغاء الشحن جيدة لهذه الخطط، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن مشهد الغاز سيئ الآن، هناك أمل يأتي من أسعار النفط.
وأوضح التحليل أن "كوفيد 19" يتسبب في انخفاض سريع في أسعار النفط، الأمر الذي من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من الخام في العام الحالي مقارنة بالتوقعات السابقة، وبالتالي الحد من إنتاج الغاز الطبيعي المرتبط به.
كما ترى شركة "إن.يو.إس" أن سوق الغاز سوف تعود إلى التوازن في منتصف عام 2021 بسبب تأثير الفيروس على أنماط العرض والطلب العالمية. لكن وبدون وجود أو ظهور "كورونا"، كان من الممكن أن يُعاد توازن السوق بحلول نهاية هذا العام أو بداية عام 2021 على أبعد تقدير، وهذا يعني أن صغار المنتجين الأميركيين العرضة للتأرجح في الأسعار سوف يتحملون فصلا أو اثنين آخرين من الألم.
وتوقع التحليل أن تشهد السوق خروج لاعبين كبار من سوق الغاز خلال الفترة المقبلة، خاصة الشركات المدعومة من الدولة مثل الشركات القطرية والروسية، وكذلك الشركات الكبرى من أزمة الغاز الجديدة سالمين. مرجحاً إمكانية وجود حالات إفلاس في شركات منطقة الصخر الزيتي بالولايات المتحدة ما لم يشهد الصيف الحار تحسناً كبيراً في الطلب على الغاز لتوليد الطاقة.