قبل انتشار الوباء العالمي لفيروس "كوفيد 19" بسنوات، تحديداً منذ 2017 بعيد ضربة وباء "إيبولا" (فيروس يسبب حمى ونزيفاً) في دول الساحل الشرقي لأفريقيا، ظهر سؤال أرَّقَ المجتمع العلمي العالمي عمّا يستطيع العالم فعله إذا ضربه فيروس ينتشر بسرعة الزكام العادي ويكون بقوة "إيبولا" أو "سارس"؟ ويكاد لا ينجو أحد من الإصابة بالزكام العادي (تمييزاً عن الأنفلونزا التي تسبّب أعراضاً أقوى من الزكام لكنها أقل انتشاراً منه)، فكيف تكون الحال لو استُبدِل الزكام العابر بفيروس مثل "سارس" الذي يسبّب التهاباً رئوياً حاداً يقضي على أنفاس ثلث من يصيبهم؟ هل يفنى ثلث سكان الأرض؟ هل يكون الفناء أكبر من ذلك مع انهيار النظم الصحية والمالية والسياسية والاجتماعية، بل وربما الأمنية، في ظل وباء مرعب كذلك؟
وجرياً على عادة العلم الحديث، لم يبق ذلك الأمر مجرد افتراض وتوجس و"سرسبة" وأوهام. إذ انكبّت مجموعات من العلماء على وضع دراسات تفصيلية عن ذلك الاحتمال. وفي أحد اجتماعات لجنة الأوبئة في "منظمة الصحة العالمية"، دُرِسَتْ تفاصيل ذلك السيناريو من الفناء الهائل. وجرت الاستعانة بتقنيات المحاكاة الافتراضية للكمبيوتر، لوضع نماذج افتراضية عنه. وسمّته تلك اللجنة "الوباء إكس" X- Disease في إشارة إلى كونه غير موجود، بل مجرد افتراض محض. وللأسف، تكرر وقوع بعض وسائل الإعلام العام، خصوصاً الرقمي، في فخ عدم التنبّه إلى أن الأمر يتناول فرضية علمية وليس وباءً حقيقياً. المفارقة أن وسائل الإعلام عموماً، حتى الأشد رصانة وحصافة، لم تُعطِ اهتماماً كافياً إلى بقية الصورة التي رسمها خبراء الصحة العالمية. ولم يجر تداولٌ على نطاق واسع بتنبيه الخبراء إلى أن نُظُم الرعاية الصحية في الدول كلها، لا تتحوّط لهذا الاهتمام ولا تضعه في صدارة اهتماماتها، على الرغم من خطورة الآفاق التي يرسمها والاحتمالات التي يتوقعها. يجب الاستدراك سريعاً، والتنويه بشخص بدا شبه متفرّد في التصدي لمهمة تنبيه العقول على امتداد الكرة الأرضية إلى خطورة انتشار وباء عالمي لا يكون لأجساد البشر قدرة على الصمود في وجهه، ولا يملك العالم لقاحاً ولا دواءً للتصدي له، ما يوجب خوض الحرب معه بصورة مباشرة تتولاها البنى التحتية العامة للرعاية الصحية. لم يكن ذلك الشخص سوى بيل غيتس، المؤسّس الأسطوري لشركة مايكروسوفت، عملاق صناعة نُظُم تشغيل الكمبيوتر. وجاءت صرخته في أعقاب مشاركته الإنسانية الراقية عبر صندوق "ميليندا وبيل غيتس"، في مكافحة وباء "إيبولا"، ما جعله يلمس أمدية القصور في بنى رعاية الصحة العامة. ونشر ذلك التنبيه في عدد من وسائل الإعلام الإعلامية العالمية، من بينها صحف عربية. وسأعود إلى هذه النقطة لاحقاً.
