أثارت تركيا المخاوف من تصاعد التوتر، ليشتعل صراع على مصادر الطاقة في البحر الأبيض المتوسط، بشروعها في التنقيب عن النفط قبالة شواطئ قبرص، مستندةً إلى اتفاقية ترسيم الحدود المثيرة للجدل، التي وقّعتها مع حكومة "الوفاق" الليبية بداية العام الحالي .
وعاد الجدل حول ما يُعرف بملف "صراع منابع الطاقة في البحر المتوسط" إلى الواجهة، مع طلب أنقرة الإذن من "الوفاق"، للبدء في التنقيب عن النفط في المياه المتنازع عليها قبالة جزيرة قبرص، بالاعتماد على الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، المتضمنة إعادة ترسيم الحدود البحرية بينهما، والتي انتُقدت من دول معنية بالصراع على النفط والغاز في هذه المنطقة الجغرافية، تتقدمها مصر واليونان وقبرص وإيطاليا وفرنسا.
تصعيد تركي
وفور نقل وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية، خبراً مفاده أن "شركة البترول التركية الحكومية قدمت طلباً لحكومة طرابلس، للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط"، ثارت موجة من التصريحات المعترضة من الدول المتصارعة مع أنقرة حول هذا الملف، وردّت تركيا بتصريحات مضادة، ما أثار مخاوف من انفجار الوضع في مياه المتوسط، إذا ما أصرّت الأخيرة على المضي قدماً في مساعيها للتنقيب عن النفط والغاز، في المناطق المتنازع عليها .
وكان وزير الطاقة التركي، فاتح دونماز، قال في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، إن "أعمال الاستكشاف ستبدأ فور الانتهاء من عملية التنقيب".
معارضة أثينا وبروكسل
وبطبيعة الحال، رفضت اليونان مباشرةً الإجراءات التركية، التي اعتادت وصفها بـ"المستفزة" تجاه هذه القضية، ونجحت - كما يبدو- في الحصول على موقف جماعي مماثل من الاتحاد الأوروبي، إذ قال وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، أمس السبت، إن "الاتحاد الأوروبي دان في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء، تصعيد تركيا غير القانوني في شرق البحر المتوسط وبحر إيجه".
وأكد، في بيانٍ، أن "الإعلان المشترك رسالة معارضة واضحة وقوية، تتبع الإعلان المشترك الذي اعتمدته قبل أيام قليلة فرنسا ومصر وقبرص والإمارات واليونان"، مشدداً على ضرورة أن "تُفعّل عملية إيريني، لدعم تنفيذ الحظر المفروض على الأسلحة في ليبيا، والذي يعد إسهاماً كبيراً في تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق السلام في ليبيا والاستقرار في المنطقة"، على حدّ قوله.
ما صرّح به الوزير اليوناني أكده الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، بقوله إن "وزراء خارجية الاتحاد وافقوا على إعادة توجيه الرسالة لتركيا، عن أعمالها غير الشرعية في البحر المتوسط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، في تصريحات صحافية، أن "زعزعة الاستقرار تنامت في بعض المناطق مثل ليبيا، وأن كورونا زاد الأمر سوءاً، ونحثّ الأطراف كافة على عدم زعزعة الأوضاع".
هجوم على "إيريني"
وفي سياق متصل بتصعيد المواقف بين تركيا وأوروبا، هاجم وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عملية "إيريني" الأوروبية لمراقبة السواحل الليبية وتطبيق حظر توريد الأسلحة، ووقف تهريب النفط والاتّجار بالبشر، رداً على انتقاد بروكسل المتكرر للسياسات التركية في ليبيا والبحر المتوسط.
وزعم أكار، في لقاء تلفزيوني، أن "إيريني لا تتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة"، معتبراً "أنها تُعتبر بمثابة دعم للقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر".
وتساءل الوزير التركي "أطلقت بعض الدول الأوروبية عملية تحت اسم (إيريني)، فما تعريف هذه العملية في القانون الدولي؟ وهل تتناسب مع قرارات الأمم المتحدة؟ وهل نسقت هذه الدول العملية مع حلف شمال الأطلسي ودول المنطقة؟".
