إذا كنّا في حرب على جائحة "كوفيد-19"، ويرغب سياسيونا في أن نرى الأمر على تلك الشاكلة، فخمّنوا من هم الجنود.
لقد أصبتم. إنهم موظفو هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" الموجودون في "الجبهة"، وهذه كلمة أخرى من الكلمات الخاصة بالحرب يكثر استخدامها الآن وتساعد في توفير رعاية إضافية لهذه الرواية غير المناسبة بشكل قاتم.
وإن لم تكونوا مَمَّن يتبعون بشكل أعمى طقوس بوريس جونسون التي ترى أن علينا أن نروّج لـ"الأخبار السارة" (أي بعبارة أخرى الدعاية الحكومية) أو أن نثرثر عن طفله الـ48، أو أياً يكن الرقم، يجب أن يكون بمقدوركم أن تروا المشكلة الكامنة في هذه الرواية.
إنّ ما يجري ليس حرباً، والأطباء والممرضون والمسعفون والموظفون الداعمون لهم، الذين يعرّضون أنفسهم يومياً إلى الفيروس القادر تماماً على القتل والقادر على العبث بجسمكم لأسابيع متواصلة إن لم يقتلكم، ليسوا جنوداً.
في المقابل، من المؤكد أنه من المناسب للحكومة الحالية التفكير في مصطلحات كهذه، وذلك لأكثر الأسباب تشاؤماً.
ويدرك الرأي العام أن الحرب، ويشمل تعريفها برأيي نشر القوات للأغراض الإنسانية في مناطق النزاع، تعرّض المتقاتلين إلى خطر عدم العودة.
ويعني هذا الأمر الجنود، ويصحّ حتى لو كانوا مزوّدين بالدعم اللازم وأفضل المعدات الممكنة (ويُعَدُّ عدم حصول ذلك في الأوقات كلها فضيحة أخرى).
ويساعد وصف الجائحة بـ"الحرب" السياسيين على دفع الرأي العام إلى اعتبار العاملين في هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" من ضمن الفئة نفسها. وإذا أصابهم "كوفيد- 19" أثناء أدائهم لواجباتهم، كما حصل مع البعض منهم بالفعل، يصبح موتهم مقبولاً أكثر، إذ يُعتبَرون أعضاء في مجموعة "الذين سقطوا"، وتُعَدُّ وفاتهم نتيجة مؤسفة لنضالهم البطولي. وعلى ذلك النحو، لا تنتفي الحاجة إلى مساءلة الوزراء حول المعدات الواقية والاختبارات والنقص في العاملين. وتطول القائمة. وتطول. وتطول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأينا بعض المعلّقين اليمينيين يهاجمون المنتقدين الأشرس للحكومة، ويصفونهم بـ"السلبية"، ويحضّونا في الوقت ذاته على الاحتفال بدلاً من ذلك بمساهمة "الخدمات الصحية الوطنية".
وهذا هجوم بالهراء يشنّه المحسوبون على الحكومة للمساعدة في إبرائها من المسؤولية عن الفشل في إعداد المملكة المتحدة لمواجهة الجائحة، إضافةً إلى [المسؤولية عن] إنهاك "الخدمات الصحية الوطنية" خلال سنوات التقشف، والإهمال في تسهيل عمل موظّفيها من خلال تزويدهم بمجموعات الأدوات التي يحتاجون إليها.
وثمة قلق آخر يراودني حول ما يجري، ويتعلّق بالحيلة المتمثلة بعدم التعبير عن المشاعر و"الهدوء والاستمرار". وهذا ليس بالأمر المفيد على الإطلاق حين يتّخذ المرء قرارات تتعلّق بالحياة والموت لـ12 ساعة يومياً، لا سيما حين يتوجّب عليه حماية غيره من خطر يتهدّده هو نفسه. فكيف يحافظ الأشخاص الذين ينهضون بذلك على الهدوء؟ لا بد من أنّ تحدّثهم مع مستشارين مدرّبين يساعدهم أكثر من هتافات الناس لهم.
أنا أعلم أن الناس يريدون أن يظهروا تقديرهم. ومن المؤكد أن موظفي "الخدمات الصحية الوطنية" ومقدمي الرعاية وكل من واجه التحديات خلال هذه الأزمة، يستحقّ الهتاف. لكنهم بحاجة إلى أكثر من ذلك، إذ إنهم بحاجة إلى دعم يعاني نقصاً حاداً جداً الآن، وإذا أردنا أن نظهر تقديرنا، علينا أن ندفع ثمنه عبر ضرائبنا، فهو ليس رخيص الثمن.
فالآن، يكون الحظ حليفكم إذا حصلتم على ست جلسات مع معالج بعد أشهر من الانتظار، ولن يكون ذلك كافياً. ولن يكون حتى قريباً من الكفاية. لذا، فقد آن أوان الابتعاد عن الخطاب الحربي.
إنّ فيروس كورونا عبارة عن أزمة على صعيد الصحة العامة، ويُقَال إن توقّعها كان ممكناً وواجباً.
ويمثّل الفيروس أزمة كانت استعدادات بريطانيا لها سيئة، وارتكب سياسيو البلاد خلالها أخطاء مميتة يجب عليهم الإقرار بها، وفي الأقل الاعتذار عنها.
ولم تكن الوفيات الناجمة نتيجة حتمية لحرب، فبعضها كان ممكناً تجنّبه عبر اتّخاذ قرارات أفضل. وينبغي إخضاع المسؤولين عن ذلك إلى المحاسبة.
© The Independent