وبعيداً من الفرضيات، يملك العالم وعلومه تجربة مأساوية في شأن فشل التصدي بفاعلية للفيروسات. إذ أدى انتشار عالمي لفيروس "الأنفلونزا الإسبانية" في 1918، عند خواتيم الحرب العالمية الأولى، إلى إصابة مئات ملايين البشر والقضاء على ملايين الأرواح. وعانت الولايات المتحدة ضربات ذلك الوباء. هل إن بلداً في وزن الولايات المتحدة مستعد فعلياً لمواجهة وباء فيروسي عالمي الانتشار؟ إذا دققنا في قدرات هذا البلد في التصدي للأوبئة العالمية الانتشار، نحصل أيضاً على فكرة عن كيفية تعامل بقية دول العالم معه. في المقابل، ليس سهلاً الحصول على إجابة عن مدى استعداد أميركا لمواجهة وباء عالمي. ثمة جوانب مطمئنة وأخرى تبعث على القلق. وكذلك من البديهي الإشارة إلى تقدّم هائل أحرزته العلوم الطبية خلال المئة سنة وأكثر التي تفصلنا عن "الأنفلونزا الإسبانية". وتملك الولايات المتحدة برامج للقاحات، ومستشفيات متطوّرة، ومختبرات تعتمد التقنيات الأشد حداثة. وتشكّل "معاهد الصحة الوطنية [الأميركية]" المؤسسة الأضخم عالمياً في البحوث الطبية والبيولوجية، وتمثّل "مراكز السيطرة على الأمراض" ("سي دي سي" CDC) المؤسسة التي لا خلاف عالمياً على كونها أقوى المؤسسات العامة للرعاية الصحية عالمياً. باختصار، تملك الولايات القدرة على مواجهة الأوبئة، بما في ذلك الجديدة منها، على غرار دول أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دروس من ضربات الأعاصير
في المقابل، تبدو الولايات المتحدة هشّة ومُعرّضة أيضاً، بل يتزايد ذلك الأمر في مناح عدّة. ويعتمد الأمر على الاقتصاد الطبي (بمعنى السلع والخدمات والأدوات) الذي يتوجب استحضاره في الوقت المناسب، حين تكون المخزونات محدودة، وحتى الأشياء الطبية الأكثر أساسية، تخضع لمنطق الطلب. ومثلاً، في أميركا، تأتي غالبية أكياس المصل المخصصة للحقن بالوريد، من بورتوريكو. وقبل بضع سنوات، خرّب الإعصار ماريا تلك الجزيرة، فحدث نقص فوري في تلك الأكياس داخل أميركا. وقد أجبر ذلك الوضع مستشفيات كثيرة على إعطاء المصل بواسطة الحُقَنْ، وتالياً حدث نقص في الحُقَنْ! وعلى نحوٍ مُشابِه، تأتي معظم أدوية الطوارئ عبر سلاسل نقل طويلة تنقلها من الهند والصين، وبديهي أن تتعرض تلك السلاسل إلى التوقف في حال حدوث جائحة عالمية.
ولعل الأكثر أهمية يتمثّل في كون الولايات المتحدة عرضة لآفات نسيان التجارب وقصر النظر، مثل غيرها من الأمم، سواء أكانت غنية أم فقيرة. ولقد تفاقم قصر النظر في السنوات الأخيرة. إذ تعاني البرامج العامة للرعاية الصحية من نقص في التمويل، وتعمل مستشفيات كثيرة عند نقطة قريبة من حدودها القصوى، ولقد أُحدِثَتْ اقتطاعات كثيرة في تمويل مناحٍ أساسية وحاسمة. وعندما نُصاب بجائحة، يكون العلم أول ما نفكر فيه، لكن عندما تتدهور الأوضاع، يشتد اعتماد الأمور على القيادة السياسية.
عند هذه النقطة، أعود إلى بيل غيتس الذي يصعب وصفه بالشخص المستسلم للوساوس وأوهامها. ولقد قدّم وصفاً عمّا أعطته نماذج المحاكاة الافتراضية للكمبيوتر، بشأن حدوث جائحة أنفلونزا شديدة مثلاً، مشدداً على إنها قد تقتل أكثر من 33 مليون إنسان في أقل من 250 يوماً. ويشكّل ذلك الاحتمال، مع استمرار عدم قدرة العالم على التحضّر لمواجهته، إحدى المسائل القليلة التي تهزّ التفاؤل المعروف عن غيتس، ويتحدّى أيضاً سرديته عن التقدم العالمي.
وفي النهاية، يتمثّل الاستعداد لمواجهة جائحة في أشخاص فعليين وأشياء ملموسة تماماً. يشمل ذلك أن يتنبه الأطباء بصورة فورية عند ظهور حمّى غير مألوفة عند أحد مرضاهم. وكذلك الحال بالنسبة لممرضة تسجّل ملفاً عن تنقلات مريض. ويضاف إلى ذلك، توفّر ردهات في المستشفيات يمكن استعمالها لعزل المُصابين، ومخازن مملوءة بأكداس من الكمامات الواقية، ومصانع تعمل على مدار الساعة كي تنتج لقاحاً مطلوباً.
