يستعد الاقتصاد العالمي لركود تاريخي تحت تأثير وباء "كوفيد-19"، رغم العودة البطيئة والنسبية إلى الحياة العادية في الصين، التي احتفلت الأربعاء برفع الإغلاق التامّ الذي فُرض قبل أربعة أشهر على ووهان، البؤرة الأولى لفيروس كورونا المستجد.
والوباء الذي باتت حصيلة وفياته تقترب من مئة ألف، يواصل الانتشار في أوروبا، القارة الأكثر تضرراً مع أكثر من 60 ألف وفاة، وبات يصيب الولايات المتحدة في الصميم أيضاً.
إلى جانب هذه المأساة الإنسانية، بدأ العالم يدرك حجم الأثر الاقتصادي المدمّر للمرض، حيث حذّرت منظمة التجارة العالمية، الأربعاء، من أن تراجع التجارة عالمياً قد يصل إلى 32 في المئة عام 2020.
وقال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، إن "كوفيد-19 قد قلب الاقتصاد العالمي كلياً، ومعه التجارة الدولية"، لكنه حذر من أنه "في حال عدم السيطرة على الوباء وإخفاق الحكومات في تطبيق وتنسيق سياسات الردّ الفعالة، فإن نسبة الانخفاض يمكن أن تبلغ 32 في المئة أو أكثر".
وقال إن الانخفاض "قد يكون أكبر ركود اقتصادي أو تراجع نشهده في حياتنا"، داعياً الحكومات إلى "الاستفادة القصوى من جميع المحركات الممكنة لنمو مستدام من أجل تغيير مسار الوضع الحالي".
ووسط تشديد على أن الوضع في المقام الأول هو أزمة صحيّة، حذر أزيفيدو من أن "الانخفاض الحتمي في التجارة والإنتاج ستكون له عواقب أليمة على العائلات والأنشطة التجارية، علاوة على المعاناة الإنسانية الناجمة عن المرض نفسه".
وقالت منظمة التجارة العالمية إن "القيود المفروضة على السفر والتباعد الاجتماعي لإبطاء انتشار المرض، أثرّت بشكل مباشر على عروض العمالة والنقل والسفر بطرق لم تكن موجودة خلال الأزمة المالية".
وأضافت "تم إغلاق قطاعات كاملة من الاقتصادات الوطنية، مثل الفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة غير الضرورية والسياحة، وجزء كبير من نشاط التصنيع".
وحذّرت منظمة العمل الدولية من أن فيروس كورونا المستجد يهدّد معيشة نحو 1.25 مليار عامل.
وأعلنت فرنسا، الأربعاء، عن أرقام النمو، لتصبح أول دولة صناعية كبرى تنشر أرقامها، متوقعة تراجعاً بنحو 6 في المئة لإجمالي الناتج الداخلي في الفصل الأول. أما ألمانيا فتراهن معاهدها على تراجع بنحو 10 في المئة خلال الفصل الثاني.
عمليات إنقاذ
وفي مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة، لا يزال الاتحاد الأوروبي منقسماً إزاء خطة للإنقاذ، فبعد ليلة من المحادثات لم يتوصل وزراء مالية الدول الأعضاء إلى اتّفاق حول ردّ اقتصادي مشترك.
وقال وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، إن "الفشل غير وارد"، في ما دعا نظيره الإيطالي، روبرتو غالتيير، إلى "التضامن واتّخاذ خيارات شجاعة ومشتركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ألمانيا وهولندا أكدتا رفضهما القاطع الاستجابة للمطالب الإيطالية بمنح صندوق خطة إنقاذ منطقة اليورو قروضاً للدول التي تواجه صعوبات.
وفي الولايات المتحدة، بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب محادثات جديدة مع الكونغرس للإفراج عن 250 مليار دولار إضافية للحفاظ على الوظائف. وطالب الديموقراطيون بـ500 مليار أخرى.
في الصين، سارع عشرات آلاف الركاب، الأربعاء، إلى محطات القطارات في ووهان بعد رفع الإغلاق الذي فرض منذ نهاية يناير (كانون الثاني) في هذه المدينة التي يقطنها 11 مليون نسمة.
وقالت هاو مي (39 عاماً)، وهي تستعد لرؤية أطفالها للمرة الأولى منذ شهرين "لا يمكنكم تصوّر حالتي! استيقظت منذ الرابعة صباحاً. يراودني شعور جيّد للغاية. وأطفالي متحمّسون، إذ ستعود والدتهم أخيراً".
وفي محطة القطارات، صرخ رجل كان ينتظر قطاراً للعودة إلى مقاطعته هونان "مرّ 77 يوماً وأنا عالق".
