في صورة قاتمة لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توقع صندوق النقد الدولي، انكماشاً اقتصادياً في المنطقة بنسبة 3.3 في المئة في عام 2020 على خلفية إجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد وتراجع أسعار النفط، في أسوأ أداء منذ أربعة عقود.
وبحسب تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" عن شهر أبريل (نيسان) 2020، قال الصندوق، إن الضرر سيكون أكبر بكثير من الأزمة المالية الأخيرة في المنطقة عامي 2008-2009، عندما تمكنت الدول من تحقيق نمو متواضع.
وتعد توقعات عام 2020 بمثابة أسوأ أداء اقتصادي للمنطقة، بما في ذلك جميع الدول العربية وإيران، منذ عام 1978 عندما انكمش الاقتصاد بنسبة 4.7 في المئة في ظل اضطرابات إقليمية، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
وقال صندوق النقد الدولي إن جميع الدول العربية باستثناء مصر ستهبط اقتصاداتها إلى المنطقة الحمراء (الانكماش الاقتصادي) هذا العام. وبحسب التقرير، ستبقى مصر في المستوى الإيجابي مع نمو بنسبة 2 في المئة، على الرغم من أن هذا المعدل أقل بكثير من نسبة 6 في المئة التي كانت متوقعة قبل أن تضرب أزمة فيروس كورونا.
أسباب التدهور
وقال الصندوق في تقريره إن "التدهور السريع للتوقعات الاقتصادية العالمية مع انتشار الوباء، وانهيار اتفاق (أوبك+) بين موردي النفط، أثّرا بشكل كبير في أسعار السلع".
وتم إعداد التقرير قبل أن تتوصل مجموعة "أوبك+" التي تضم كبار منتجي أوبك وحلفاءها، إلى اتفاق الأحد لخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً، وهو أكبر خفض إنتاج في التاريخ.
وانخفضت أسعار النفط بنسبة 65 في المئة خلال الفترة من منتصف يناير (كانون الثاني) وحتى نهاية مارس (آذار) 2020، حيث تراجعت أسعار النفط 65 في المئة أو 40 دولاراً للبرميل، بينما هبطت أسعار الغاز الطبيعي 38 في المئة. ويتوقّع الصندوق أن تظل الأسعار دون 45 دولاراً للبرميل حتى عام 2023، أي نحو 25 في المئة أقل من متوسط العام الماضي.
ولجأت الدول العربية التي سجّلت أكثر من 20 ألف حالة إصابة بفيروس كورونا إلى جانب أكثر من 700 حالة وفاة، إلى عمليات الإغلاق الشامل وحظر التجول لمنع انتشار الوباء، ما أدى إلى تعطيل الاقتصادات المحلية، في وقت تعتمد العديد من دول الشرق الأوسط، ولا سيما الخليج بالإضافة إلى العراق وإيران، بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل موازناتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثر الدول النفطية
وقال صندوق النقد الدولي "من المتوقع أن تؤثر هذه التطورات بشكل كبير على مصدري النفط الذين لا يتمتعون بتنوع اقتصادي"، مضيفاً أن انخفاض أسعار النفط سيفيد في الوقت ذاته الدول المستوردة للخام.
والتخفيضات الأخيرة في إنتاج النفط ستضعف بشكل أكبر آفاق الاقتصاد السعودي الذي نما بنسبة 0.3 في المئة فقط في عام 2019. بينما يُتوقّع أن ينكمش اقتصاد الإمارات، الأكثر تنوعاً في المنطقة، بنسبة 3.5 في المئة، في حين ينكمش في قطر، صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في الخليج، 4.3 في المئة.
استمرار انكماش الاقتصاد الإيراني للعام الثالث
وأظهر التقرير أن إيران، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، سينكمش اقتصادها 6 في المئة في عام 2020 في ثالث انكماش له على التوالي، ففي 2018 و2019، انكمش بنسبة 3.6 في المئة و7.6 في المئة على التوالي. وقد تضررت إيران بشدة من الفيروس وأبلغت عن أكثر من 73 ألف إصابة وأكثر من 4500 حالة وفاة.
إلى جانب ذلك، توقع التقرير، أن ينكمش النمو الاقتصادي في لبنان الذي تخلف عن سداد ديونه، بنسبة 12 في المئة، في حين يتجه العراق، ثاني أكبر منتج في "أوبك"، إلى معدل سلبي بنسبة 4.7 في المئة.
