للمرة الأولى في التاريخ، اعترفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بوجود أجسام طائرة مجهولة، المعروفة اختصاراً في اللغة الإنجليزية بـ UFO بعدما نشرت الوزارة على موقعها الرسمي ثلاثة مقاطع فيديو وثّقها طيارو البحرية الأميركية قبل سنوات فوق المحيط الهادئ. لكن هذه الصور كشفت عنها عام 2017 صحيفة نيويورك تايمز ومؤسسة بحثية أخرى، وأكدت صحتها البحرية الأميركية آنذاك، فما الذي دفع البنتاغون بعد هذه السنوات إلى الكشف عن الصور رسمياً في هذا التوقيت، وما الذي يعنيه الاعتراف بوجود أجسام طائرة مجهولة ذات خصائص غريبة ومختلفة عمّا يعرفه سكان الأرض بعد عقود طويلة من الإنكار بل الاستخفاف؟
ماذا حدث؟
مقاطع الفيديو الثلاثة التي كُشف عنها رسمياً من قِبل البنتاغون، ظلت متداولة على شبكة الإنترنت لسنوات عدّة ويضم كل منها تعليقات من طياري البحرية الأميركية على تحركات الأجسام الطائرة المجهولة خلال تحليقها، إذ وقعت مواجهة عام 2004، في المحيط الهادئ على بعد حوالى 100 ميل قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة بعدما طلبت سفينة بحرية مساعدة جوية في أعقاب مواجهات متكررة مع أجسام طائرة مجهولة، فتُظهر المقاطع شكلاً بيضاوياً غريباً يحلّق في الهواء وفوق المحيط.
وكان أحد الطيارين قد صرح عام 2017 لصحيفة نيويورك تايمز التي وثّقت الحادث قائلاً "لقد تزايدت سرعة هذا الشيء بشكل لم أره من قبل على الإطلاق". وأكد تقرير الصحيفة أن أطقم جوية عدّة وصفت الجسم، الذي حلّق على ارتفاع منخفض فوق الماء قبل أن يذهب بسرعة فائقة بعيداً، بأنه "على شكل مستطيل طوله 40 قدماً" (12 متراً).
بعد هذه المواجهة التي كانت على بعد 60 ميلاً من السفينة الحربية، غادر الطيارون الأميركيون المكان حتى أصبحوا على بعد 40 ميلاً من السفينة، لكنهم دُهشوا حين سمعوا طاقم السفينة يبلغهم عبر أجهزة الراديو، أن الأجسام الطائرة المجهولة عادت إلى الظهور مجدداً فوق السفينة، ما يعني أن هذا الجسم قطع مسافة 60 ميلاً في أقل من دقيقة واحدة حسب قول الطيارين.
وكشف مقطع فيديو التُقط عام 2015 تتبّع بقعة بيضاء صغيرة بواسطة نظام الأشعة تحت الحمراء، إذ يحلّق جسم مجهول على ارتفاع منخفض فوق المحيط، فيما وصف طيار آخر الجسم بأنه "أشبه بطائرة مسيّرة" (درون).
وفي مقطع فيديو آخر من عام 2015، يظهر جسم طائر يخترق السحب ثم يتباطأ ويبدأ في الدوران من وضع الثبات.
لماذا الآن؟
على الرغم من أن اعتراف البنتاغون هو الأول من نوعه في التاريخ، إلّا أنّ البحرية الأميركية اعترفت سابقاً بصحة اللقطات، بل ذهب المسؤولون إلى حدّ صياغة مبادئ توجيهية عام 2019 لإنشاء آلية رسمية للطيارين والعسكريين للإبلاغ عن أية مشاهدات محتملة لهذه الأجسام الطائرة المجهولة، وهي خطوة اتُخذت بعد زيادة ما وصفته البحرية بـ"اقتراب متكرر" لهذه الأجسام من مجموعات القوة الضاربة لسفن البحرية الأميركية.
غير أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية فسّر نشر مقاطع الفيديو أنها تستهدف توضيح أي مفاهيم خاطئة من قبل الجمهور حول ما إذا كانت اللقطات التي تم تداولها سابقاً حقيقية أو لا.
