في الوقت الذي سجّل الجنيه المصري أدنى مستوى في أكثر من 3 أشهر مقابل الدولار الأميركي، فإن الأزمة أكبر وأعنف في ما يتعلق باحتياطيّ النقد الأجنبي.
وتشير التعاملات الأخيرة في سوق الصرف المصرية إلى أن الجنيه سجّل أدنى مستوى في نحو 3 أشهر، وذلك بعدما نزل مقابل الدولار من 15.53 جنيه لكل دولار إلى نحو 15.78 جنيه في الوقت الحالي، متراجعاً 1.6 في المئة.
ويربط محللون ومصرفيون بين هذه الخسائر التي أصبحت تطارد الجنيه المصري، وبين الخسائر العنيفة التي واجهها احتياطي مصر من النقد الأجنبي، حيث تشير بيانات البنك المركزي إلى أن الاحتياطي تراجع بنحو 18.6 في المئة خلال نحو شهرين، وذلك بعدما فقد نحو 8.47 مليار دولار، متراجعاً من مستوى 45.5 مليار دولار بنهاية فبراير (شباط) الماضي إلى نحو 37.03 مليار دولار بنهاية أبريل (نيسان) الماضي.
وتستورد مصر بما يعادل نحو 5 مليارات دولار شهرياً من السلع والمنتجات من الخارج، بإجمالي سنويّ يقدر بأكثر من 55 مليار دولار. ووفق هذه الأرقام، فإن المتوسط الحالي لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي يغطي نحو 8 أشهر من الواردات السلعية.
مفاوضات جديدة للحصول على حزمة تمويل أكبر
في سوق الصرف، يجري تداول الدولار الأميركي في الوقت الحالي عند مستويات تتراوح ما بين 15.74 جنيه للبيع و 15.84 جنيه للشراء. وتسبّب القلق من جائحة فيروس كورونا المستجد في نزوح تدفقات كبيرة للاستثمار الأجنبي من مصر وأوقف قطاع السياحة، وهو مصدر رئيس للدولارات، كما أضرّ بتحويلات المصريين العاملين في الخارج في الدول الخليجية المعتمدة على النفط.
وفي ما تجري الحكومة المصرية مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي على حزمة دعم أكبر، بعد الحصول على شريحة تمويل قبل أيام بقيمة 2.77 مليار دولار، فإن التوقعات تشير إلى استمرار تهاوي العملة المصرية مع استمرار الاعتماد على القروض في تمويل عجز الموازنة ورفع قيمة احتياطي النقد.
وقبل أيام، وافق صندوق النقد الدولي على منح القاهرة شريحة بقيمة 2.77 مليار دولار من خلال أداة التمويل السريع بهدف المساعدة في سدّ فجوة في ميزان مدفوعاتها. وفي تقرير حديث، قالت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية الأسبوع الماضي إن اتفاق الاستعداد الائتماني سيجدّد على الأرجح التركيز على مرونة سعر الصرف، بخاصة إذا بقيت الاحتياطيات الأجنبية تتعرض لضغوط.
وأوضحت أن الجنيه المصري، الذي ارتفع بنسبة 11 في المئة مقابل الدولار خلال عام 2019، شهد الحدّ الأدنى من التقلبات منذ بداية 2020 رغم الصدمة التي سبّبها فيروس كورونا المستجد في أسواق الأصول والعملات.
وتفيد بيانات البنك المركزي المصري بأن المستثمرين الأجانب باعوا أكثر من نصف حيازاتهم من أذون الخزانة المصرية في مارس (آذار)، ليتراجع إجمالي الحيازات إلى 149.30 مليار جنيه (9.44 مليار دولار) في نهاية مارس الماضي، من 310.65 مليار في نهاية فبراير (شباط).
وأشار "المركزي المصري" إلى استمرار تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد على الأسواق العالمية للشهر الثاني على التوالي، وعلى أثرها تواصلت عمليات التخارج لاستثمارات الصناديق المالية الأجنبية من الأسواق الناشئة وكذلك الأسواق المصرية خلال أبريل الماضي، وإن كانت بوتيرة أقل من الشهر السابق الذي شهد ذروة تخارج المحافظ الاستثمارية.
