تواصل الأسواق الموازية على الشبكة (العنكبوتية) المظلمة تقديم شتى أنواع المخدرات والأدوية التي يمكن تخيلها، حتى أثناء تفشي فيروس كورونا. ويستأثر الزبائن البريطانيون بالكثير من هذا النشاط في الوقت الحالي، أو بمعظمه في الواقع، بحسب تقرير أوروبي.
ويعتبر الحشيش المادة الأساسية التي تجذب المشترين الجدد للبائعين في السوق الموازية، في ما يقدّم الموردون مجموعة من الحوافز والتطمينات لضمان حدوث أقل قدر من التعطيل لتجارتهم. ويشيرون في رسائلهم إلى أنه "بسبب الأحداث العالمية الأخيرة خفّضنا الحد الأدنى للطلبات حتى يتمكن الجميع من التمتع خلال أوقات الحجر الصحي".
ويحرص آخرون على الإشارة إلى أن العمل يسير كالمعتاد. وهذا كلام يُراد منه تصغير حجم العمل الحالي وليس وصفه بدقة، لأن المبيعات زادت بشكل ملحوظ. ووفقاً للتقرير، تقدِّر سوق "كانازون" على الشبكة المظلمة أن الإمداد على مدى ثلاثة أشهر للسوق البريطانية، من باعة هولنديين في الغالب، بلغ 1.6 مليون طن متري، بقيمة 4.3 مليون يورو.
ومع ذلك فإن الزيادة في المبيعات لا تعني بالضرورة زيادة استهلاك الحشيش من جانب الأفراد، بل ربما تشير إلى وجود عمليات تخزين للحدّ من مخاوف تعثر خطوط الإمداد مستقبلاً.
يعكس هذا تناقضاً بين السوق الافتراضية وبين ما يحدث ظاهرياً في السوق الفعلية في المملكة المتحدة. فقد أصبحت الصفقات المباشرة محفوفة بالمخاطر، إذ إن حالة الإغلاق جعلت هذا النشاط مكشوفاً، حتى عندما يتنكّر التجّار بأزياء العاملين الصحيين أو بملابس الرياضيين. وينعكس هذا الخطر في ارتفاع أسعار معظم المخدرات، بما في ذلك الحشيش، ويمكن أن يفسر سبب لجوء بعض المتعاطين إلى الشبكة المظلمة، نظراً لتنافسية الأسعار وضمان الحصول على المادة التي عادة يتم توضيبها بشكل غير ملفت للنظر، لكن هذا السوق الجديد يتطلب تخطيطا مسبقا بدلا من شرائها بشكل غير منظم وعشوائي.
وهناك عامل آخر أكّده التقرير ويتمثل في تراجع مبيعات عقار "إكستاسي" المثير للنشوة، إذ إن العزل الاجتماعي يحول دون الحصول على النتيجة المنشودة من تعاطي هذه الأنواع من المخدرات. فلا فائدة من استخدام مخدر للاحتفال في غياب حفلة تذهب إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد يبدو كل هذا بسيطاً أو بلا عواقب، لكنه بالطبع ليس كذلك. فهذه التغييرات في العرض والطلب تؤثر تأثيراً حقيقياً للغاية على الأفراد ومن حولهم، إذ يمكن للأثرياء التحوّل بسرعة من سوق المخدرات الفعلية إلى الشبكة المظلمة، لأن لديهم الموارد والقدرة على فعل ذلك. وفي المقابل، يقتنع من لا يملك الوقت أو المال أو القدرة على التحول للسوق الموازية، بما يمكن الحصول عليه في السوق العادية. وقد تشمل هذه المجموعة المشردين أو السجناء، وكلتا الفئتين معروفتان بتعاطي الحشيش الصناعي، الذي لا يشبه الحشيش العضوي في التركيب الكيمياوي أو التأثير. وتعتبر الصين مورداً مهماً للحشيش الصناعي، وقد قلل (كوفيد-19) إمدادات هذا النوع من المخدر، ما دفع بعض المشردين إلى التحول لتعاطي مزيج من الكحول والهيروين.
في هذا الصدد، يتأثر التحول نحو تعاطي المخدرات من جهة، ومن الإدمان إلى التعافي من جهة ثانية، بعدم المساواة بشكل لافت. وهذا ما يفسّر سبب تعاطي الكثير من الناس للمخدرات، ووقوع بعضهم فقط في شرك الإدمان. ويتعلم الناس بسرعة كبيرة أن المخدرات توفّر ملجأً مؤقتاً ضد كؤوس المرارة التي جرّعتهم إياها الحياة. ففرصة تلقي معالجة من النوع المسمى "إعادة تأهيل سكني"، الذي يشتمل على برنامج لمعالجة المدمن في مقار سكنية خاصة، محدودة عندما لا تستطيع دفع الرسوم أو الابتعاد عن الوظيفة غير المؤمنة بعقد رسمي (أي لا تشتمل على الضمان الاجتماعي)، التي تعتمد عليها عائلتك في العيش. وقد تكيّف بعض مقدمي العلاج مع أزمة (كوفيد-19) فصاروا يعرضون إعادة تأهيل مكثفة خلال النهار، لكن بتكلفة 3000 جنيه إسترليني، وهو مبلغ سيكون بعيداً عن متناول العديد ممن يحتاجون لإعادة التأهيل.
لذا، إذا كنت تعتقد أن اللامساواة كانت مشكلة قبل هذه الجائحة، فتلك كانت نعيماً مبهجاً بالمقارنة مع ما يتعرض له أولئك الذين يقبعون في أسفل الهرم الاجتماعي. وكما هو الحال دائماً، يحصل الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة على أقل نسبة من الدعم، وهذه قاعدة ثابتة تقاوم التغيير بضراوة.
( إيان هاملتون بروفيسور مشارك في مجال علم الإدمان في جامعة يورك)
© The Independent