شهدت أزمة تفشي وباء كورونا في دولة قطر تصاعد الانتقادات من قبل منظمات دولية، بشأن طريقة تعامل الإمارة الخليجية مع الأزمة، بدءاً من ملف العمالة الذي عاد إلى الواجهة من جديد بعد أن تحولت مساكن العمالة ومواقع عملها إلى بؤرة التفشي الأولى لتسجل معظم حالات الإصابة في الدوحة، وفق بيانات رسمية.
وبدأ ملف المعتقلين في السجون القطرية بالظهور على السطح، بعد أن سجل السجن المركزي في الدوحة 12 حالة إصابة بـ"كوفيد-19"، وفق ما أعلنت السلطات الصحية، مؤكدةً نقل كافة المصابين إلى إحدى المرافق الطبية المخصصة لاستقبال الإصابات القادمة من مراكز الاعتقال.
إلا أن منظمة الصحة العالمية أكدت في تقرير مفصل حول الوضع الصحي والإنساني في هذا السجن المركزي، أن الموقع بدأ يشهد انتشاراً للفيروس بين السجناء والموظفين، مؤكدة تلقيها وعوداً من سلطات السجون القطرية بمعالجة الأمر وأخذ خطوات عاجلة لتوفير الحماية للسجناء والعاملين داخل مقر الاعتقال.
"حيوانات في حظيرة"
وتقول المنظمة الدولية إنها نجحت في التواصل مع ستة مساجين داخل السجن، أكدوا لها عدم صحة الادعاءات القطرية في التعامل مع الأزمة، إذ وصف أحد السجناء، بحسب ما نقلته المنظمة، ظروف الاعتقال بأن الأمر أشبه باحتجاز "حيوانات في حظيرة" في إشارة إلى تكدس السجناء داخل العنابر "الناس ينامون على الأرض، في العنابر ومسجد السجن ومكتبته، الجميع خائفون من بعضهم البعض ولا نعرف من أين يمكن أن نتلقى العدوى، السجون مكتظة في الوقت الذي يجب أن نكون معزولين عن بعضنا"، مضيفاً "العنبر الذي يسكنه 150 سجيناً يحتوي على ثمانية حمّامات فقط".
ويشير التقرير إلى أن إدارة السجن باشرت بإغلاق العنبر الموبوء، لكن بعد أن أقدمت على نقل عدد من نزلائه إلى أقسام أخرى أكثر اكتظاظاً وأقل صحية، ما يفسر انتشار العدوى بشكل واسع في ظل تدني الخدمات الصحية داخل السجن، بحسب المنظمة.
معلومات غير متسقة وخطوات مرتبكة
ومما يضيفه التقرير، أن سلطات السجن أعطت معلومات غير متسقة وغير كاملة للسجناء، إذ أبلغهم أحد الحراس بشكل غير رسمي في 2 مايو (أيار) الحالي عن تسجيل خمس إصابات في أحد العنابر، وبعد ثلاثة أيام تلقوا معلومة جديدة من حارس آخر يؤكد فيها تسجيل 47 حالة.
ويعلق السجين على الأمر "بعد أن تلقينا الأخبار من حراس السجن لم تقم السلطات بإجراءات لاستيعاب الأزمة، بل على العكس، وصل المزيد من السجناء وربما بعضهم مصاب إلى عنبرنا، ليتجاوز عدد النزلاء 150 في حين أن العنبر يحتوي على 96 سريراً وثمانية حمّامات فقط".
ورغم عدم تلقي السجناء المعلومات بشكل رسمي من إدارة السجن، فإن حراسه وموظفيه بدؤوا منذ أسبوع بارتداء الكمامات والقفازات، مع توقف الطاقم الطبي عن زيارتهم وتوقفت عمليات إرسال المرضى للمعاينة في المستشفيات المحيطة، رغم ملاحظة السجناء إصابة بعض النزلاء بالإنفلونزا، لكن لا أحد يأتي للتثبت مما إذا كانت عرضاً للفيروس المستجد أم لا.
