عاد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (82 عاماً)، مساء الأحد، إلى الجزائر عقب "فحوص روتينية" في مستشفى جنيف الجامعي، استغرقت أسبوعين، في مقابل أنباء وردت إلى "اندبندنت عربية" تؤكد توجه ناشطين في الحراك الشعبي إلى تقديم "ورقة طريق" من خارج نص الدستور، تتضمن "فترة انتقالية وإنشاء هيئة عقلاء تقودها شخصية رمزية".
وصل الموكب الرئيس الجزائري إلى مقر إقامته في زرالدة، في الضاحية الغربية للعاصمة، مساء الأحد، وتمكن صحافيون من التقاط صورة لبوتفليقة وهو يجلس في الجهة اليمنى لإحدى سيارات الموكب.
وكانت الطائرة الرئاسية أقلعت قرابة الرابعة عصراً بتوقيت الجزائر، من مطار جنيف، حيث شوهد موكب من بضع سيارات تتبع السلك القنصلي الجزائري، وهو ينطلق مسرعاً بين مستشفى المدينة والمطار، وقد رُكنت الطائرة الرئاسية، من نوع "غولفستريم"، في مرآب المطار أربع ساعات تنتظر الموكب الرئاسي، قبل أن تُقلع باتجاه مطار بوفاريك العسكري (40 كلم جنوب العاصمة).
قضى بوتفليقة أسبوعين في المستشفى الجامعي في جنيف، منذ 24 فبراير (شباط) الماضي. ومنذ بضعة أيام يتداول ناشطون أنباءً غير مؤكدة عن تدهور وضعه الصحي، لكن ما من جهة رسمية أكدت هذه الشائعات.
التضحية بحكومة أحمد أويحيى
تعيش الجزائر على وقع شائعات كثيرة، أبرزها إقالة وجوه ردد الشارع أسماءها بقوة في ثلاث مسيرات. وروج مقربون من الحكومة أنباءً عن إبعاد حكومة أحمد أويحيى، وربما إحداث تغييرات سريعة داخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين وإبعاد أمينه العام، عبد المجيد سيدي السعيد، الذي أودع، وفق أنباء، ملف تقاعده لدى مصالح وزارة العمل، الأحد.
إلا أن تغيير بعض الأسماء من الواجهة السياسية الرسمية، لم يغير شيئاً في واجهة إدارة الحملة الانتخابية للرئيس المرشح إلى ولاية خامسة. إذ أفاد عبد الغني زعلان، مدير حملة بوتفليقة الانتخابية، الأحد، بأن الرئيس "وجه تحية إلى المسيرات الشعبية وتحضُّر الشباب، الذي أصبح واعياً". ونبه زعلان إلى أن "المرشح بوتفليقة قال من دون مراوغة إنه سيقوم بتغيير النظام، وهذا المطلب الأساس للحراك الشعبي"، مشيراً إلى أنه "لن يبقى في الحكم سوى سنة واحدة بعد انتخابه لولاية خامسة".
وذكر زعلان أن بوتفليقة استعمل كلمة مباشرة "بعد الانتخابات ستكون هناك ندوة وطنية يحدد خلالها تاريخ الانتخابات الرئاسية المبكرة". وأشار إلى أن "الشارع تكلم عن العهدة الخامسة، وبوتفليقة لم يستعمل مفردات يصعب فهمها".
الجيش حاضر برسائله
بات جلياً أن الجيش الجزائري يحاول أن يكون فاعلاً بارزاً في الأحداث التي تشهدها الجزائر. لذا تتعدد رسائل رئيس أركانه أحمد قايد صالح، على الرغم من أنها لم تتجاوز حدود طمأنة المتظاهرين، إذ أثنى صالح، الأحد، في رابع رسالة له عن مسيرات الجزائريين، على "سلمية" الأخيرة، قائلاً إن "الشعب الجزائري أصيل وواع لجميع الرهانات المستقبلية". وأضاف أن "الجزائر محظوظة بشعبها والجيش محظوظ بشعبه".
"الحراك الشعبي" في مرحلة هيكلة
على نقيض ما تحضره السلطة من خيارات سياسية، بدأ فاعلون في حراك 22 فبراير بتقديم بدائل ضمن "ورقة طريق" يجري التحضير لها في سرية تامة. وعلمت "اندبندنت عربية" أن حملة الرئيس بوتفليقة وجهت دعوة إلى أربعة ناشطين في الحراك، في محاولة لإيجاد طرف ذي صدقية يمكنه البحث في مخارج دستورية للوضع الحالي.