من بين الأوبئة المعروفة كلها، تعتبر الأنفلونزا الأشد خطورة. إذ تتبدّل تراكيبها الجينية باستمرار، وأحياناً يقتصر ذلك التبدّل على تغيرات طفيفة، لكنه في أحيان أخرى، يصل إلى نقطة إعادة الهيكلة الشاملة للتركيب الجيني للفيروس.
وحتى خارج نطاق حدوث جائحة، عندما لا يتعلق الأمر بفيروسات جديدة تكتسح العالم، تقضي الأنواع الفيروسية المُتشابهة التركيب [بمعنى أن التبدل في تركيباتها يكون طفيفاً، فلا تختلف عما كانته في سنة سابقة إلا قليلاً]، على قرابة نصف مليون شخص سنوياً. ويفسّر ذلك التغيير المستمر في التراكيب الجينية لفيروس الأنفلونزا، ضرورة تغيير تركيبة لقاح الأنفلونزا سنوياً أيضاً. وكذلك يعطي تفسيراً لتحوّل فيروس يفترض أنه لا يسبب أكثر من زكام شديد، وحشاً يفتك بضراوة أحياناً. وكذلك يبيّن سبب تركيز الولايات المتحدة على تتبعه، ورصدها أموالاً لتحقيق تلك الغاية. إذ تعمل شبكات ضخمة على مراقبة فيروسات الأنفلونزا، لتقصي الأنواع الجديدة منها. وكذلك تجمع التنبيهات الصادرة عن أطباء مع نتائج الفحوصات في المختبرات. وترسل تلك المعطيات كلها إلى "مراكز السيطرة على الأمراض" التي تمسك خيوط تلك الشبكة المترامية الأطراف كلها، وتعمل على امتداد العالم بأسره.
قبل عشر سنوات، تلقى العالم ضربة من فيروس كان متأهباً له، لكن ذلك لم يحل دون اهتزاز الجميع إزاء تلك الضربة! وفي مطالع الألفية الثالثة للميلاد، أوْلَتْ "مراكز السيطرة على الأمراض" انتباهاً شديداً إلى آسيا التي كانت تعاني انتشار فيروس "آتش 5 أن1" بين الدواجن وطيور البحر. وآنذاك، ساد توقع بأن يسبب "آتش5 أن1" الوباء العالمي المقبل. وفيما انشغلت أذهان العلماء بانتشار فيروس "آتش5 أن1" في الطيور شرقاً، ظهرت سلالات جينية جديدة لفيروس "آتش1 أن1" في الخنازير غرباً. وقفزت إحدى تلك السلالات من الخنازير إلى البشر في المكسيك، ما أحدث موجات من العدوى فيها، ثم لم تلبث الولايات المتحدة أن نالت نصيباً منها في شتاء 2009. ولم تستطع شبكة الترصد الفيروسي التي تديرها "مراكز السيطرة على الأمراض"، تبيان جلية الأمر إلا في منتصف أبريل (نيسان) من ذلك العام، بفضل تحليل عينتي دم لطفلين أُصيبا بالمرض في كاليفورنيا.
اللقاحات؟ كأنها زراعة موسمية...
ثمة خلاصة مقلقة مفادها أن الشبكات الأعلى تطوّراً في العالم لم تستطع رؤية فيروس انطلق في "الحديقة الخلفية" للبلد الذي تستقر فيه، وقد انتشر أشهراً قبل أن يدخل أميركا.
ومع انتشار "أنفلونزا الخنازير" عالمياً، برزت مشكلات أمام صُنّاع اللقاحات. إذ تُصنَع غالبية لقاحات الأنفلونزا بواسطة زرع فيروسها في بيض الدجاج، وتلك تقنية لم تتغيّر على مدار سبعة عقود! ومع تغيّر فيروس الأنفلونزا سنوياً، يتوجّب على المُصنعين تعديل ما يزرعوه في البيض سنوياً أيضاً. وعموماً، يشبه صنع اللقاحات زراعة المحاصيل الموسمية، أكثر من شبهها بصناعة الأدوية. وتالياً، تتلاءم تقنيات تلك الصناعة بصورة جيدة مع الزكام الذي ينطلق فيروسه كل سنة في أوقات معلومة منها. وفي المقابل، تفشل تلك التقنية حيال الجائحات المفاجئة التي تنطلق على حين غرّة، من دون موعد معلوم.
