على الرغم من خطط التحفيز التي أعلنتها حكومات العالم في إطار الإجراءات الاحترازية التي أعلنتها لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، فإن الأزمة تتفاقم، وخصوصاً في الأسواق الناشئة التي أصبحت بين مطرقة مخاطر وتداعيات فيروس كورونا من ناحية، وسندان الأزمات القائمة بالفعل، ومن بينها العجوزات والديون الضخمة.
وتشير توقعات معهد التمويل الدولي إلى أن حكومات الأسواق الناشئة تشهد في الوقت الحالي عجزاً مالياً غير مسبوق في سياق صدمة وباء "كوفيد-19" المستجد. وذكر المعهد، في تقرير حديث، أن حكومات الدول الناشئة ستدير عجزاً مالياً لا مثيل له في بيئة تشهد انخفاض أرصدة الحسابات الجارية بسبب ضغف تدفقات رأس المال.
وعلى الرغم من أن هذا الوضع قد يستمر عبر أنحاء اقتصادات الأسواق الناشئة كافة، فإنه سيكون أكثر وضوحاً في جنوب أفريقيا، والتي دخلت الأزمة مع نقاط ضعف واضحة. لكن من المتوقع أن تشهد كل دولة حول العالم تقريباً اتساع العجز المالي في العام الحالي من أجل التعامل مع أزمة الصحة العالمية وأزمة النمو الاقتصادي، لكن هذا الوضع سيكون أكثر بروزاً في الأسواق الناشئة.
صعوبة الاقتراض من الخارج
في الوقت نفسه، تكشف مؤشرات تتبع التدفقات الرأسمالية وبيانات صافي إصدار السندات التابعة لمعهد التمويل، أن بعض الأسواق الناشئة قد تجد صعوبة في اقتراض مبالغ كبيرة من الخارج هذا العام.
ويعني ذلك تقليصاً كبيراً في ديون الرافعة المالية في القطاع الخاص بشكل غير عادي من أجل توفير الحيز للعجز المالي.
ويستبعد معهد التمويل في تقريره، أن تجذب تركيا في العام الحالي تمويلاً أجنبياً لإدارة العجز المالي، وهو ما يعني أن العجز الآخذ في الاتساع سيأتي جنباً إلى جنب مع الانخفاض الواضح في القطاع الخاص (وإن لم يكن قريباً من أزمة عام 2001).
كما أن المكسيك ستشهد وضعاً مماثلاً، حتى بالرغم من أن عجزها المالي سيتسع بدرجة أقل من اقتصادات الأسواق الناشئة الأخرى. وسيكرّر النموذج الخاص بتركيا والمكسيك نفسه عبر أنحاء الأسواق الناشئة كافة. ومن شأن تقليص مديونية القطاع الخاص أن يؤدي في بعض الحالات إلى درجة لم نشهدها في غضون العشرين عاماً الماضية.
وبالنظر إلى جنوب أفريقيا، فمن المتوقع أن تعاني من عجز مالي يتجاوز 12 في المئة نسبة للناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى عجز ضئيل في الحساب الجاري.
وذكر المعهد أنه في الظروف العادية، كان سيظهر عجز مزدوج، أحدهما مالي والآخر في الحساب الجاري، مما يهدد استثمارات القطاع الخاص. لكن في الوقت الحالي، فقد اختلف الموقف، حيث إن الركود الاقتصادي يدفع القطاع الخاص بشكل حتمي لتسجيل وفرة في المدخرات، كما تحاول إجراءات السياسة العامة من خلال عجز مالي أكبر الحيلولة دون انهيار الطلب المحلي. وأشار إلى أن الأرصدة المالية تعكس قرارات الادّخار والاستثمار للحكومات، حيث يعني العجز زيادة صافي الاقتراض.
