منذ عام 2000، مرّ 11 عاماً من أصل الأعوام الـ12 الأكثر حرارة المسجّلة عبر التاريخ حتى اليوم، وفقاً لتقرير جديد صادر عن هيئة مراقبة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبيّ.
في تقريرهم السنويّ عن حال المناخ في الدول الأوروبيّة، ذكر علماء في الـ"كوبرنيكوس" الهيئة المعنيّة بتغيّر المناخ (سي. أس 3) أنّ العام الماضي كان الأشد حرّاً على الإطلاق بالنسبة إلى أوروبا، ذلك بعدما أفضت موجات حرّ حارقة إلى درجات حرارة قياسيّة في فبراير (شباط) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز) من 2019.
وقالوا إنّ "عدد الأيام التي ترتفع فيها مستويات الإجهاد (أو الإنهاك) الحراريّ آخذ في الازدياد في كل من شمال أوروبا وجنوبها".
تسلّط تلك النتائج الضوء على اتجاه متواصل للاحترار على مدى أربعة عقود في أوروبا، حسبما يقول علماء"كوبرنيكوس"، بسبب ارتفاع في مستويات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراريّ.
في الواقع، "لا تشكِّل تلك الحوادث ذات الأرقام القياسيّة مفاجأة. في ظل الارتفاع الدائم في درجة حرارة المناخ، سنشهد حتماً سنوات كثيرة قياسيّة في حرارتها وظروفاً شديدة البرودة أقل نسبيّاً،" حسبما قال كارلو بونتيمبو مدير "كوبرنيكوس" لاندبندنت.
أضاف: "تظهر أحدث البيانات بشأن جميع مؤشرات المناخ العالميّة تقديرات تتماشى واتجاهات شهدتها العقود الأخيرة، في ظلّ التزايد المستمرّ في مستويات غازات الدفيئة، في حين تخسر الأنهار والصفائح الجليديّة كتلتها، ما يسهم بدوره أيضاً في ارتفاع مستوى سطح البحر".
وأشار تقرير "كوبرنيكوس" إلى أنّ موجة شديدة الحرارة في نهاية يوليو من العام الماضي تسبّبت بذوبان غطاء غرينلاند الجليديّ وبتجاوز الأرقام القياسيّة في شمال الدول الاسكندنافيّة.
وبيّن بحث حديث أن الغطاء الجليديّ في غرينلاند والقمم الجليديّة القطبيّة يذوبان بوتيرة أسرع بستة أضعاف مقارنة بحالهما في تسعينيات القرن العشرين. وينسجم هذا المعدل العالي من الذوبان مع السيناريو الأسوأ الذي أوجزته "اللجنة الحكوميّة الدوليّة المعنية بتغيّر المناخ" (آي. بي. سي. سي) التابعة لـلأمم المتحدة، حيث يرد أنّ مستوى سطح البحر سيرتفع 17 سنتمتراً في حال لم تشهد مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراريّ انخفاضات كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول البروفيسور أندرو شبرد، مدير "مركز المراقبة القطبيّة" في جامعة ليدز البريطانيّة: "غالباً ما يرتبط مناخ أوروبا بالظروف المناخيّة التي يمرّ بها القطب الشماليّ، ويمكن أن تؤثِّر التغيّرات هناك بصورة كبيرة في حياتنا".
أضاف: "لا يمكننا تفادي التغيّرات المتسارعة في المناخ التي تطرأ على كوكبنا، حتى لو حدثت على بعد أميال في المناطق القطبيّة، لأنها تؤثر في مناخنا اليوم وستضرّ بسواحلنا مستقبلاً".
تتزايد تركيزات ثاني أكسيد الكربون والميثان (غازان شديدا التأثير في ظاهرة الاحتباس الحراريّ) في الغلاف الجويّ. في هذا الصدد، قال علماء "كوبرنيكوس": "لن نجد تركيزات عالية كما التي شهدها عام 2019 إلا لو عدنا ملايين السنين إلى الوراء".
تحدّث في هذا الشأن أيضاً البروفيسور مارتن سيغرت، المدير المشارك لـ"معهد غرانثام لتغيّر المناخ" في إمبريال كوليدج لندن، وقال لاندبندنت إنّ المستوى الحالي لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي "مرتفع بشكل غير طبيعيّ".
وذكر أنّ مستوى ثاني أكسيد الكربون يجب أن يكون 280 جزءاً في المليون (بي. بي. أم)، ولكنه يبلغ حاضراً 415 جزءاً في المليون، ويمكن أن يصل إلى 1000 جزء في المليون في حلول نهاية القرن الحالي إذا استمرّت انبعاثاته في الارتفاع بالوتيرة الحالية. كانت المرة الأخيرة التي بلغ فيها ثاني أكسيد الكربون هذا الارتفاع خلال عصر البليوسينيّ، أي قبل حوالى أربعة ملايين سنة. ثم كانت درجات الحرارة أكثر دفئاً بمقدار 3 إلى 4 درجات مئوية مقارنة بالوقت الحاضر، فيما كان مستوى سطح البحر أعلى بـ 20 إلى 30 متراً".
معلوم أنّ درجات الحرارة العالميّة ارتفعت حوالى 1.1 درجة مئويّة فوق مستوى عصر ما قبل الصناعة على مدى السنوات الخمس الماضية. وفي أوروبا، ازدات قرابة درجتين مئويّتين، وفقاً لــ"كوبرنيكوس".
يقول علماء الأمم المتحدة إنّه لا بد من خفض الانبعاثات العالميّة 7.6 في المئة على الأقل سنوياً حتى عام 2030 بغية الحدّ من الاحترار العالميّ إلى 1.5 درجة مئويّة، وهي العتبة الحاسمة الأهمية التي ستعجِّل بخطر الحوادث المناخيّة المتطرِّفة ونقص الغذاء لدى مئات الملايين من الناس.
بناء على ما تقدّم، "يجب أن نعمل على منع انبعاثاتنا العالميّة في الثلاثين عاماً المقبلة إذا أردنا أن نحافظ على كوكب الأرض في حالة تسمح له بدعم حاجات مجتمعنا"، وفقاً لسيغرت.
© The Independent