وفيما ربطت بعض وسائل الإعلام الأميركية بين كشف البنتاغون وبين التوقيت الذي يجد الأميركيون أنفسهم محاصرين في المنازل وبحاجة إلى التسلية، تقول وزارة الدفاع إنها بعد مراجعة شاملة، حدّدت أن الإفراج عن صور الفيديو غير المصنفة سرية، لا يكشف عن أي قدرات أو أنظمة حساسة، ولا يؤثر في أي تحقيقات لاحقة حول اختراق المجال الجوي للولايات المتحدة عبر وقائع غريبة غير محدّدة في الجو.
هل من كائنات فضائية؟
ويتساءل كثيرون بخاصة من يعتقدون بوجود كائنات فضائية في الكون الواسع عمّا إذا كان التفويض الرسمي بنشر مقاطع الفيديو يعني أن البنتاغون اعترف أخيراً بوجود كائنات فضائية؟ والإجابة حسب خبراء أمنيين هي لا، ذلك أن أي شيء يطلق عليه الجيش الأميركي "مجهول" أو "غير معروف" لا يعنى بالضرورة أنه من خارج كوكب الأرض، بل إن أي شيء يتحرّك في السماء قد لا يستطيع المسؤولون العسكريون تفسيره، فالطيارون المدنيون والعسكريون يرون طائرات مجهولة بين حين وآخر، ولا يمكن افتراض أن من يقود هذه الطائرات أو الأجسام المجهولة هم رجال خضر اللون قصيري القامة كما تصوّرهم أفلام الخيال العلمي السينمائية.
ومع ذلك، ففي حالة مقاطع الفيديو التي نشرها البنتاغون، لا يزال من غير الواضح من يوجد داخل هذه الأجسام الطائرة، بينما لاحظ أحد العاملين في وزارة الدفاع في البيان الصحافي أن الظواهر الجوية التي لوحظت في مقاطع الفيديو تظل مصنّفة على أنها "غير محدّدة".
وإذا كان البعض يظن أن ذاك يُعدُّ بمثابة دليل على نشاط من خارج الأرض، أو حتى مجرد طائرات عسكرية متقدمة شيّدتها سراً دولة أخرى، لأصبح من المتوقع أن يصنّف البنتاغون مقاطع الفيديو تحت فئة سري للغاية بشكل أسرع ممّا يمكن تصوّره، لكن وزارة الدفاع صنّفت الفيديوهات التي صدرت هذا الأسبوع بأنها ليست سرية، ما يعني أن البنتاغون لم يعتقد أبداً أن المعلومات كانت حساسة بما يستدعي فرض قيود الأمن القومي عليها.
برامج لمواجهة التهديدات الفضائية
وعلى الرغم من أن الكشف الأخير من البنتاغون لا يعترف بوجود كائنات فضائية أخرى، فإنه يشير إلى اعتراف وزارة الدفاع بأن سلسلة المواجهات الموثّقة مع أجسام طائرة مجهولة تتطلّب على الأقل مزيداً من التحقيق، فقد دفع الانتشار السائد لهذه الأحداث قبل سنوات، وزارة الدفاع الأميركية إلى تتبّع الظواهر التي حدثت آنذاك، لدرجة أنها أنشأت برنامجاً داخل البنتاغون مخصصاً فقط للتحقيق في التقارير الخاصة بمشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة.
