منذ نشأة الكتابة وهي الوسيلة الأساسية لحفظ الإنتاج الفكري والتراث الثقافي والحضاري للإنسان، وعلى مرّ العصور كانت وظيفة الكاتب من أرقى وأرفع الوظائف في المجتمع، حتى أن الحكيم المصري القديم "بتاح حتب" قال في إحدى وصاياه "صوت الناس يفنى ولكن صوت الكاتب يعيش أبد الدهر" للدلالة على قيمة الكاتب والكتابة على حد سواء.
وفي العصور الإسلامية كان للكتابة شأن عظيم، فنسخ المصاحف ونقل التراث العلمي لعلماء المسلمين ساعد بشكل كبير على تطور الخط العربي والكتابة بالأبجدية العربية، وأبدع الخطاطون في جميع أرجاء العالم العربي في تطوير الخطوط وابتكار الجديد والمميز منها، حتى صار الخط العربي فناً قائماً بذاته وليس مجرد وسيلة للكتابة، إلا أن التطور التكنولوجي الذي نعيشه الآن والاعتماد بشكل شبه كامل على الكتابة على أجهزة الكمبيوتر انعكس بشكل كبير على الأجيال الجديدة التي صارت لا تتقن الكتابة بخط جميل وهو ما تسعى مبادرة "خط منمنم " إلى تحقيقه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إحياء فن مهمش للحفاظ على الهوية العربية
الفنان أنور الفوال، عضو مجلس إدارة نقابة الخطاطين والقائم على المبادرة، قال لـ"اندبندنت عربية" إن "الخط العربي كان وما يزال له قيمة فنية كبيرة تجذب الفنانين وعموم الناس في الشرق والغرب، وبالنسبة إلينا له علاقة بربط التراث بالجيل الجديد حفاظاً على الهويّة العربية والإسلامية، والخط العربي له أسرار جعلته لا يشبه أي فن آخر، فكل حرف له سر وجمال وروحانية كبيرة تميزه عن باقي الأبجديات ونهدف من خلال مبادرة "خط منمنم" إلى عدة أهداف، منها تنمية وتحسين الكتابة عند الأطفال وتحسين الإدراك البصري والذاكرة البصرية وتصويب كتابة الطفل وتعليمه بطريقه صحيحة باستخدام الوسائل والتقنيات الحديثة والتمرين المستمر على أسس الكتابة ونعمل مع الأطفال بشكل ممنهج قائم على دراسات علمية متعلقة بأفضل الوسائل للتعليم".
الكتابة على طريقة مهندس الخط العربي
ويضيف "نبدأ مع الأطفال من عمر ست سنوات ونعلّمهم من البداية طريقة الإمساك بالقلم وكيفية الكتابة بطريقة سهلة ومريحة حتى لا يملّ الطفل عملية الكتابة نفسها، ونهتم بالجانب البصري والعصبي والحركي للطفل، وهم العوامل الثلاثة التي تقوم عليهم عملية الكتابة ونعلمهم كتابة الحرف العربي عن طريق الخطوط والأشكال الهندسية، وهي الطريقة الشهيرة لـ(ابن مقلة)، الذي عرف بمهندس الخط العربي، ونعلمهم بطريقة سهلة ومحببة للنفس حتى نحقق أفضل النتائج، فهدفنا أن يحب الأطفال فن الخط العربي ويقدروا أهميته باعتباره جزءا من تاريخهم وحاضرهم في ذات الوقت، فاللغة العربية وفنونها تحتاج منا إلى بعض الاهتمام، وبخاصة في هذا العصر، والأطفال هم النبتة التي نزرع فيها هذا الاهتمام".
من الخطوط الدارجة إلى المتقدمة
مبادرة "خط منمنم" قدمت العديد من الفعاليات وورش العمل مع الأطفال في القاهرة والعديد من المحافظات المصرية، وتسعى إلى الانتشار في جميع محافظات الجمهورية، وعن هذا الأمر يقول الفنان أنور الفوال "أقمنا العديد من ورش العمل في القاهرة والمحافظات وحتي في بعض القرى في صعيد مصر، وقدمنا فعاليات في كثير من المدارس ومراكز الشباب وقدمنا فعالية مميزة في الجامع الأزهر، وهناك استجابة كبيرة من الأطفال ومن أولياء الأمور على حد سواء، ونبدأ مع الأطفال بتعليم كتابة الحرف العربي والخطوط الدارجة، مثل النسخ والرقعة، ومن بعدها يمكن للمتميزين الاستمرار وتعلم مستويات متقدمة من الخطوط، مثل الديواني والثلث والكوفي، وهناك أطفال يحققون نتائج رائعة حتى أننا أقمنا معرضاً لأعمالهم في (بيت السحيمي) بالقاهرة، وكان به لوحات شديدة التميز للخط العربي نفذها الأطفال بأيديهم ولاقت استحسانا كبيرا من الجمهور".
أمنيات وطموحات تتجاوز مصر
وعن أمنياته للمبادرة، يقول "أتمنى أن يكون هناك اهتمام بتدريس فنون الخط العربي في المدارس، فهناك مدارس لتعليم الخطوط في مصر أتمنى أن يعلّم خريجوها الخط للأطفال باعتباره فنا وليس مجرد وسيلة للكتابة، فكثيراً ما يكون مدرس اللغة العربية، وهو القائم على تعليم الخط في مدارسنا في مصر، مؤهل لتعليم اللغة العربية ولكنه غير مؤهل بشكل كافٍ لتعليم فن الخط العربي، كما أتمنى أن تغطي مبادرة (خط منمنم) كل أرجاء الوطن العربي، فاللغة العربية تجمعنا وفن الخط العربي هو تراث مشترك لكل العرب يجب أن نسعى جميعاً إلى الحفاظ عليه ونقله للأجيال الجديدة باعتباره جزءا من هويتنا الثقافية وتراثنا الحضاري".