يخيّم الموت على المستشفيات والقلق على المنازل وكذلك الوحدة والرغبة في المشاركة أو التغيير... مصابون بفيروس كورونا المستجدّ يروون آلامهم خلال فترة العزل ومخاوفهم، وقد فضّل بعضهم عدم الكشف عن أسمائهم كاملة.
الموت يخيّم على المستشفيات
فابيو بيفيرالي، طبيب قلب إيطالي من سكان روما يبلغ من العمر 65 سنة، أمضى ثمانية أيام "معزولاً عن العالم" في قسم العناية الفائقة والإنعاش في مستشفى بوليكلينيكو أومبيرتو أونو في روما، وهي عيادة طبّ أسنان جرى تحويلها إلى مستشفى لمواجهة الأزمة.
وقال بيفيرالي لوكالة الصحافة الفرنسية، "كنتُ أشعر بآلام غريبة... كأنّ هناك قرداً على ظهري". هكذا وصف أحد المرضى العوارض التي شعر بها.
وأضاف "علاج الأوكسجين مؤلم، لقد ساعدني واقع أنني طبيب على تحمّل الألم، في حين كان المرضى الآخرون يائسين يصرخون كفى... كفى".
أُعطي مضادات للفيروسات، ضد الملاريا والإيدز وحتى عقار توسيليزوماب لالتهاب المفاصل.
وروى "الوقت الأصعب هو خلال الليل. لم أتمكّن من النوم والقلق كان يجتاح الغرفة. تبدأ الكوابيس ويخيّم الموت". وقال "كنتُ أشعر بالخوف من أن أموت من دون أن أتمكّن من الإمساك بأيادي أفراد عائلتي. كان اليأس يتملّكني".
وكانت أجسام أفراد الطاقم الطبي "مغطاة بالكامل، القدمين واليدين والرأس. لم أتمكّن من رؤية إلّا عيونهم خلف الأقنعة الزجاجية. عيون فيها الكثير من العاطفة. لم أكن أسمع إلّا أصواتهم. كثيرون منهم كانوا صغاراً في السن، أطباء في الصفوف الأمامية. كانت لحظة أمل".
تغيير بعد المرض
وان شونهو، صيني يبلغ 44 سنة يعاني من ارتفاع ضغط الدم، هو مستثمر متزوج ولديه فتاة تبلغ تسع سنوات. نُقل في 30 يناير (كانون الثاني) إلى مستشفى ميداني في ووهان وسط الصين، حيث ظهر الوباء للمرة الأولى. تعافى بعدما بقي 17 يوماً في المستشفى. وقد أمضى 14 يوماً في الحجر الصحي ينتظر أن يتلقّى على هاتفه رمزاً يؤكد أن صحته سليمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المرة الأولى التي ذهب فيها إلى المستشفى وكانت حرارته مرتفعة، تم تشخيص إصابته بكوفيد-19، إلّا أنه أُعيد إلى منزله مع مضادات حيوية لعدم توفر غرفة له. وقال "كنت مرعوباً".
تفاقمت حالته وبدأ بالسعال. أُدخل في 30 يناير إلى المستشفى حيث تلقّى علاجاً بالهرمونات لتخفيض الحرارة، لكنه كان لا يزال يعاني من صعوبات في التنفس. كان هناك نقص في الأدوية، فيما استخدم العاملون الصحيون أكياسَ نفايات لتغطية أحذيتهم.
في الرابع من فبراير (شباط)، نُقل إلى أحد المستشفيين الميدانيين اللّذين شُيّدا خصيصاً للمصابين بكورونا المستجدّ في ووهان. وقال "لم أكن خائفاً، لكن كان هناك خوف بين المرضى".
وأضاف "اليوم أرى الأمور بطريقة مختلفة. أشعر بهدوء حيال كل شي، فعلاً هدوء. لقد وصلتُ إلى باب الجحيم وعدت. رأيتُ أولئك الذين لم يتعافوا والذين ماتوا. هذا الأمر أثّر فيّ كثيراً. لم أعد آخذ أي شيء على محمل الجدّ".
