Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهمة إنسانية على ظهور الحمير لإنقاذ أطفال دارفور

منظمات دولية تحاول إنقاذ صغار جبل مرة من الحصبة والملاريا في غياب الرعاية الصحية

لا توجد أي وسيلة غير الدواب لنقل الأدوية والمساعدات بسبب وعورة الطرق الجبلية (حسن حامد)

ملخص

ظلت منطقة جبل مرة من المناطق المنسية التي تفتقر إلى البنية التحتية ويواجه المواطنون فيها مصاعب فوق الوصف في تدبير حياتهم اليومية ويفتقرون تماماً إلى كل أنواع الخدمات بما فيها الرعاية الصحية

شكل مشهد منسوبي منظمة "أطباء بلا حدود" والمتعاونين معها وهم على ظهور (الحمير) محملين شحنات العقاقير والأمصال على (الجمال) للوصول إلى قرية (والا) النائية وسط مرتفعات جبل مرة بولاية بجنوب دارفور لفتة إنسانية تعكس إصراراً كبيراً على إنقاذ أطفال تلك المنطقة من وباء الحصبة المنتشر بالمنطقة منذ فترة.

وحظيت الخطوة التي أقدمت عليها المنظمة باستخدام الدواب وعبور الطرق القاسية شديدة الوعورة بكثير من الرضا والاستحسان والتقدير والتفاعل من قبل المجتمع المحلي بمنطقة جبل مرة خاصة ودارفور عامة.

وقالت "أطباء بلا حدود" إنه إثر ظهور حالات إصابة بمرض الحصبة في مناطق بجبل مرة ووصول عدة أطفال مصابين به إلى عيادتها في منطقة تورون تونغا، أخبروا بدورهم عن وجود نحو 50 حالة اشتباه أخرى بالقرية نفسها مصابة بذات المرض، لم تجد أمامها سبيلاً سوى استخدام الدواب للوصول إلى هناك.

مصاعب وتهميش

بحسب مصادر أهلية ظلت منطقة جبل مرة من المناطق المنسية التي تفتقر إلى البنية التحتية، ويواجه المواطنون فيها مصاعب فوق الوصف في تدبير حياتهم اليومية ويفتقرون تماماً إلى كل أنواع الخدمات بما فيها الرعاية الصحية، بخاصة في القرى النائية شبه المعزولة في مناطق عدة شمال وشرق جبل مرة، إذ تفتك أمراض الملاريا والحصبة وسوء التغذية بالأطفال بمعدلات كبيرة.

وأوضحت المصادر أن الدواب، وبخاصة (الحمير) أصبحت بعد الحرب الراهنة هي وسيلة الحركة والتواصل الوحيدة، وكذلك نقل مياه الشرب والمحصولات الزراعية بسبب وعورة الطرق التي تجعل من وصول المعونات وأطقم الرعاية الصحية أمراً صعباً، بينما تشهد المنطقة نقصاً حاداً في الأدوية والكوادر الطبية، مما جعل المعاناة الإنسانية تفوق كل وصف، بخاصة للأطفال والمرضى وكبار السن.

 

 

وأبدت المصادر نفسها انزعاجها ومخاوفها الكبيرة من تفشي ظاهرة جديدة تنذر بتفاقم أكبر للمعاناة تتمثل في نفوق غامض وبمعدلات كبيرة للحيوانات (الحمير) لأسباب ما زالت مجهولة في منطقة طويلة بشمال دارفور، مما يزيد من تعقيد أوضاع المواطنين نتيجة اعتمادهم الكبير عليها في الحركة وكجزء من سبل كسب العيش بالمنطقة.

تفشٍّ مخيف

تشكل وعورة الطرق الجبلية في معظم مناطق جنوب دارفور مصاعب دائمة تعوق وصول المساعدات ومواد الإغاثة، في وقت تتفاقم فيه الأوضاع الإنساني وتشهد المنطقة نقصاً حاداً في الغذاء والأدوية والمؤسسات العلاجية والطبية، فضلاً عن الكوادر الصحية في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب.

في السياق أوضح المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور آدم رجال أن الحصبة والملاريا يتفشيان بصورة وبائية مخيفة خارج عن السيطرة وسط الأطفال في مناطق عدة في جبل مرة، ولم يكن أمام منظمة "أطباء بلا حدود" خيار سوى المخاطرة باستخدام الجمال والحمير لتوصيل الأدوية والعلاجات والأمصال لإنقاذ الأطفال هناك، في رحلة تستغرق ما بين يوم إلى يومين، إذ لا يتوفر طيران مروحي للمنظمات العاملة هناك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشاد بالوجود اللصيق لمنظمة "أطباء بلا حدود" من خلال مكاتبها في كل من مناطق روكرو في وسط دارفور وكالوتنج جنوب جبل مرة بولاية جنوب دارفور وطويلة في شمال دارفور.