34 مليار ديون مستحقة خلال عام واحد
وقبل أيام، أشار بنك "غولدمان ساكس"، في مذكرة بحثية، إلى أنه على دول الأسواق الناشئة ديون بالدولار الأميركي قيمتها نحو 34 مليار دولار تستحق خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، إذ تواجه الإكوادور أصعب خطط السداد في ضوء احتياطياتهما من النقد الأجنبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر أنه في ظل موجة بيع عالمية تعصف بها، تسعى دول الأسواق الناشئة لاحتواء انتشار فيروس كورونا من خلال تقييد حركة المواطنين، مع استخدام شتى إمكانياتها المالية والنقدية لتهدئة أثر الضربة على اقتصاداتها. وفي الوقت الذي توصد فيه أبواب أسواق الدين على نطاق واسع أمام الإصدارات الجديدة، يتابع المستثمرون عن كثب لمعرفة ما إذا كانت الدول تملك الاحتياطيات الكافية لتغطية التزاماتها الدولية المستحقة، لا سيما في ظل شح التمويل الدولاري.
وذكر أن لدى أغلب الدول احتياطيات كافية لتغطية استحقاقات سنداتها الدولية على مدار الاثني عشر شهراً المقبلة، وذلك على افتراض عدم إنفاقها على احتياجات تمويلية أخرى. وخلصت البيانات إلى أن مصدّري النفط، البحرين والإكوادور، هما الأكثر حساسية.
وأظهرت البيانات أن البحرين أمامها أكثر من ملياري دولار مستحقة خلال الفترة المقبلة، ما يوازي أكثر من 50 في المئة من احتياطياتها من النقد الأجنبي، بينما أمام الإكوادور ديون مستحقة بما يقرب من 1.5 مليار دولار، وهو ما يقلّ قليلا عن 50 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي.
واستثنى تحليل "غولدمان ساكس" بيانات من الأرجنتين ولبنان، إذ يدرس كلاهما إعادة هيكلة ديونه الدولية. وأصبحت قرغيزستان أحدث دولة تسعى إلى مساعدة في السداد، عندما قال أركين أسرانديف، نائب رئيس الوزراء، إنها تجري محادثات بشأن إعادة هيكلة دينها الخارجي السيادي. وأوضح أن الأسواق الناشئة تواجه خطط استحقاق أكثر صعوبة في 2022، إذ تحلّ مواعيد استحقاق ديون بنحو 60 مليار دولار.
قفزة كبيرة بمستويات وتكلفة الديون
على صعيد الأزمة القائمة، يرى صندوق النقد الدولي أن العالم بحاجة إلى استثمارت عامة تتجاوز 20 تريليون دولار في العقدين المقبلين بعد انتهاء وباء كورونا. وأوضح الصندوق النقد، في تقرير المراقبة المالية نصف السنوي، أن العالم في حاجة إلى الإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية والتغير المناخي.
وأضاف أن معدلات الفائدة المنخفضة تتيح فرصة للاستثمار العام لتعزيز النمو وتحديث المطارات القديمة والموانئ وسكك الحديد في الاقتصادات المتقدمة. ولفت إلى أنه في الدول التي تكون فيها المساحة المالية محدودة قد يكون من الأنسب إعادة تركيز الإنفاق على الاستثمار في أنظمة الرعاية الصحية والبنية التحتية والأفراد.
صندوق النقد أشار إلى أن ارتفاع مستويات الديون وتكاليف الفائدة في الاقتصاديات الناشئة والنامية يعني أن الإنفاق يجب أن يحدث بطريقة مسؤولة مالياً. وحث البلدان على التخطيط الآن لمشاريع استثمارية يمكن تنفيذها عندما يخفّ الوباء وتدابير يمكن نشرها بسرعة لمساعدة مواطنيها، لافتاً إلى بطء الدعم المالي خلال التباطؤ الاقتصادي السابق. ودعا الدول والحكومات إلى تعزيز إعانات البطالة وشبكات الأمان الاجتماعي.