وقال سجين آخر "لم يعد يأتي الممرضون الذين يعطون حقن الأنسولين لمرضى السكري، بل يقوم الحراس بتوزيع حقن الأنسولين ويحقن المرضى أنفسهم".
وأضاف آخرون أنهم لا يحصلون على ما يكفي من الماء والصابون أو مطهر اليدين، وأن تدابير التباعد الاجتماعي مستحيلة في ظل هذا الازدحام، وقال اثنان نقلت عنهما المنظمة "تم تسليم كمامتين فقط لكل منا، ولم يزرنا أحد لتعقيم المهاجع، ولا نزال نحصل على لوح صابون واحد في الشهر لكل سجين، رغم الحاجة إلى بروتوكولات تنظيف أفضل أثناء الوباء". بينما قال آخر "أمس أعطاني الحراس كمامتين للمرة الأولى وطلبوا مني ارتداء واحدة، لكن معظم السجناء وضعوها بعيداً ولا يهتم الحراس بالأمر، ولا يطلبون من أحد ارتداءها".
مطالبات بخطوات عملية
وطالبت "هيومن رايتس ووتش" السلطات القطرية بخفض عدد السجناء عبر الإفراج المُبكر عن المحتجزين الذين لا يشكلون خطورة كبيرة، بمن فيهم المحتجزون على ذمة التحقيق بسبب جرائم غير عنيفة أو جنح، أو أي من الذين يكون احتجازهم غير ضروري أو غير مبرر.
إضافة إلى السجناء الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالفيروس، مثل كبار السن والأشخاص الذين لديهم حالات مرضية سابقة، مع مراعاة ما إذا كان مرفق الاحتجاز فيه المقومات التي تحمي صحتهم، بما في ذلك الحصول على العلاج المناسب، والخطوات التي ستتخذها لاحتواء العدوى وحماية السجناء والموظفين والزائرين.
وقال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، "يمكن لانتشار الفيروس المُبلَغ عنه في سجن قطر المركزي أن يصبح كارثة على الصحة العامة، فلدى السلطات القطرية القدرة على تخفيف الضرر، لكن عليها التحرّك سريعاً وبحزم".
قطر ترفض الاتهامات
ورفضت الدوحة الاتهامات الموجهة إليها واصفةً إياها بـ"ادعاءات عارية عن الصحة"، مؤكدة أن عدد الإصابات لم يتجاوز 12 حالة، تم نقل اثنين منها إلى مرفق طبي مخصص لاستقبال الحالات الحرجة بعد تفاقم حالتهم الصحية، في حين يتلقى البقية الرعاية الطبية اللازمة.
وقالت السلطات القطرية إن تقرير منظمة حقوق الإنسان الدولية، يستند إلى شائعات وتكهنات تعود إلى مقابلات محدودة لم يتم التحقق من مصداقيتها، بهدف تشتيت الانتباه عن جهود ونجاحات الدولة في معالجة فيروس كورونا في البلاد، بحسب البيان القطري.
وتؤكد السلطات أنها طبقت سلسلة من الإجراءات الصارمة داخل السجن المركزي، لحماية السجناء من خطر الإصابة والحد من انتشار كورونا داخل السجن، وتم تطبيق منهجية استباقية للفحص، رغم تأكيد السلطات في موضع آخر من البيان أنها سجلت عدداً من الحالات اختلفت التقارير المحلية والدولية في تقديره.
ولم تجب السلطات القطرية عن تساؤلات "اندبندنت عربية" حول تفاصيل هذه الإجراءات التي تدعي اتخاذها داخل السجن الموبوء.
وكانت الحكومة في الإمارة الخليجية تعرضت قبل أشهر من الآن لأسباب مشابهة، طالت تعاملها مع ملف العمالة التي تعيش بطريقة غير صحية في مواقع لا تتوافر فيها فرص التباعد الاجتماعي والرعاية الصحية، ما حول مهاجع العمّال ومواقع عملهم إلى بؤرة تفشي الفيروس في الدوحة، ما دفع السلطات إلى إغلاق "المنطقة الصناعية" التي تتكدس فيها العمالة الآسيوية.