تطابق مواقف مصر- ليبيا
وفي تصريحات متطابقة في نوع المصادر والمضمون، استنكر عضوا لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمانين المصري والليبي، اللواء يحيى الكدواني والنائب الليبي طلال الميهوب "طلب أنقرة من حكومة الوفاق الإذن بالتنقيب عن البترول في شرق المتوسط".
وعدّ الكدواني الطلب التركي "نوعاً من التدخل السافر في شأن دولة ذات سيادة، وهي ليبيا"، واصفاً في تصريحات صحافية هذا الطلب بـ"أنه يهدف إلى عمل عدائي واضح من تركيا ضد ليبيا ودول ترسيم الحدود"، بحسب وصفه.
ورأى أن هذه الخطوة "استفزاز للدول التي لها أحقية التنقيب"، مؤكداً على "عدم وجود أحقية قانونية وفق القانون الدولي، لحصول تركيا على هذه الثروات الطبيعية".
كذلك استنكر الميهوب "الصمت الدولي تجاه ما تقوم به تركيا من عبث وإثارة للفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا والمنطقة "، محذراً من "مساعيها الرامية للسيطرة على المناطق الاستراتيجية في البحر المتوسط وتهديد مصالح الاتحاد الأوروبي وشعوب المنطقة".
رفض وتهديد
أما في الداخل الليبي، فقد رفض المجلس الأعلى لمناطق حوض النفط والغاز والمياه، تمكين فائز السراج الشركات التركية من التنقيب عن النفط والغاز، معتبراً أن رئيس حكومة طرابلس انصاع لمطالب أردوغان وخان الشعب الليبي وتعدّى على حقوقه".
وهدّد المجلس بـ"التصعيد في قضية حقول النفط المغلقة منذ أشهر، من قبل قبائل في الهلال النفطي وسط ليبيا، إذا استمرت التعديات التركية".
وفي قراءته الخاصة لهذا البيان والتهديد الصادر عن المجلس الأعلى لحوض النفط، قال الباحث والأكاديمي الليبي، جمال الشطشاط، لـ"اندبندنت عربية"، إن "هذا تصريح وتلميح واضح من قبل من تنتج مناطقه 80 في المئة من النفط الليبي، بنقل تبعية حقوله النفطية وإنتاجها للمؤسسة الليبية للنفط شرق ليبيا، التابعة بطبيعة الحال للجيش، رداً على استفزازات (الوفاق) وتعديات أنقرة، في كل ما له علاقة بالملف الليبي".
خطوة للضغط السياسي
وعقّب رئيس مجموعة العمل الوطني الليبية، خالد الترجمان، لـ"اندبندنت عربية"، على التصعيد الذي تشهده قضية منابع الطاقة المتوسطية، بتوجه تركيا للتنقيب في مناطق متنازع عليها، قائلاً "هذا الطلب وما ينمّ عنه من تصعيد، هو محاولة للردّ على بيان الاجتماع الخماسي لدول الجوار الإقليمي الليبي، الذي دان سياسات أنقرة في ليبيا، وتجاوزاتها بالتدخل العسكري المباشر في طرابلس بشكل متزايد، والذي صدر قبل أيام، عن مصر والإمارات واليونان وقبرص وفرنسا".
ووصف الترجمان هذه الخطوة بأنها "محاولة للضغط السياسي، أكثر من كونها خطوة واقعية قابلة للتنفيذ، بالنظر إلى عدم قانونية الاتفاقية التي يرتكز عليها، والموقعة بين السراج وأنقرة، التي ستسقط في أول جلسة تحكيم دولية، لو توسّع النزاع القانوني حولها".
وحول الردّ المتوقع من الدول الإقليمية المعنية بهذا النزاع، على التصعيد التركي الأخير، أوضح أن "موقف المحور الإقليمي الذي شكلته مصر تحديداً، لمواجهة مخاطر السياسات التركية في ليبيا وتهديدها لأمن المنطقة، بات واضحاً بعد البيان المذكور آنفاً"، معتبراً أن "تركيا ستتراجع خطوة إلى الوراء قريباً كونها غير قادرة على مواجهة تحالف بهذه القوة، من حيث فاعلية وقوة وتأثير الدول التي تتشكل منه".