وفي الأثناء، مرّ رجل آلي بين الحشود في المحطة ورشّ على أقدام الموجودين مواداً معقمة، مكرّراً تسجيلاً صوتياً يذكّرهم بوضع الأقنعة الواقية. لكن الضوابط الصحية تبقى مشددة، لأن السلطات تخشى موجة ثانية من الوباء.
وسجّلت الصين وفاة شخصين في الساعات الـ24 الماضية، لتصل حصيلة الوفيات الرسمية إلى 3333، لكن السلطات الأميركية تتهم بكين بالتقليل من هذه الأرقام والإسهام في نشر الفيروس حول العالم.
ترمب في مواجهة الصحة العالمية
وردّت منظمة الصحة العالمية على الرئيس ترمب، الذي انتقدها بأنها قريبة جداً من الصين، بالدعوة الأربعاء إلى "عدم تسييس" الوباء.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس "لا تسيّسوا الفيروس. لا حاجة إلى استخدام كوفيد-19 من أجل تسجيل نقاط سياسية".
وكان ترمب انتقد بوجه خاص قرار المنظمة معارضة إغلاق الحدود أمام الأشخاص الآتين من الصين في بداية تفشي الوباء.
كما أكد أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، أنّ الوقت "لم يحن" لاستخلاص الدروس حول تعامل منظمة الصحة العالمية مع تفشي وباء "كوفيد-19"، داعياً إلى "الاتحاد"، في انتقاد مبطّن للرئيس الأميركي الذي وجّه اتهامات للمنظمة.
بالنسبة إلى عدد الحالات، فإن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر تضرراً بالإصابات مع 399 ألفاً و929 إصابة معلنة رسمياً.
وتبقى إيطاليا الدولة التي سجلت أعلى عدد وفيات مع 17 ألفاً و127، تليها إسبانيا (14 ألفاً و555) والولايات المتحدة (12 ألفاً و911) وفرنسا (عشرة آلاف و328).
في بريطانيا، أحصيت 938 وفاة في 24 ساعة، وهو رقم قياسي جديد ليتخطى عدد الوفيات سبعة آلاف. وسجّل الوضع الصحيّ لرئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، "تحسنا" في العناية المركزة الأربعاء، كما أعلن وزير المالية البريطاني.
وفي كل أنحاء أوروبا تقريباً، تجرى مراقبة الأرقام من أجل الحصول على بارقة أمل بانحسار الوباء. ففي إسبانيا، ورغم أن حصيلة الوفيات اليومية عادت إلى الارتفاع لليوم الثاني على التوالي، فإن السلطات تؤكد أنها تجاوزت ذروة الوباء.
كما سجّلت إيطاليا الأربعاء أرقاماً جديدة مشجعة مع تراجع في 24 ساعة لعدد الوفيات والمرضى في العناية المركزة.
في برشلونة، قال الممرّض أنطونيو ألفاريز (33 عاماً)، العامل في قسم العناية المشددة، إن تجربته مع الوباء أشبه بفاجعة. وصرح لـ(أ.ف.ب) "مررت بمراحل غضب وانفصال عن الواقع (...) الآن لا نزال منهكين، لكن الوضع تحسّن. يموت عدد أقل من المرضى".
وأضاف "نفحات الأكسجين تحدّ من ضغط المرضى ويبدو أن الإغلاق بدأ يؤتي ثماره عن طريق الحدّ من الضغوط على المستشفيات، ولكن نفحة الأكسجين هذه التي يحتاجها الطاقم الطبي لا تعني التراخي في مكافحة الوباء، وفق ما يحذر الخبراء".
وقال فيليب فانيمس، اختصاصي الوبائيات، والذي يعمل في مستشفى إدوارد هيريو في ليون "يبدو أن الزيادة في عدد الحالات المؤكدة تتباطأ".
ويوضح البروفسور فانيمس "هذه مؤشرات صغيرة مشجعة تدعونا إلى التفكير في أننا نبطئ منحنى الوباء".
وفيما لا يزال ملايين الأوروبيين خاضعين لإجراءات العزل منذ أسبوعين، قدّمت النمسا، الأربعاء، برنامجها لتخفيف القيود السارية على أراضيها بحذر يبدأ بعد عيد الفصح مع إعادة فتح متاجر صغيرة.
وأعلنت الدنمارك والنرويج أيضا عن مواعيد لرفع إجراءات العزل، رغم أنها لم تكن مفروضة كإغلاق تامّ. وأعلنت اليونان والبرتغال عن مواعيد أيضاً لذلك. وحذّرت هذه الدول من أن العودة إلى الحياة العادية ستتم على مراحل مع إبقاء الإجراءات الاحتياطية.
أما منظمة الصحة العالمية فقد حذرت ورغم "بعض المؤشرات الإيجابية" من أي تخفيف للقيود سابق لأوانه.