أعلنت إدارة "فيسبوك" تشكيل مجلس "الإشراف العالمي"، الذي سيكون بمثابة "محكمة عليا" تتخذ قرارات بشأن القضايا الشائكة والمنشورات التي تتضمّن كلاماً يحضّ على الكراهية. وكشفت الشركة، التي تمتلك منصّتي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام"، عن الأعضاء العشرين الأوليين في المجلس، ومن بينهم الناشطة اليمنية توكل كرمان، أحد أبرز المدافعين عن الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، والتي أثار اختيارها جدلاً نظراً إلى توجهاتها السياسية.
البت في المحتوى
ويهدف المجلس، الذي كانت الشركة أعلنت إنشاءه قبل نحو عام ونصف العام، إلى "البتّ في مشكلات المحتوى الصعبة"، مثل الحكم على المنشورات عمّا إذا كانت تتضمن كراهية أو تحرشاً، كما سيُمكَّن من اتخاذ قرارات ملزمة حول إذا كانت المشاركات أو الإعلانات تنتهك معايير الشركة، والبت في إزالة المحتوى أو تركه، وستعدُّ أي نتائج أخرى يطرحها المجلس "إرشادات" من قِبل "فيسبوك".
ولا يمكن لـ"فيسبوك" إقالة أعضاء أو موظفي المجلس، الذي يدعمه صندوق ائتمان غير قابل للإلغاء بقيمة 130 مليون دولار. وسُمِّي الأعضاء من قِبل إدارة الشركة، ليمثلوا طيفاً واسعاً من المناطق حول العالم، الذين عاشوا في أكثر من 27 دولة، ويتحدّثون 29 لغة على الأقل. ومن بينهم آلان روسبريدجر رئيس التحرير السابق لصحيفة الغارديان البريطانية، وهيلي ثورننغ - شميت رئيسة وزراء الدنمارك السابقة، وأندراس ساجو القاضي المجري السابق ونائب رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وأوضح موقع التواصل الاجتماعي، أنّ عدد أعضاء المجلس سيُرفع إلى 40 تدريجياً، مؤكداً أن هؤلاء "ستكون لديهم خبرة مهمة في عدة مجالات أساسية"، لا سيما "حرية التعبير، والحقوق الرقمية، والحرية الدينية، واعتدال المضمون، وحقوق المؤلِّف الرقمية، أو حتى السلامة الإلكترونية، والرقابة على الإنترنت والشفافية".
توجهات كرمان تثير الانتقادات
وحسب بيان "فيسبوك" فإنه جرى اختيار أربعة رؤساء مشاركين للمجلس، بمساعدة متخصصين، كما أقيمت شراكة مع "باكر ماكينزي" لإنشاء بوابة عامة، يمكن لأي شخص طرح اسم مرشح مؤهل للتقديم. بينما جرى اختيار باقي أعضاء المجلس، ومن بينهم كرمان، عن طريق قيام الرؤساء المشاركين الأربعة، الذين أجروا مقابلات مع الأعضاء المرشحين، وكان لهم سلطة الموافقة عليهم بالشراكة مع "فيسبوك" وشركة الأبحاث التنفيذية هيدريك آند ستراجيلز.
غير أن تعيين كرمان ضمن أعضاء المجلس أثار جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي وشكوكاً بشأن حيادية السياسات التي ستطبّق على المحتوى، خصوصاً العربي. وأعرب كثيرٌ من المستخدمين العرب عن مخاوفهم من الخلفة الأيديولوجية للناشطة اليمنية، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين، ما يمكن أن يسفر عن حذف محتوى أو حسابات مناهضة الجماعة المصنّفة "إرهابية" في كثيرٍ من الدول العربية، بعد ارتكابها كثيراً من أعمال العنف والقتل، خصوصاً في مصر.
كما أعرب آخرون عن مخاوفهم من تطبيق كرمان سياسات مضادة لليبراليين لصالح من يروّج للحركات الإسلامية المتطرفة، وأشار بعض التغريدات إلى قيام كرمان بحظر متابعي حسابها على موقع "تويتر" ممن ينتقدونها، ما يدل على عدم إيمانها بحرية التعبير.
وبلغ الجدل إلى حد دعوة عديد من مستخدمي "تويتر" إلى إعلان "حملة شعبية لمقاطعة (فيسبوك)"، وغلق حساباتهم أو مطالبة الحكومات العربية بحجب الموقع ما لم يُتراجع عن قرار تعيين الناشطة اليمنية الحائزة جائزة نوبل عن دورها في انتفاضة اليمن عام 2011، كما اقترح آخرون دعوة المعلنين في الشرق الأوسط إلى وقف إعلاناتهم على منصات الموقع.