في جائحة 2009، وصل اللقاح ضد النوع المستجد من "آتش1 أن1" إلى الأسواق متباطئاً. واستغرق الأمر 4 أشهر بعد الإعلان عن حدوث جائحة، قبل أن تشرع أولى اللقاحات في النضوج. وعندها، كان الوباء قريباً من ذروته. ولم تنجح تلك اللقاحات إلا في إنقاذ أرواح 500 شخص أو أقل، وشكّل ذلك أدنى عدد من الوفيات التي يجري تجنّبها أثناء موسم الأنفلونزا، في سِجِل السنوات العشرة السابقة على تلك الجائحة. وبالنتيجة، قضى 12500 أميركي بفيروس "آتش1 آن1" في 2009.
في زاوية أخرى من المشهد عينه، تعتمد تقنية صنع اللقاحات على بيض الدجاج الذي ليس منيعاً بحد ذاته ضد فيروسات الزكام. ولأن التغيّرات والطفرات في التركيبة الجينية للفيروسات [المستعملة في صنع اللقاحات] تحصل داخل البيض أيضاً، لا تتوافق دوماً التراكيب المستخدمة في اللقاحات مع السلالات الفيروسية التي تسبب موجات المرض. في المقابل، ليس لدى صُنّاع اللقاحات ما يحفّزهم على تبني تقنيات أخرى في صنعها. إذ يتطلّب الانتقال إلى تقنيات بديلة في صنع اللقاحات، بلايين الدولارات، فمن يأبه لذلك؟ يجدر التذكير أيضاً بأن صناعة اللقاحات لا تتمتع نسبياً بربحية ضخمة، بل لا يتناول اللقاحات سوى 45 في المئة من الأميركيين في السنوات العادية. لذا، حينما تنطلق جائحة، لا تكون الإمدادات كافية أبداً.
وفي سياق جائحة 2009 أيضاً، صارعت المستشفيات الأميركية التي تعمل غالباً عند مستويات قريبة دوماً من طاقتها القصوى، أثناء معالجتها مرضى ذلك الوباء. ولقد تأثّرت ردهات الأطفال على نحو خاصٍ بتلك الأزمة، وأُرهِقت طواقم التمريض التي اضطرت إلى تقديم رعاية على مدار الساعة للأطفال المُصابين. وكذلك استنفدت المستشفيات قدراتها في التجهيزات الإسعافية للحالات الحرجة والشديدة، التي يفترض أن تسعف القلب والرئتين عندما تكون وظائفها على حافة الفشل.
من ناحية أخرى، يصح القول أن النظام الصحي الأميركي لم يشهد انهياراً، لكن ذلك ليس مدعاة للارتياح، خصوصاً بعدما تبيّن أن تلك الجائحة كانت أشبه بالتدريب! إذ لم تفتك السلالة التي انفلتت في 2009، بسوى 0.03 في المئة ممن أصابتهم، فيما تراوحت النسبة نفسها بين 1 في المئة و3 في المئة في جائحة "الأنفلونزا الإسبانية"، وبلغت وفيات فيروس "آتش 7 أن 9" (المسبب لنوع قوي من "أنفلونزا الطيور")، في الصين، إلى 40 في المئة.
إذا أصيبَتْ الولايات المتحدة بفيروس أنفلونزا من نمط جائحة 1918، فلسوف تحتاج إلى سبعة أضعاف وحدات العناية المركزة وأربعة أضعاف ما تملكه من أجهزة التنفس الصناعي.
واستطراداً، يدعو للقلق العميق أن تكون الولايات المتحدة غير مستعدة لموجة من الأنفلونزا. إذ كرّست البلاد شبكة ترصد وأدوية مضادة للفيروسات، وبنية تحتية واسعة، بهدف العمل على صنع لقاحات الأنفلونزا. ولا يوجد شيء مشابه أبداً مخصص لمواجهة أوبئة أخرى باتت تتصاعد باستمرار. وعلى نحو خاص، ثمة حاجة واضحة إلى وحدات متخصصة في احتواء الطوارئ البيولوجية الطبية. ويقصد ذلك وجود وحدات متخصصة في علاج ضحايا هجمات الإرهاب البيولوجي أو مرضى أوبئة قاتلة على غرار "سارس" و"إيبولا".
