ربما كانت فرصة للتدوين في محبة عمل كارتوني لا يبلى، ولكنها أيضاً فرصة للتعرف إلى شخصية جين ديتش، أحد رواد صناعة الرسوم المتحركة، الذي شكّل بإخراجه لحلقات "توم وجيري" طفولة كثير من سكان كوكب الأرض. جين فارق الحياة في 16 أبريل (نيسان) الحالي عن عمر 95 عاماً، في مدينة براغ بالتشيك حيث يقيم فيها منذ أكثر من ستين عاماً، بحسب ما أعلنت دار بيتر هيميل ناشرة أعماله.
المدونون يرثون مخرج الكارتون الأشهر عالمياً
على الرغم من تزايد الأقاويل التي تعيد تقييم أسلوب تنفيذ مؤمرات القط والفأر، وتصف الأخير بالانتهازية، ولكن يظل كارتون توم وجيري باقٍ وراسخ في المكان الأكثر أمناً بذاكرة محبيه، ويعتبر ديتش واحداً من أبرز صانعي نجاحات حلقاته التي تعكس الحرب المرحة الدائرة دوماً بين القط والفأر، فلا أحد يمكنه أن يمسّ ذكريات طفولة مشاهدين أوفياء يتمركزون في شتى بقاع الأرض وعلى مدار أجيال، فحتى أطفال اليوم ينجذبون أيضاً لهذا الكارتون الصامت، الأول والأشهر عالمياً على الإطلاق منذ ستينيات القرن الماضي.
لم تذكر أسرة ديتش، وبينهم أبناؤه، الذين يعملون أيضاً في مجال الرسوم المتحركة، أن الراحل لم يكن يعاني أمراضاً خطيرة، وأن وفاته جاءت مفاجئة، وهي الوفاة التي لم تمر مرور الكرام على محبي خطوط الرسام والمخرج المخلصين، الذين وجدوها مناسبة تنسيهم قليلاً متابعة أخبار انتشار كورونا القاتم، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة انهمكوا في نشر حكاياتهم وذكرياتهم الرائعة مع حلقات "القط والفأر"، التي كانت ونساً حقيقياً للأطفال في مرحلة لم تكن فيها كل المغريات التكنولوجية حاضرة بهذا الشكل، والحقيقة أنه رغم كل هذه الخيارات من الألعاب الإلكترونية، ولكن يظل لـ"توم وجيري" مكانة كبرى في القلوب، وحتى بالنسبة لأطفال هذا الجيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضابط تحول إلى مخرج مشهور
قصة جين ديتش مع الرسم والإخراج في عالم الكارتون لم تكن اعتيادية، فقد ولد عام 1924 في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية، والتحق بالجيش ودرس علوم الطيران، وكان يمكن أن يستقر في حياته كضابط يترقى من منصب لآخر، ولكن مساره تغير بسبب إصابته بالتهاب رئوي حاد، فترك الخدمة بالجيش، واحترف تلوين الأحلام، والرسوم وإمتاع مخيلة الأطفال.
ورغم أن الحياة بالنسبة لفنان في الولايات المتحدة الأميركية قد تكون مثالية فهي مصنع السينما والفنون البصرية، فإنه اختار أن يعيش في مكان أكثر هدوءاً واستقراراً، فطاب له المقام في "تشيكوسلوفاكيا"، اسمها قبل أن تنفصل إلى تشيك وسلوفاكيا، وأسس عائلته هناك، ومن براغ نشر إبداعه في شتى بقاع الأرض.
صاحب الأوسكار ومبدع "باباي"
حصل جين ديتش في أوائل ستينيات القرن الماضي على جائزة الأوسكار بعد إبداعه في فيلم الرسوم المتحركة القصير مونرو "Munro". وترشح للأوسكار مرتين فيما بعد، ولكن حتى هذا لم يشجعه على ترك براغ، والعودة إلى وطنه، ثم بدأت رحلة مع الحلقات الطويلة من "توم وجيري" في العقد نفسه من القرن الماضي.
ورغم أنه لم يكن مقتنعاً بالمبالغة في الحروب بين القط والفأر وتردد في الأمر، فإنه أضاف إلى الحكايات خطوطاً مرحة تتعلق بمحاولات الفأر الإبداعية في القدرة على البقاء من خلال تصرفات لطيفة تضفي البهجة على المغامرة، التي يخرج منتصراً فيها، متغلباً على القط الضخم، ومستعداً لمعركة جديدة في يوم آخر، وهكذا استمرت الحلقات، وأطفال العالم يواصلون معها الانتظار يوماً بعد آخر.
اللافت أن جين ديتش كمبدع وصانع لأعمال الرسوم المتحركة، لم يرتبط اسمه فقط بمغامرات "توم وجيري"، ولكنه، كان مبدعاً أساسياً لكارتون البحار الشهير "باباي"، صاحب الشعبية الكبرى، وصاحب صيحة السبانج المضحكة، حيث تنتفخ عضلاته بمجرد أن يتناولها، إذ كان العمل يهدف إلى تشجيع الأطفال على تناول الخضراوات، خصوصاً السبانخ التي لم تكن مستحبة كثيراً بالنسبة إليهم، وقد أبدع ديتش باباي في خمسينيات القرن الماضي، ولا يزال يحظى بشعبية حتى في زمن تيك توك وإنستغرام والألعاب المتقدمة عبر الحواسيب اللوحية.