عوارض غير منتظمة
محلّلة جنوب أفريقية تبلغ 28 سنة تعاني من تكهف النخاع الشوكي، ثبُتت إصابتها بكورونا في 20 مارس (آذار)، لم يتمكن صديقها داوي وهو محام جنوب أفريقي يبلغ 30 سنة وصحته جيدة، من إجراء الفحص لأنّ "النظام الطبي تحت الضغط"، لكن لديه العوارض ذاتها. وهما يعزلان نفسيهما في المنزل في جوهانسبرغ حيث يعملان عن بُعد.
شعرت كريستين بأولى العوارض بعد يومين من احتكاكها بزميلة لها مصابة، وجاء الفحص ليؤكد الأمر. وبعد ثلاثة أيام، أصبح داوي في الوضع ذاته. وقالت "العوارض تتقلّب من ساعة إلى أخرى. تذهب وتعود، كأنها موجات. الأمر مختلف عن الزكام، هناك إرهاق وصعوبة في التنفس وضغط على مستوى الصدر. الطريقة الأفضل لوصف ذلك هي كأنكم على علو مرتفع ولديكم صعوبة في التنفس".
يتساءل داوي أحياناً ما إذا كانا "يبالغان"، لأنّ "هناك أياماً نشعر فيها أننا بأحسن الأحوال. في اليوم ذاته، نرتعش جراء الحرارة المرتفعة، بعدها نشعر أننا تحسنّا. الأسوأ هو خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما واجهت صعوبة في التنفس، وسألتُ نفسي ما إذا كان يجب الذهاب إلى المستشفى. شرح لي طبيبي كيفية معرفة ما إذا كان ينقصني الأكسجين، قائلاً: أنظر ما إذا كان لون أظافرك تحوّل إلى الأزرق".
قلق في المنزل
جميلة كيروش، ربة منزل فرنسية تبلغ 47 سنة كانت عاملة نظافة في السابق، متزوجة ولديها ثلاثة أبناء يبلغون ست سنوات و11 و19 سنة، أُصيبت بالفيروس التاجي في 17 مارس، وعزلت نفسها في منزلها في مولوز شرق فرنسا حيث يتفشّى المرض بشكل كبير.
وروت لوكالة الصحافة الفرنسية "أُصبتُ بنوبة سعال. في اليوم التالي، تفاقم الأمر، فقدت صوتي وحاسّتَيْ الذوق والشمّ. عندما كنتُ أسعل، كنت ضعيفةً، ضعيفةً جداً. لم أجرِ الفحص لكن الطبيب شخّص إصابتي بالفيروس".
وأضافت "توسّلت لزوجي كي يأخذ إجازة لمدة أسبوع لكنه يعمل في ملحمة، فقال لي: تخيّلي إذا فعل الجميع ذلك؟ لن يعود هناك طعام".
وتابعت "في المنزل، أرتدي قفازات وقناعاً واقياً. لا ألمس الطعام. لكن اثنين من أبنائي يسعلان".
واعتبرت أنّ "الأسوأ من كل شيء هو الفروض المدرسية. يضع أبنائي ضغطاً كبيراً على أنفسهم، يريدون أن ينجحوا في المدرسة. يعطيهم أساتذتهم فروضاً وكأنّ الوضع طبيعي. ابنتي البكر البالغة 19 سنة تحضّر لشهادة الباكالوريا المهنية وأراها تبكي عندما لا تتمكّن من التركيز، ولا يمكنني أن أضمّها بين ذراعي ومواساتها ومساعدتها".
وتابعت "نفسيتي غير مرتاحة على الإطلاق. لا أكفّ عن البكاء، لا راحة، هذا الوضع يفوق قدراتي".