وأفاد أحد الناشطين الجزائريين، الذي رفض الكشف عن هويته، بأنه كان أحد المدعوين الأربعة إلى مكتب مسؤول كبير في حملة بوتفليقة الانتخابية، وكان لهذا المسؤول نقاش، يقول المصدر، بشأن كيفية الخروج من الوضع الراهن. إذ اقترح الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية بالترتيبات نفسها، "على أن يقترح الحراك من يريد من الشخصيات المستقلة لترؤس ندوة وطنية يدعو إليها بوتفليقة في حال انتخابه لولاية خامسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحاول ناشطون في الحراك تقديم "ورقة طريق" من دون تقديم أنفسهم ممثلين عن مطالب الشارع. يقول المصدر إن "عدداً كبيراً من الحقوقيين والمحامين والإعلاميين وغيرهم التقوا عصر الأحد لإعداد هذه الورقة". ويُرجح، وفق المصدر نفسه، "تقديم مقترحات من خارج نص الدستور نهائياً".
وتتضمن مقترحات الحراك، وفق المصدر، "إعلان فترة انتقالية تبدأ من تشكيل لجنة عقلاء تعود رئاستها إلى شخصية تحظى بالرمزية"، بالتوازي مع "تأسيس حكومة كفايات وطنية تتولى التحضير للانتخابات الرئاسية".
"العصيان المدني" يلقى رواجاً
ربما غياب متحدث ذي صدقية عن حراك الشارع، قد دفع بالجزائريين إلى مواجهة مصائر غير معروفة. إذ استيقظ الجزائريون، الأحد، على مظاهر "عصيان مدني" شامل، بعدما أغلق معظم تجار التجزئة محالهم وتوقفت حركة النقل في محطات النقل البري في المحافظات وبين الولايات.
لكن غالبية الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ساءهم تصرف التجار، خصوصاً في ظل غياب جهة واضحة دعت إلى هذا العصيان، واختلطت أخبار الإضرابات في قطاعات التعليم والطاقة وعدد من القطاعات الوزارية، مع معطيات عصيان التجار.
وشهدت محطات الوقود طوابير غير منتهية وأفرغت المحال من المنتجات، مساء الأحد، فيما التزمت وزارة التجارة الصمت الكامل تجاه ما يحدث.
في المقابل، ندد الحاج الطاهر بولنوار، رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، بالنداءات التي أُطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودعت إلى عصيان مدني وإضرابات.
وقال بولنوار، الذي يترأس تنظيماً غير حكومي، إن قطاع "التجارة والتوزيع يضمن توفير السلع والبضائع للمستهلكين، وليس معنياً بنداءات العصيان المدني". أضاف "أسواق الجملة والتجزئة تبقى مفتوحة طوال أيام الأسبوع لتوفير السلع والخدمات للمواطنين والمواطنات، ولتجنّب فتح الأبواب لبارونات الإحتكار لرفع الأسعار".
اعتصامات قرب الجامعات
لكن "العصيان" الذي مارسه التجار، لم يكن المظهر الوحيد في الشارع مطلع هذا الأسبوع. فبعدما توجهت الأنظار إلى بوابات الجامعات ترقباً لاعتصامات دعا إليها الطلبة الرافضون قرار تقديم موعد العطلة، بدءاً من الأحد، كانت مسيرات تلاميذ الابتدائيات والمتوسطات والثانويات تجوب المدن، بعدما رفض قطاع واسع من الأساتذة الالتحاق بالمدارس.
ووجهت وزيرة التعليم نورية بن غبريت انتقادات إلى قطاعها، واصفةً خروج تلاميذ المدارس إلى الشارع بـ "الأمر الخطير". وأضافت "علينا جميعاً واجب أخلاقي والتزام ومسؤولية لحماية مدرستنا وتلاميذنا وأطفالنا".
وختمت "المدرسة، كونها مجانية وإجبارية، هي مدرسة الشعب. لنحافظ عليها جميعاً من كل عمل مقصود أو غير مقصود يهدف إلى تسييسها المفرط واستغلالها. لنعمل كلنا، أولياءً وأساتذة وتلاميذ على كلمة واحدة حتى تكون المدرسة الجزائرية فوق كل اعتبار".