انهيار منطقة اليورو
إلى ذلك، وفي أسوأ إنذار اقتصادي، خفّض صندوق النقد الدولي بشكل كبير توقعاته للنمو في منطقة اليورو، في وقت أنهكت إجراءات الإغلاق الهادفة لاحتواء فيروس كورونا المستجد الاقتصاد الأوروبي. وتوقّع أن يتراجع اقتصاد المنطقة 7.5 في المئة هذا العام، في هبوطٍ حاد غير مسبوق منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
وتوقع كذلك أن ينكمش اقتصاد بريطانيا، التي انسحبت من الاتحاد الأوروبي في يناير الماضي، بنسبة 6.5 في المئة. ورجح الصندوق أن يكون أداء الاقتصاد في منطقة أوروبا بالمجمل الأسوأ في العالم، لكنه أفاد أن الانهيار الاقتصادي الناجم عن تفشي وباء "كوفيد-19" سيتلاشى في النصف الثاني من 2020، مع الرفع التدريجي لإجراءات احتوائه. وستبدأ الدول الـ19 التي تستخدم عملة اليورو بالتعافي بعد ذلك، لكن بوتيرة أبطأ بكثير، بينما توقع نمواً نسبته 4.7 في المئة في 2021.
وقبل ظهور الفيروس، أشارت المنظمة الدولية إلى أن منطقة اليورو تحقق نمواً بطيئاً، لكن لا بأس به نسبته 1.3 في المئة، إلا أن وفاة عشرات الآلاف بالفيروس في أنحاء القارة وتوقُف عجلة الاقتصاد سيتسببان في تداعيات مؤذية بالنسبة إلى أوروبا.
فرنسا تتوقع انكماشاً 8 في المئة
وذكر صندوق النقد أن الاقتصاد الفرنسي سيتراجع بنسبة 7.2 في المئة بدلاً عن التحسّن بـ1.3 في المئة، لكن وزير المال الفرنسي برونو لو مير، توقع انكماشاً أسوأ نسبته 8 في المئة مع إعلان بلاده الاثنين، تمديد الإغلاق الشامل حتى 11 مايو (أيار) أي بشهر إضافي.
وبالنسبة إلى اقتصاد ألمانيا التي كانت في الأساس تحقق نمواً ضئيلاً جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أفاد الصندوق أنه سينكمش بنسبة 7 في المئة، بينما إيطاليا، التي تعد بين الدول الأكثر تأثرا بالفيروس، ستتضرر بشكل كبير اقتصادياً، حيث يتجه الاقتصاد الإيطالي إلى التراجع بنسبة 9.1 في المئة في 2020، متبوعاً بتحسّن لا يتجاوز 5 في المئة العام المقبل.
وحضّ الصندوق على "دعم أوروبي ذو معنى" للدول الأكثر تأثراً بما وصفه بـ"صدمة مشتركة قادمة من الخارج". وأكد أن "الاقتصادات المتقدمة التي تملك قدرة أقوى في مجال الرعاية الصحية وتصل بشكل أفضل إلى السيولة الدولية، ولديها تكاليف استدانة أقل نسبياً ستكون أقدر على مواجهة الأزمة الصحية القائمة".
ويُشار إلى أن دول شمال أوروبا الأغنى كألمانيا وهولندا تقاوم الدعوات لتضامن أوروبي بمستويات غير مسبوقة لمواجهة الأزمة، لكن إيطاليا وإسبانيا وفرنسا تدعو إلى التفكير بطرق جديدة تشمل الاستدانة بشكل مشترك بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27، ما من شأنه تمويل خطة تعافٍ ضخمة وإعادة إطلاق الاقتصاد لفترة ما بعد الوباء.
خسائر الاقتصاد العالمي بسبب كورونا
وتابع صندوق النقد الدولي "من المتوقع أن يتسبب الإغلاق العام الكبير، كما يجوز أن نسميه، في انكماش النمو العالمي بشدة، على أن يحدث تعاف جزئي في عام 2021"، منوهاً بأن "الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عامي 2020 و2021 جراء أزمة كورونا نحو 9 تريليونات دولار".
وقال إن "خسارة الاقتصاد العالمي توازي حجم اقتصادي ألمانيا واليابان"، مع تفاقم حالة "عدم اليقين الشديد" التي تحيط بالتوقعات، لأن التداعيات الاقتصادية للوباء تعتمد على عوامل يصعب التنبؤ بها، بما في ذلك مسارات المرض وإجراءات احتوائه، إلا أنه عاد وقال إن الاقتصاد العالمي سيرتد في 2021 بنمو 5.8 في المئة.
وبحسب التقرير، فإنه من المتوقع أن ينتعش اقتصاد الشرق الأوسط بنسبة 4.2 في المئة عام 2021، بعد أن سجل نمواً 1 في المئة العام الماضي.
تخفيف فوري لخدمة الديون
وقدم صندوق النقد تخفيفاً فورياً لخدمة الديون إلى 25 دولة من أعضائه بموجب صندوقه الائتماني المخصص لاحتواء الكوارث، لتمكينها من تركيز مواردها الشحيحة على محاربة فيروس كورونا.
ومن جهتها، قالت كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية للصندوق، إنه "تمت الموافقة على المجموعة الأولى من الدول التي ستحصل على منح لتغطية التزامات خدمة ديونها المستحقة لصندوق النقد لفترة مبدئية ستة أشهر". وأضافت أن "الصندوق الائتماني لاحتواء الكوارث لديه موارد تبلغ نحو 500 مليون دولار".