مجلس غير محايد
وبينما رحّب محمد شومان، عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة، بخطوة تأسيس هذا المجلس، باعتبارها "تحرّكاً مهماً" لضبط المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، فإنه أشار إلى أن هيكل المجلس "يشوبه الانحياز"، فضلاً عن "غياب معايير واضحة لطريقة العمل واختيار الأعضاء".
وقال شومان، في تعليقات لـ"اندبندنت عربية"، "المجلس محكمة تحاكي المحكمة العليا الأميركية، ما يعني أنها ستنظر في أي شكاوى تتعلق بالمحتوى وحسابات المستخدمين، ومن ثمَّ تتمتع بسلطات واسعة من دون أن يكون هناك دستور واضح، ويغيب أيضاً الأساس الذي جرى تشكيل المجلس عليه، ما يطرح مخاوف أنه مجرد شيء لتجميل وجه (فيسبوك)".
وأضاف، "اختيار شخصية خلافية مثل كرمان يعطي مؤشراً أن المجلس ليس محايداً، ذلك جنباً إلى جنب مع اختيار ممثلة لإسرائيل، بينما لا يوجد ثقل حضاري أو عدد سكان كافٍ، ليكون هناك ممثل خاص بدولة صغيرة، وفي المقابل زيادة في عدد ممثلي أميركا، ومن ثمّ فإن معايير الاختيار غير واضحة، وتحتمل التحيّز وعدم الموضوعية".
وتابع أستاذ الإعلام، "كان من الأقدر لتمثيل منطقة الشرق الأوسط اختيار شخص ليبرالي ليس له انتماءات، ويوجد كثيرون في المنطقة. هم بحثوا عن نجوم بدليل وجود شخصيات ذات مناصب أو حاصلين على جوائز رفيعة مثل نوبل للسلام".
مناشدة وحملات
وقال محمود علم الدين، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة، "الاختيار غير موضوعي وغير محايد. كرمان لها ماضٍ سياسيّ يثير إشكاليات، ويحيط بها كثيرٌ من الجدل حول أدوار تعتبرها قطاعات كبيرة في المجتمع العربي تخريبية، لا تساعد على الاستقرار أو التنمية، ولا تحقق أي هدفٍ من السلام والمحبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعرب عن قلقه من أن يكون لها "دورٌ مؤثرٌ في وضع ضوابط للنشر تتسق مع أهوائها"، بينما من المفترض لمن يتولى مثل هذه المهمة أن لا يكون "منحازاً إلى أي تيار أو جهة".
وأضاف، "شركة (فيسبوك) بحاجة إلى إعادة النظر في هذا القرار (الفضيحة)، لأنها دائماً ما ترفع شعارات عدم التحيُّز والموضوعية، بينما قرارها شديد التحيز، ومن ثمّ فإنها أصبحت تواجه تحدياً أخلاقياً بحماية الآراء المختلفة مع التوجهات السياسية لكرمان والرافضين تعيينها".
وعن تقديم الشركة الناشطة اليمنية باعتبارها حاصلة على جائزة نوبل، يقول علم الدين "(نوبل) جائزة عالمية موضع جدل أيضاً، ولا ينبغي أن ننخدع بهذه المظاهر الشكلية التي فقدت مصداقيتها"، ولفت إلى أن كثيراً من خطابات كرمان أسفرت "عن دمار وعنف".
وبينما دعا كثيرٌ من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الحكومات إلى اتخاذ إجراءات للاحتجاج على هذا الاختيار، يعلق أستاذ الإعلام على أن الدور الأساسي يقع على "المثقفين، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حرية الرأي على الإنترنت" من خلال "إثارة بعض الملاحظات النقدية، أو تنظيم حملات لمناشدة (فيسبوك) توخي الحذر".
التزام حرية التعبير
غير أنّ الرؤساء الأربعة المشاركين للمجلس، بينهم رئيسة وزراء الدنمارك السابقة، أوضحوا في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز"، كيفية اختيار الأعضاء، وكتبوا "نظرنا في عددٍ كبيرٍ من الأفراد، بمن في ذلك أولئك الذين أوصى بهم الجمهور، قبل أن نجري مقابلات، حتى وصلنا إلى الأعضاء الذين أعلنوا".
وأضافوا، "أعضاء المجلس باتوا من خلفيات مهنية وثقافية ودينية مختلفة، ولديهم وجهات نظر سياسية متباينة وتدريب وخبرة، يمكن أن تساعدنا في النظر إلى أهم القرارات المتعلقة بالمحتوى"، مؤكدين استقلاليتهم عن "فيسبوك"، والتزام حرية التعبير في إطار المعايير الدولية لحقوق الإنسان.