هل تصح المقارنة مع الكونغو أو... الأسلحة؟
استطراداً، تُصمّم تلك الوحدات بطريقة يتمكن فيها المرضى من الوصول إلى أفضل رعاية طبية، وكذلك التصدي لانتشار الفيروسات بطرق تبعدها عن الأمكنة كلها. ويتوجّب أن تحتوي كل غرفة على ما يكفي من معدات التنظيف والملابس الداخلية والجوارب، فيستبدل العاملون فيها ملابسهم كلها عند الدخول إليها، ولا تخرج قطعة من ثيابهم فيها فيروس قد يجد طريقه إلى منازلهم. وعلى نحوٍ مُشابِه، يتوجب أن تحتوي كل وحدة على إثنين من أفران التعقيم الضخمة كي يستخدما في تعقيم الأدوات الطبية بالبخار المضغوط، ما يمكن من التعقيم الفوري للشراشف والملابس المتّسخة. ويجب أن توضع الوحدة بأكملها تحت ضغط هوائي منخفض، ما يكفل إبعاد الفيروسات عن التنقل مع حركة الأطباء والممرضين في تلك الوحدات وغرفها. ويفيد الأمر نفسه في تعقيم الهواء.
وعلى المنوال نفسه، يتوجّب أن تكون كل الأشياء الموجودة في تلك الوحدات حاجزاً أمام الفيروس. يجب سدّ شقوق الأرضيات باللحام، ومع إقفال محكم للمعدات الكهربائية والتمديدات الصحية. كذلك يتوجب عزل نُظُم التهوئة والتكييف في تلك الوحدات، عن بقية المستشفى، مع الحرص على تعقيمها بعناية. ومن الضروري أن تُلحَق بكل وِحدة غرفة منفصلة للتخزين تكون مملوءة ببدلات عزل كاملة، أشرطة لاصقة لسدّ أطراف القفازات، وخوذات تشبه ما يرتديه رواد الفضاء تمتلك كل منها نظاماً مستقلاً لتنقية الهواء. ويتوجب أيضاً أن تحتوي تلك الوحدات على غرف لمؤتمرات الفيديو، ما يتيح للطواقم الطبية [والعائلات] مراقبة المريض وأحواله من دون الاضطرار إلى ارتداء بدلات عزل أثناء الدخول إلى غرفته. وفي سياق متّصل، يلقي التأهب للأوبئة أعباءً كبرى على المستشفيات، لكن ذلك من الأمور المألوفة.
وعلى الرغم من تمتع الولايات المتحدة بثروة تفوق جمهورية الكونغو بخمسمئة ضعف، إلا أن الدولتين تعانيان شكايات متقاربة نوعياً، لكنها مختلفة كميّاً. إذ تشكو الكونغو قلّة معدات الحماية الطبية فيها، ومن الممكن أن ينفذ المخزون الضخم الذي تملك أميركا بسرعة، إذا تعرضت لضربة وبائية كبرى. ويؤدي نقص المياه إلى جعل النظافة ترفاً في أمكنة كالكونغو، وحتى في الولايات المتحدة لا يسهل إلزام الطواقم الطبية بغسل اليدين بطريقة ملائمة واتّباع أفضل طرق النظافة والتعقيم. واستطراداً، يقضي سبعون ألف أميركي سنوياً بسبب التقاطهم عدوى جرثومية في المستشفيات. وإضافة إلى ذلك، يبدي الناس في البلدين خشيتهم من حدوث نوبات من نسيان التجارب والفوضى، في أعقاب الموجات القصيرة من الحصافة وبعد النظر والجاهزية التي تسود أثناء التصدي للأوبئة.
بديهي القول إن الأمراض مكلفة بشكل باهض. ولاحتواء وصول عشرة حالات من "إيبولا" إلى الولايات المتحدة في 2014، أنفقت الحكومة 1.1 مليار دولار على المعدات المحلية، شملت 119 مليون دولار تكلفتها أعمال المسح [للتقصي عن الوباء] والعزل.
وكخلاصة، ليست الولايات المتحدة بغريبة عن مفهوم الاستعداد. إذ تنفق حاضراً قرابة نصف تريليون دولار على استعداداتها العسكرية، ما يشكّل الموازنة العسكرية الأضخم عالمياً، وتساوي مجموع الموازنات الدفاعية للبلدان السبعة الأعلى في الإنفاق العسكري عالمياً [بعد الولايات المتحدة]. في المقابل، لا تبدو الأمور على المستوى نفسه من الجاهزية في ما يتعلق بالاستعداد لمواجهة الفيروسات التي تستطيع أن تفتك بأرواح ملايين البشر، ويفوق ذلك كثيراً ما تستطيعه دولة مارقة.