تجددت موجة الاحتجاجات التي يشهدها السودان في مدن عدة، الأحد. وشهدت مدينة أم درمان، غرب العاصمة الخرطوم، تظاهرات احتجاجية كانت في طريقها إلى مقر البرلمان للمطالبة بإلغاء قوانين الطوارئ، وبتنحي الرئيس عمر البشير. وتأتي التظاهرات استجابة لدعوة تجمع المهنيين السودانيين، وتحالفات سياسية معارضة.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق التظاهرات، التي انطلقت من أمام المقر الرئيس لحزب الأمة المعارض، في أم درمان، وهذا ما دفع المحتجين إلى دخول الأحياء المجاورة له، وبدء تظاهرات متفرقة في عدد من الشوارع الجانبية. لكن، على إثر ذلك أوقفت الشرطة عشرات المحتجين.
وسينظر البرلمان السوداني، الأربعاء المقبل، في قوانين الطوارئ التي أصدرها الرئيس البشير، تمهيداً لإقرارها وفق ما ينص الدستور. إذ أودع وزير العدل محمد أحمد سالم، الأربعاء الماضي، المرسوم الجمهوري بإعلان فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام، لدى البرلمان لإقراره.
توقيف ومحاكمات
اعتقلت السلطات السودانية مريم الصادق المهدي، نائب رئيس حزب الأمة، أثناء مشاركتها في تظاهرات أم درمان، وأحالتها فوراً إلى محكمة طوارئ قضت بسجنها أسبوعاً وتغريمها 2000 جنيه سوداني (43 دولاراً أميركياً). لكن المهدي رفضت دفع الغرامة، وهذا يعني بقاءها في السجن فترة لا تتجاوز الشهرين، وفق القانون.
كما أوقفت القيادية في الحزب رباح الصادق المهدي، وحوكمت وفق قوانين الطوارئ وغرمت بـ 500 جنيه سوداني.
للمرة الأولى منذ إعلان الرئيس البشير حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام، في فبراير (شباط) الماضي، أصدرت محكمة طوارئ، السبت، أحكاماً بجلد 9 فتيات على خلفية مشاركتهن في الاحتجاجات.
وتجيز قوانين الطوارئ "اعتقال الأشخاص المشتبه في اشتراكهم بجريمة تتصل بالطوارئ، وتكليف القوات النظامية دخول أي مبانٍ وتفتيشها وتفتيش الأشخاص".
وأعلنت النيابة العامة، الأحد، إدانة 200 متهم بجرائم مُتعلّقة بالشغب والتجمعات، والحكم عليهم بالسجن والغرامة.
قضاة يحتجون على المحاكمات
دانت "لجنة القضاة السابقين" ما سمّته "إقحام السلطة القضائية في محاكم الطوارئ والتفتيش، التي تهدف إلى إخراس صوت الشارع وحقه في التجمع والتظاهر السلمي الذي يكفله الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التي صادق عليها السودان".
أضافت اللجنة في بيان أن ثمة قضاة "رفضوا الجلوس في تلك المحاكم الشوهاء"، مستنكرة موقف قضاة آخرين "وضعوا أنفسهم تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، التي تستغلهم لإرضاء سلطة القهر والاستبداد لإذلال الشعب وإهانته".
ودعت اللجنة "إلى عدم الزج بالقضاء في حماقات سياسات النظام الذي ذبح القضاء من الوريد إلى الوريد، وهذا ما أفقده ثقة الشعب السوداني، والنأي به بعيداً من السياسات التي تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان، وعلى رأسها تقويض مبدأ المحاكمات العادلة بما في ذلك اختيار محام يمثل المتهم يكون من اختياره والاستماع إلى شهود الدفاع وعدم إيقاع عقوبة الجلد".
احتجاجات طلابية
شهدت تسع جامعات وكليات خاصة في العاصمة الخرطوم، الأحد، تظاهرات واعتصامات طالبية، نادت بإسقاط النظام وتحسين الأوضاع المعيشية.
وبث ناشطون فيديوهات للتظاهرات، التي واجهتها الشرطة بالغاز المسيل للدموع. وتمكن بعض الطلاب من كسر الطوق الأمني المفروض على المباني الدراسية والخروج إلى الشارع.
ومع تمدد موجة الاحتجاجات في البلاد، أعلنت السلطات السودانية، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقف الدراسة في الجامعات السودانية الخاصة والحكومية كافة.
وصدر قرار حكومي باستئناف الدراسة في الجامعات الخاصة بصورة تدريجية، لكن هذا القرار يواجه صعوبات يومية بسبب تنامي حالة الاحتجاج.
ترتيبات المعارضة
وفق مصادر معارضة تحدثت لـ "اندبندنت عربية"، فإن تحالف نداء السودان المعارض يعتزم عقد اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس عما قريب لبحث ترتيبات الفترة المقبلة بمشاركة قادة الحركات المسلحة.
ويضم تحالف "نداء السودان" عدداً من الأحزاب السياسية، أبرزها حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي الذي يترأس التحالف وحزب المؤتمر السوداني، والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال، برئاسة مالك عقار، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعقد على هامش الاجتماع "ورشة برعاية أميركية دعي إليها الفرقاء السياسيون السودانيون، تناقش مسارات الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، والنهايات المتوقعة لها".
وأكدت القوى السياسية الموقعة على إعلان "الحرية والتغيير"، التي تضم تحالف نداء السودان وقوى الاجماع والتحالف الاتحادي وتجمع المهنيين السودانيين، أن الدعوة التي أطلقها الرئيس البشير للحوار في فبراير الماضي لا تعنيها، وأن الشارع السوداني لديه خيار واحد هو إسقاط النظام.
انفجار أزمة الدواء
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وإرتفاع الأسعار في البلاد، قالت "لجنة الصيادلة المركزية" إن "عدداً من الشركات العاملة في مجال إستيراد الدواء في البلاد بصدد اتخاذ قرارات تقضي بوقف إستيراد الدواء من المنشأ للسودان حتى إشعار آخر" .
وأشارت إلى أن دوافع هذه الشركات للانسحاب تعود إلى "تسعيرة المجلس القومي للأدوية والسموم، التي ألزمت الشركات تسعير الدواء بسعر صرف الدولار الرسمي 47.5 جنيهاً للدولار الواحد، في حين أن سعر التحويل عبر المصارف يتجاوز الـ90 جنيهاً للدولار، وهذا ما يعني أن على الشركات تحمُّل تكاليف التحويل التي تُكبدها خسائر كبيرة وتقلص هامش الربح لديها".
وطالبت اللجنة "بنك السودان المركزي والمجلس القومي للأدوية والسموم بالإيفاء بإلتزاماتهما والوعود التي قُطعت للشركات بتوفير النقد الأجنبي والتدخل العاجل لتلافي ضرر انسحاب الموردين للدواء".
ويعاني السودان أزمات اقتصادية متفاقمة وعجزاً في الميزان التجاري، وشحاً في الأوراق النقدية منذ سنة، إضافة إلى أزمة وقود متكررة أضرّت بقطاع النقل والتصنيع، مع ارتفاع الدين الخارجي للبلاد إلى حوالي 56 مليار دولار في نهاية العام 2018.