مسؤولو وزارة الدفاع اعترفوا في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 بأن الوزارة اعتمدت برنامج التعرف على التهديدات الجوية والفضائية المتقدمة التي يشكلها الظهور المتكرر للأجسام الطائرة المجهولة، واستمر البرنامج منذ عام 2007 حتى عام 2012، لكن البرنامج الذي ظل سرياً طوال مدة تفعيله، تم إنهاء العمل به عندما قررت الوزارة أن هناك قضايا أخرى ذات أولوية أعلى تستحقّ التمويل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال العام الماضي، نشر موقع "بوليتيكو" تصريحات لمسؤول الاستخبارات العسكرية السابق لويس إليزوندو، الذي تولّى قيادة هذا البرنامج السري في وزارة الدفاع، اعتبر فيها أنه يجب على البنتاغون أن يعتمد نهجاً أكثر قوة لتحليل البيانات المتعلقة بالأجسام الطائرة المجهولة، مشيراً إلى أن سياسية وزارة الدفاع لا تشجع العسكريين على الحديث عمّا يرونه من مشاهدات في هذا الأمر، ومحذّراً من عواقب إهمال هذا الملف إذا اكتشفت واشنطن بعد خمس سنوات أن هناك طائرة روسية فائقة التقدم.
لكن إليزوندو قال أيضاً لشبكة "سي إن إن" الإخبارية عام 2017 إن هناك أدلة مقنعة على أننا قد لا نكون وحدنا في هذا الكون، نظراً إلى أن هذه الأجسام الطائرة المجهولة، تمتلك خصائص لا تمتلكها الولايات المتحدة ولا غيرها من الدول الأجنبية.
ويعتبر إليزوندو أن هذا الاعتراف التاريخي من البنتاغون سيتسبّب في تحول زلزالي في المواقف وسيترك أثراً واضحاً في الأجواء المحيطة بهذه الأحداث، مما يسمح للمؤسسات ذات السمعة الطيبة بتبادل البيانات الموثوقة من أجل إجراء البحوث بشكل علني، كما سيُنظر إليها لسنوات أخرى مقبلة كخطوة أساسية في كسب ثقة الناس.
الكونغرس مهتم
وكان عدد من أعضاء مجلس الشيوخ بزعامة السيناتور هاري ريد، قد دعموا تأسيس برنامج وزارة الدفاع لدراسة وتحليل بيانات الأجسام الطائرة، وهو ما جعل السيناتور ريد فخوراً الآن بما فعله. ففي أعقاب نشر البنتاغون صور الفيديو التي سجلتها البحرية الأميركية، غرد على تويتر قائلاً "إن ما فعله البنتاغون يخدش فقط سطح البحث والمواد المتوفرة التي تحتاج الولايات المتحدة إلى إلقاء نظرة علمية جادة عليها، وبحث أية آثار محتملة في الأمن القومي وإن الشعب الأمريكي يستحق أن يعلم".
وفي الوقت ذاته، ظهر إليزوندو في سلسلة أفلام وثائقية من ستة أجزاء لإثبات وجود كائنات فضائية. وشارك في سلسلة الأفلام هذه مسؤولون آخرون في البنتاغون، إضافةً إلى توم ديلونج، المؤسس المشارك لشركة أبحاث تُسمّى أكاديمية النجوم للفنون والعلوم التي يقودها عددٌ من المسؤولين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة الذين شغلوا مناصب رفيعة المستوى في وزارة الدفاع الأميركية، ومنهم الدكتور هارولد باثوف، المتخصص في فيزياء الكم بوكالة ناسا ومستشار وزارة الدفاع السابق، وجيم سيميفان، العضو السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، وكريس ميلون، نائب مساعد وزير الدفاع السابق للاستخبارات في كل من إدارتَيْ كلينتون وبوش الذي كان له دور فعال في إنشاء قيادة العمليات الخاصة.
واكتسبت هذه الأكاديمية شهرة واسعة عام 2015 حينما سُلّطت عليها أضواء الإعلام بعدما نشرت أحد مقاطع الفيديو التي رُفعت السرية عنها والتي أظهرت رصد طيارين أميركيين لأجسام طائرة مجهولة.
معادن جديدة
ويبدو الآن أن ارتباط الجيش الأميركي بالقضايا المتعلّقة بالظواهر الغريبة والأجسام الطائرة المجهولة آخذ في الاتساع، إذ وقّع الجيش عقداً مع أكاديمية النجوم للفنون والعلوم في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بهدف التعاون في دراسة معادن جديدة غير معروفة، يأمُل الطرفان في أن تؤدي إلى تطوير كبير في التكنولوجيا المتقدمة.
