لم يلحظ مجلس الشورى السعودي ارتكابه خطأ كبيراً عند رفضه توصية نوقشت العام الماضي بوضع هيئة الإعلام المرئي والمسموع ضوابط لإصدار تراخيص لعمل الفاعلين على شبكات الإنترنت والتطبيقات الإلكترونية، وضبط الإعلانات والتغطيات المقدمة من خلالها، تقدم بها عضو المجلس سلطان الفارح.
وما إن بدأت السعودية تكثيف حملات مكافحة فيروس كورونا المستجد، وبدأت النخبة بجديةٍ في مجابهة هذه الجائحة صحياً وأمنياً وإعلامياً، حتى أظهر بعض المشاهير "الرقميين" سوء تصرفاتهم والتي قادت أكثر من عشرة منهم إلى النيابة العامة للتحقيق.
ومن بين حالات خرق حظر التجول التي انتشرت على مواقع التواصل، تحدي البعض للقرار عبر جلب حلاّق إلى البيت، ومخالِطة لمصاب بكورونا قامت بزيارة موقع مهم بالدولة، وهناك من أعلنت بتحدٍ أن لا أحد يستطيع منعها عن التجمعات، ولذا استنكر أعضاء مجلس الشورى في جلسته الأولى الافتراضية، أول من أمس، هذا الاختراق المتعمد ممن وصفوا أنفسهم بالإعلاميين وهم ليسوا كذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، وصف عضو المجلس عبد الإله ساعاتي، ما يحدث بالانفلات، قائلاً إن ما حدث أربك الأمن الاجتماعي، داعياً وزارة الإعلام إلى "حماية المجتمع من المحتوى الضار والذين نشروا فيه إساءات وتجاوزات وصلت للكراهية لبعض القرارات على الرغم من أنها تنطوي على مصلحة الوطن في ظل انتشار هذا الوباء". وأشار في مداخلته إلى وضع الصحافة الورقية، بقوله "صحافتنا الورقية تواجه صعوبات، في حين أنها إرث عظيم، ولها دور محوري في مسيرة الدولة منذ بدايتها حين أسس الملك عبد العزيز جريدة (أم القرى) في عام 1924".
التحول إلى الصحافة الرقمية
وتابع "على وزارة الإعلام أن تعمل على إنقاذ الصحف ليس بدعمها لتبقى على حالها ورقية، وإنما مساعدتها على التحول الرقمي حتى نحافظ عليها وعلى إرثها ودورها التنموي والتنويري، وذلك من خلال مدها بخبرات عالمية حديثة تدريباً واستشارة وتنفيذاً، وصولاً إلى تحولٍ رقمي ناجح"، واستشهد بنماذج عالمية ناجحة مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، والتي حققت تحولاً رقمياً ناجحاً، داعياً للاستفادة من هذه التجارب بعمل شراكات مع هذه المؤسسات الصحافية العالمية.
حروب على مواقع التواصل
كما ركزت مداخلة عضو المجلس، إقبال درندري، على مشاهير التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، ووصفت محتواهم بالتافه والضار بالصحة ويقلدهم الصغار، وطالبت وزارة الإعلام، وبالتنسيق مع الجهات المعنية، بوضع إطار حوكمة يضبط أنشطة وتغطيات وإعلانات هؤلاء المشاهير، وقالت "لقد شاعت أخيراً تجاوزات كثيرة لبعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم من يتنافس في المحتوى غير الأخلاقي، أو في مخالفة الأنظمة". وأضافت "تحولت ساحة الإعلام الجديد في الآونة الأخيرة إلى حروب ونزاعات وشتائم وتشهير بين المشاهير يتطاولون فيها على كل من لا يتفق معهم أو مع مصالحهم".
إعلانات حكومية
وأشارت إلى التجاوزات والمحتوى التافه الذي يحمله عدد من هذه الحسابات، وقالت "الأدهى من ذلك أن هناك بعض الجهات الحكومية أصبحت تعلن عن أنشطتها لديهم وكأنها تبارك تجاوزاتهم، والإعلانات لديهم بمبالغ طائلة تدفعها الجهة الحكومية أو الشركات ويدفع ثمنها المواطن، من أموال كان يفترض أن توجه إلى خدمات حكومية بدلاً عن صرفها على الإعلانات التي تلمع صورة مسؤول الجهة أو ترفع سعر السلعة على المواطنين بشكل كبير".