يقظة اجتماعية
عالمة اجتماع وطالبة أرجنتينية تبلغ 25 سنة، أُصيبت بكوفيد-19 في 10 مارس، أثناء عشاء وداعي في مدريد بعد إغلاق معهد "إمبريسا" حيث كانت تتعلّم، قبل عودتها إلى وطنها. وهي تخضع للحجر الصحي في منزلها.
في 12 مارس، عادت إلى بوينوس آيرس وبدأت حجراً صحياً إلزامياً فُرض على العائدين كلهم من دول تفشّى فيها الوباء. في اليوم التالي، ظهرت الأعراض الأولى. وروت "كانت حرارة جسمي 40 درجة مئوية، كاد حلقي ينفجر، كنتُ أشعر أنني أتمزّق من الداخل". وأضافت "ما إن رآني الطبيب، أدرك أنني كنتُ على احتكاك بمصاب، لأنه كان هناك أشخاص في صفّي في الجامعة مصابين بكورونا المستجد".
وقالت ماريسول إنها صُدمت. "هذا الأمر لا يحدث، عمري 25 سنة، أنا شابة، صحتي جيدة، هذا جنون".
يتجنّب والدها البالغ 65 سنة الاحتكاك بها، فيترك لها الطعام أمام باب غرفتها. ينبغي عليها وحدها أن تتعالج من التهاب رئوي ناجم عن سعالها وقياس معدّل الأكسجين في الدمّ. وقالت إنّ فترة المرض هي "وحدة، وحدة كاملة".
انتشرت قصّتها وأجرت مقابلات كثيرة مع وسائل إعلامية. وأشارت إلى أنها تلقت إهانات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لأنّها عادت إلى البلاد، فيما هي مصابة بالفيروس. لكنها أوضحت "حاولتُ من جهتي أن أكسر الوصمة المقترنة بالمصاب بكورونا".
وكتبت على حسابها على تطبيق "إنستغرام" أنّ دورها اليوم هو أن تكون شخصاً لديه "يقظة اجتماعية"، "يدعو الآخرين إلى أن يكونوا متيّقظين لأنّ الأمر ليس مزحة، وأن كونكم شباب لا يعطيكم مناعة ضد شيء وأن كورونا المستجدّ ليس زكاماً".
المصابة الأولى
لورينا مدرّسة إكوادورية تبلغ 33 سنة، هي ابنة شقيقة "المصابة الأولى" في الإكوادور التي كانت عائدة من عطلة في إسبانيا، واستُقبلت باحتفال عائلي جمع حوالى 30 شخصاً في أواخر فبراير في المدينة الواقعة جنوب غربي البلاد.
وروت لورينا "خالتي لم تذهب إلى أي مكان. لم يكن لديها وقت. عند وصولها، لم تكن بحال جيّدة. قالت لنا إنها تشعر بأن حرارتها كانت مرتفعة أثناء الرحلة وإنّ كثيرين كانوا يسعلون" في الطائرة.
في 22 فبراير، نُقلت الخالة البالغة 71 سنة إلى مستشفى في غواياكيل، بؤرة الوباء في الإكوادور. وبعد أسبوع، ثبُتت إصابتها وعُزل أقرباؤها وأُجريت الفحوص اللازمة لهم. وفي الأول من مارس، رأوا على التلفزيون وزيرة الصحة كاتالينا اندرامونو، التي أُقيلت من منصبها مذاك، تكشف عن خمس إصابات في مؤتمر صحافي. وتقول لورينا في إشارة إلى هذه الإصابات الخمس "هم نحن!"، مضيفةً "عرفنا بالأمر عبر التلفزيون من دون إعلامنا" مسبقاً.
في 13 مارس، توفيت الخالة. وأُصيب حوالى عشرة أفراد من العائلة، من بينهم لورينا التي تعافت لاحقاً. لا يعرف أحد فعلاً كيفية معالجة المرضى المعزولين في منازلهم. الأطباء "يقولون لي: قومي بقياس ضغط الدم لهم بنفسك، ويرفضون لمس أهلي".