ووفقاً لهذا التعاقد، سيوفر مركز نظم دعم وحماية المركبات البرية التابع للجيش موارد بحثية ومختبرات علمية إلى الأكاديمية، الأمر الذي سيعزّز بدوره ما تؤكد الشركة أنها معادن غير معروفة قادرة على زيادة كفاءة مركبات الجيش وفعاليتها.
أكاديمية النجوم
وتدّعي أكاديمية النجوم أنها حصلت أو صمّمت أو أنتجت هذه المعادن والمواد غير المعروفة التي لم تُفصح عن كيف ومتى حصلت عليها، لكنها قالت إنها يمكن أن تقدم مجموعة من التحديثات والتعديلات المستقبلية في عمليات عدّة، مثل التمويه المتواصل والدفع بالطاقة الإشعاعية وانخفاض الكتلة باستخدام القصور الذاتي والاتصال الكمّي.
وحسب ما قاله الدكتور جوزيف كانون، نائب مدير الإنتاج للعلوم والتكنولوجيا في قسم نظم حماية المركبات بالجيش في بيان صحافي عن التعاقد، فإنّ الشراكة مع الأكاديمية تُعدُّ بمثابة مصدر غير تقليدي ومثير للمواد الجديدة والتقنيات التحويلية بهدف دعم قدرات النظام البري العسكري الأميركي.
قصص UFO
واكتسب إطلاق البنتاغون مقاطع الفيديو الجديدة أهمية خاصة لدى مؤيدي فكرة وجود كائنات فضائية أخرى تعيش معنا في هذا الكون، فرحّب عددٌ كبيرٌ من المواقع في شبكة الإنترنت بما كشفت عنه وزارة الدفاع الأميركية من معلومات مثيرة بالنسبة إليهم.
وتحفل مواقع ومجلات ومحطات تلفزيونية وإذاعية عدّة في الولايات المتحدة بقصص متنوعة تتحدث عن أضواء غامضة تنبعث من أطباق فضائية شريرة وعمليات اختطاف غريبة وادّعاءات بمواجهات بين طيارين وكائنات فضائية، بخاصة في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 12 ألف مشاهدة لأجسام طائرة مجهولة، منذ حادثة روزويل الشهيرة في نيو مكسيكو وحتى نهاية الستينيات.
وفي ظل هذا الضغط الشعبي، طوّرت القوات الجوية الأميركية مشروعاً تحت اسم "بلو بوك"، وهو فريق صغير سري من القوات الجوية، مهمته إجراء تحقيقات علمية في الحوادث وتحديد ما إذا كان أي منها يشكّل تهديداً للأمن القومي، وهو ما يُعدُّ المشروع الثاني من نوعه، إذ كان مشروع "ساين"، أي الرمز عام 1948 هو الأول من نوعه. وخلُص هذا المشروع إلى استبعاد أن تكون الأجسام الطائرة المجهولة قد جاءت من خلف الستار الحديدي لدول الكتلة الشرقية التي يقودها الاتحاد السوفياتي، بل رجّح بعض أعضاء فريق التحقيق أن تكون هذه الأجسام من عالم آخر لما تتميّز به من خصائص لا مثيل لها على الكوكب الأرضي. لكن قيادة القوات الجوية رفضت هذا الاستنتاج على اعتبار أنه لا يوجد دليل قاطع على نتائجها.
المنطقة 51
و أصبحت المنطقة 51 الواقعة فى جانب معزول جنوب ولاية نيفادا على بعد نحو 80 ميلاً من لاس فيغاس ، مكاناً مقدساً للمهووسين بقصص الكائنات الفضائية والأجسام الطائرة المجهولة (UFO)، نظراً إلى المشاهدات الكثيرة التي سُجلت في هذه المنطقة لهذه الأجسام، على الرغم من أن الحكومة الأميركية كشفت قبل سنوات عن أنها خصّصت المنطقة بشكل سري منذ بداية الحرب الباردة لاختبار الطائرات الحديثة الأسرع من الصوت التي قد تكون السبب وراء الاستنتاجات الخاطئة بوجود أجسام طائرة مجهولة.