مصادر تمويل احتياطي النقد بمصر
وتعتمد مصر على تمويل حصيلتها الدولارية من خلال القطاع السياحي وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، والصادرات، إضافة إلى رسوم العبور في قناة السويس، هذا بخلاف ما تحصل عليه من حزم تمويل وقروض من مؤسسات التمويل الدولية.
وتوقفت السياحة بالكامل تقريباً مع وقف الحكومة للرحلات الجوية في مارس الماضي. وكانت إيرادات القطاع بلغت 13 مليار دولار في 2019 أو ما يمثل نحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما بلغت تحويلات المصريين العاملين في الخارج نحو 26.78 مليار دولار في 2019، وسط توقعات باستمرار تراجعها خلال العام الحالي مع استمرار تداعيات الجائحة وتعرّض قطاع كبير من المصريين العاملين في الخارج لأزمات كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولدى تعليقها على الشريحة الجديدة التي تلقتها من صندوق النقد الدولي، قالت الحكومة المصرية إن التمويل الجديد يسهم في احتواء التداعيات الاقتصادية والمالية الخطيرة لجائحة كورونا، والتي تضرّر منها أكبر الاقتصادات العالمية. حيث تدعم حزمة التمويل جهود مصر في مواجهة تداعيات الفيروس، ومساعدة الاقتصاد في الحفاظ على مكتسبات نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي رفع معدلات النمو إلى 5.5 في المئة، وخفّض معدل البطالة إلى 7.5 في المئة، وذلك قبل ظهور كورونا.
كما يسمح التمويل الطارئ من خلال "أداة التمويل السريع" للحكومة المصرية، بمعالجة احتياجات ميزان المدفوعات العاجلة ودعم القطاعات الأكثر تضرراً وفئات المجتمع الأكثر احتياجاً، وقطاعات هامة مثل الصحة وزيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.
وأشار "المركزي المصري" إلى أنه ومن منطلق دوره في الحفاظ على استقرار الأسواق المصرية وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة عالمياً، استخدم خلال أبريل الماضي 3.1 مليار دولار من الاحتياطي النقدي لتغطية احتياجات السوق المصرية من النقد الأجنبي لضمان استيراد السلع الاستراتيجية. ولفت إلى قيامه بسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة التي تقدر بنحو 1.6 مليار دولار، التي تضمنت استحقاق سندات دولية بقيمة مليار دولار.
ولفت إلى خروج بعض المستثمرين من خلال آلية البنك المركزي لتحويل أموال المستثمرين الأجانب. وأكد أنه لن يتوانى عن اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة للحفاظ على استقرار الاقتصاد المصري في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها العالم.
وخلال الفترة الماضية، أعلن البنك المركزي المصري أنه والحكومة المصرية قاما "باتخاذ إجراءات استباقية وحاسمة للحفاظ على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتم التقدم بطلب لصندوق النقد الدولي للحصول على حزمة مالية طبقاً لبرنامج أداة التمويل السريع، وبرنامج اتفاق الاستعداد الائتماني".
وقال وزير المالية المصري، محمد معيط، في وقت سابق، إنه كانت هناك توقعات بتحقيق معدل نمو عند مستوى 6 في المئة بنهاية العام المالي الحالي، إلا أن النسبة تغيرت إلى 4.2 في المئة بسبب التأثير السلبي على الاقتصاد الذي خلّفه الوباء، كما توقعنا 7.2 في المئة عجزاً في ميزانية العام المالي الحالي، إلا أنه ارتفع إلى 7.9 في المئة بسبب الأزمة".
وأضاف "بعض إيراداتنا تأثر سلباً بسبب الوباء مثل تراجع حصيلة الضرائب، وفي نفس الوقت ارتفعت المصروفات"، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تسعى في الوقت الحالي نحو الفتح التدريجي للأنشطة الاقتصادية لتخفيف الضغط على المالية العامة.