حرمان متعمد

وقال المتحدث باسم المنسقية العامة إن منطقة جبل مرة التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان (عبدالواحد محمد نور)، وتطلق عليها (المناطق المحررة) من المواقع التي تعج بالنازحين منذ بداية صراع دارفور الأول في 2003، وتمنع عنها الحكومة المساعدات بصورة متعمدة وتحرمها أيضاً من كل أنواع الخدمات، مما جعل مواطني المنطقة يتكيفون على العيش بوسائلهم التقليدية بالاعتماد على أنفسهم.

وكانت حركة تحرير السودان بسطت سيطرتها على عدة مناطق جديدة بجبل مرة في أعقاب اندلاع حرب أبريل (نيسان) 2023، من بينها محلية طويلة التابعة لولاية شمال دارفور.

لكل ذلك وفق رجال، عانت مناطق شرق وشمال جبل مرة التهميش الخدمي والسياسي لعقود طويلة وكأن مواطنيها غير موجودين على خريطة البلاد، وظل الأطفال محرومين من كل الحقوق والخدمات بما فيها حق التطعيم، ثم جاءت الحرب الراهنة لتفاقم النقص الحاد في الأدوية والرعاية والكوادر الصحية، وتدهور خدمات المياه والبيئة.

مخاوف ومناشدات

وتوقعت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور أن تتسع دائرة تفشي وباء الحصبة ويتمدد إلى مناطق جديدة بعدما وصل بالفعل إلى منطقة (ترنتورة) وتجاوزها إلى مناطق أخرى نظراً إلى غياب المراكز الصحية الثابتة بتلك المناطق والصعوبات الكبيرة التي تعترض وصول فرق الإنقاذ.

وناشدت منظمات الأمم المتحدة ومنظمة "أطباء بلا حدود" سرعة التحرك والوصول إلى تلك المناطق الموبوءة التي هي خارج سيطرة الطرفين المتحاربين (تسيطر عليها حركة تحرير السودان)، وتتمتع بأمان كبير، لكنها تفتقر في الوقت ذاته إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية.

 

 

وأوضحت أن السلطة المدنية والشؤون الإنسانية التابعة لحركة تحرير السودان تبذلان جهداً مقدراً مع المنظمات لتوصيل الخدمات وتطعيمات الأطفال والأمهات ممن لم يحصلوا على الجرعات الأساسية اللازمة بغرض السيطرة على الانتشار الواسع للحصبة والملاريا، لكن وعورة الطرق مناطق وعرة تمثل صعوبات حقيقية أمام تلك الجهود.

نزوح وعجز

لكن الإدارة المدنية تقول إن جهودها وإمكاناتها تعجز عن تلبية حاجات النازحين على رغم الجهود التي بذلتها، منتقدة ضعف استجابة الأمم المتحدة لمناشدتها المتكررة لها بالتدخل، إذ لم يصل إليها إلا القليل من المساعدات.

وأعلنت الإدارة المدنية أن منطقة جبل مرة امتداد وسط دارفور استقبلت آلاف النازحين من مناطق الإقليم الأخرى بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل 2023، موضحة أن هناك أكثر من 5 ملايين مواطن ونازح معرضين لخطر الموت بالجوع والمرض، وأن أكثر من 26 ألف طفل، معظمهم تحت سن الخامسة، يعانون سوء التغذية الحاد، توفي منهم 1724 طفلاً.

ولتلافي أزمة الدواء نفذ الجيش السوداني أمس الجمعة عمليات إسقاط جوي لأكثر من طنين من الأدوية من الصندوق القومي للتأمين الصحي لولاية شمال دارفور.

وأوضح مدير الصندوق بالولاية كرم الدين أحمد كرم الدين أن الإمداد الدوائي الذي أسقط شمل قائمة الأدوية الأساسية إلى جانب أدوية الأمراض المزمنة والمضادات الحيوية والمحاليل الوريدية.

نذر كارثة

وحذرت مفوضية الشؤون الإنسانية بولاية شمال دارفور من نذر كارثة إنسانية بعدة مناطق شرق وشمال جبل مرة ومنطقة طويلة الواقعة على بعد 65 كيلومتر غرب مدينة الفاشر التي شهدت تدفق الآلاف من المتأثرين بالحرب يعيشون أوضاعاً إنسانية مزرية وفي حاجة إلى تدخلات عاجلة.