غياب الدور الرقابي
وأكدت أن حرية الرأي مكفولة للجميع ولكن التجاوزات وإلحاق الضرر بالآخرين تحت مسمى الحرية مرفوض، ولفتت إلى أن الوزارة لديها ضوابط للدعاية والإعلان والتصوير والرقابة والمحتوى ولجان للمتابعة، وتساءلت "أين هي من المشاهير والإعلام الجديد؟ وأين متابعتها لهم؟".
خرق الحظر
وبعد الاستهتار وتحدي الأجهزة الأمنية، خرق متهورون قرار حظر التجول في البلاد عبر نشر صور لهم في أوقات الحظر، من دون امتلاك أي حس بالمسؤولية، وهو ما ينعكس سلباً على المجتمع ككل.
وتستمر الحملات المتتالية في القبض على المخالفين، وهو ما نشره حساب أمن الدولة عبر فيديو يجمع كل مخالفات خرق التجول التي جرى ضبطها.
وتعليقاً على ذلك، قال عضو مجلس الشورى، سامي زيدان، إن "هناك من يستهتر بالتعليمات لينال بعض الإعجاب من أقرانه، ويظن أنه بذلك يثبت أنه شخص قوي ولا يعبأ بشيء وأن من يلتزم بالقانون ما هو بصنديد، وطبعاً كل هذا يثبت جهله وأنه من السفهاء".
مضيفاً "ما تقوم به الحكومة من القبض على المستهترين الذين يتحدون التعليمات ومن ثم تقديمهم للمحاكمة هو العلاج الأنجع لهذا التصرف غير السليم، فهؤلاء القلة قد يسببون ضرراً كبيراً على المجتمع وضغطاً على البنية الصحية وقد يموت بسببهم أناس لا ذنب لهم، ولا يمكن التخلص من هذا الوباء إلا بتعاون المواطن والمقيم بشكل كامل واتباع تعليمات الجهات المسؤولة".
ولكن المتحدث الإعلامي لشرطة منطقة الرياض، المقدم شاكر التويجري، طمأن المواطنين بأن الوعي ملموس من خلال التزام السكان وبقائهم في منازلهم خلال فترة الحظر، مؤكداً أن المخالفات محدودة للغاية وفي أطرها الضيقة.
عقوبات مروجي الإشاعات
وبخصوص ما يتردد عن تعمد البعض نشر العدوى، أوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "هذه مجرد إشاعات، ما لم يصدر من الجهات الرسمية والموثوقة خلاف ذلك". مشيراً إلى عقوبة مروجي الإشاعات عبر القنوات الرسمية الخاصة تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية لا تتجاوز ثلاثة ملايين ريال (نحو 797 ألف دولار أميركي).
ضعف الثقة بالنفس
وبالعودة إلى خرق حظر التجول، تمنت الكاتبة سلوى العضيدان، أن تكون عقوبة أي مخالف في هذا الصدد تقديم خدمات تطوعية في عنابر العزل الصحي لمرضى كورونا، وقالت "ما يقوم به هؤلاء من خرق للتجول والتصوير هو قمة التخلف والجهل ودليل على ضعف الثقة بالنفس".
غياب الوعي وحب الشهرة
من جانبه، قال الأخصائي النفسي، مازن الجساس، إن تعمد البعض خرق القانون يرجع إلى أسباب عدة منها عدم إدراك سبب فرض حظر التجول، وما هي أهدافه وأهميته وكذا حب الشهرة والظهور، إلى جانب أن كل ممنوع مرغوب".
وقالت الأخصائية الاجتماعية، إمتثال الحربي، إن "المجتمع السعودي بطبعه محبٌ للقاءات والاجتماعات، حيث يشكل البقاء في المنزل نوعاً من الانعزال عن العالم، كما أن قانون حظر التجول يعتبر جديداً على المجتمع ولا يوجد وعي كافٍ بمفهومه، حيث لم يسبق أن شُرِّع مثل هذا القانون في البلاد من قبل".