من جانبه كشف مفوض العون الإنساني بولاية جنوب دارفور صالح عبدالرحمن سليمان عن أن هناك صعوبات كبيرة في وصول المساعدات الإنسانية لمناطق شرق وشمال جبل مرة، حتى من قبل الحرب الراهنة، موضحاً أن الدواب أصبحت هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى تلك المناطق بسبب طبيعتها القاسية.

 

 

لفت سليمان إلى أن وقوع المنطقة تحت سيطرة حركة عبدالواحد جعل المنظمات تلجأ للتنسيق مع منسوبي الحركة هناك، وبعد نشوب الحرب الراهنة وانتشار قوات "الدعم السريع" أصبحت المتابعة الرسمية ضعيفة، لكن المعاناة تفاقمت بصورة أكبر، بخاصة بعد موجات النزوح الكبيرة من مدينة الفاشر والمناطق الأخرى.

قلق المعارك

رداً على الاتهامات بعرقلة الحركة لوصول المساعدات الإنسانية لتلك المناطق أكد مسؤول القطاع الإعلامي الناطق الرسمي لحركة تحرير السودان محمد عبدالرحمن الناير أن الحركة ظلت في تواصل دائم ولقاءات مرتبة مع المنظمات الدولية وأبدت تعاونها المطلق في شأن توصيل الإغاثة والمساعدات الإنسانية للمتضررين في جميع أنحاء السودان من دون أي شروط مسبقة.

أممياً، أعربت منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي عن قلقها البالغ في شأن حماية المدنيين في أعقاب تصاعد المعارك العسكرية بصورة عنيفة في كل من الخرطوم والفاشر وسقوط أعداد كبيرة منهم جراء الغارات الجوية والقصف الذي أسفر خلال الأسبوعين الماضيين عن تقارير حول وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين في أجزاء من دارفور والخرطوم.

وقالت سلامي في بيان صحافي إن المناطق الحضرية المأهولة في ولاية الخرطوم والفاشر والكومة وكبكابية وكتم ونيالا شهدت عشرات الغارات الجوية وتبادل القصف المدفعي خلال الأسبوعين الماضيين، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وتدمير المنازل والأسواق والمرافق الطبية.

أضاف البيان أن الفترة من الـ10 إلى الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري شهد مخيم زمزم للنازحين عديد من حوادث القصف أفادت التقارير بتسببها في إصابات في صفوف المدنيين، وإحراق المنازل إلى جانب الفرار المستمر لمئات الأشخاص بسبب المخاوف الأمنية المتزايدة.

جهود وملاحقات

ومنذ أربعة أعوام تدير منظمة "أطباء بلا حدود" عيادتين في منطقة جبل مرة بجنوب دارفور بمنطقتي (الوكيتنغ) و(تورون تونغا) لتقديم خدمات الرعاية الصحية الأساس، ثم امتد إلى أقسام الأمومة وطب الأطفال في مستشفى كاس لمعالجة الحالات الأكثر تعقيداً في عيادة (الوكيتنغ)، مع توفير الرعاية الصحية المجانية لمدينة كاس والمناطق المحيطة بها.

كذلك تدعم المنظمة مستشفى نيالا التعليمي في إعادة تأهيل وحدات الأمومة وطب الأطفال والطوارئ، إلى جانب دعمها التغذية والصحة الإنجابية في مستشفى الوحدة ومراكز معسكرات نزوح (السلام وكلمة ودريج وعطاش).

وفي وقت سابق أطلقت المنظمة حملة لمكافحة الملاريا لمدة ثلاثة أشهر في نيالا وكاس وجبل مرة بسبب ارتفاع عدد الحالات خلال موسم الأمطار، باستخدام إدارة الحالات المجتمعية الموقتة والمتكاملة ومكافحة الملاريا في مواقع عدة، كما تدير مشروعاً مشابهاً في موقع أومو بجبل مرة.

ويقع جبل مرة في غرب السودان في ولاية وسط دارفور، وتحديداً مدينة زالنجي، ويمتد من بداية محلية كاس بولاية جنوب دارفور حتى شمال دارفور مدينة الفاشر، وتعد منطقة جبل مرة في دارفور غرب السودان من أجمل المناطق على مستوى العالم وأكثرها تنوعاً من حيث الطبيعة والمناخ.

المزيد من تقارير