ظل السودانيون فترات طويلة، بعد الاستقلال في 1956، يبحثون عن مخرج لقضايا عالقة وأبرزها مسألة الهويات الثقافية والدينية، لكن الحلول والاتفاقيات التي تم التوصل إليها بقيت قاصرة ولم تعبر عن إرادة الشعب ولم تعالج تلك القضايا من جذورها.
يعتبر عضو مجلس السيادة والناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي المفاوض مع الحركات المسلحة، محمد حسن التعايشي، أن "السودانيين بشكل عام ظلوا خلال الفترة السابقة يتناولون في نقاشاتهم القضايا المرتبطة بهوية الدولة، التي تشمل الهويات الثقافية والدينية، بالتركيز على مسألة علاقة الدين بالدولة، لكنهم أهملوا إلى حد كبير علاقة الدين والدولة بالهويات الثقافية". ويلفت إلى أن طبيعة التنوع الديني والثقافي والعرقي في المجتمع السوداني يتطلب من السياسيين الفاعلين التوصل إلى صيغة تجعل الدولة للجميع مع اختلاف التنوعات الثقافية والدينية والعرقية.
ويحمّل التعايشي الرعيل الأول من السياسيين، الذين قادوا البلاد بعد الاستقلال، مسؤولية عدم الاهتمام بقضية الدين والهوية الثقافية، وانحازوا إلى صيغة الدولة العروبية الإسلامية، ما فجر مشكلات كثيرة جداً في السودان، من أهمها اندلاع الحرب الأهلية الأولى في الجنوب، وكانت القضية الأساسية المطروحة هي إدارة التنوع، والسؤال الملح آنذاك هو هل نستطيع التوافق على صيغة تمكّننا من إدارة الدولة بما يحفظ وحدة السودان أرضاً وشعباً في إطار الاعتراف بالهويات الثقافية والدينية أم لا؟
التهميش التنموي
ويعتقد التعايشي، أنه لا بد من طرح مسألة التنمية وعدم التهميش. إذ ليس بالإمكان أن نؤسس دولة، في ظل التعدد الثقافي والعرقي والديني، على أساس ديني محدد، أو على أساس عرقي محدد، أو على أساس إثني محدد". ويخلص إلى أن "الخيار الوحيد، إذا أردنا الحفاظ على السودان، هو الاتفاق على صيغة تجعل المواطنة أساس الحقوق كلها، بغض النظر عن الانتماءات الثقافية. وهو ما يجب النص عليه بوضوح في الدستور. بل يجب أن يتضمن النص، الاعتراف بأن الحقوق في السودان تُبنى على أساس المواطنة. ما يعني أن تقودنا المواطنة إلى مراجعة القوانين، ولا سيما القانون الجنائي، على أن نتفق على قانون للأحوال الشخصية يضمن التنوع والتعدد ويحمي الهويات الثقافية والدينية.
وحدة الصف
لا يجد الدكتور محمد خليفة، الاختصاصي في العلوم السياسية، جدوى من مناقشة قضية الهوية خلال مفاوضات السلام في الفترة انتقالية، لكونها تهم السودانيين كافة. ويرى ضرورة أن تُترك للمؤتمر الدستوري المزمع عقده في نهاية فترة الحكم الانتقالي بمشاركة السودانيين بكل فئاتهم وانتماءاتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتابع "الحركات المسلحة تعرف عجلة الحكومة الانتقالية لتحقيق السلام، لذلك ترفع سقف طلباتها، وعلى الحكومة ألا تستجيب لهذا الابتزاز. وإذا وصلت إلى طريق مسدود مع الحركات، عليها أن تعلق المفاوضات وتصارح السودانيين بتعنت الحركات".
ويلاحظ أن السودانيين لا يريدون سلاماً بأي ثمن، بل يسعون إلى سلام قائم على العدالة كما هو شعار ثورة ديسمبر (كانون الأول) المتمثل في السلام والحرية والعدالة. وهذا يعني أن يكون السلام المطلوب معقولاً ومقبولاً ليس فيه تنازل عن هوية الأمة. ومبدأ المواطنة الذي أقرته الوثيقة الدستورية هو ما يضمن للجميع حرية العقيدة والعبادة وحماية التنوع الثقافي والديني والعرقي".
شفافية ووضوح
يؤكد القيادي في قوى الحرية والتغيير المعز حضرة أن قضية الهوية واحدة من المشاكل المعقدة التي تحتاج إلى مناقشة شفافة، مشيراً إلى أن السودان ظل منذ القدم يتميز عن كثير من دول العالم بتنوعه الثقافي والعرقي والديني والإثني، حيث يضم أكثر من 50 مجموعة إثنية تتفرع منها أكثر من 400 قبيلة، لكل منها لغة ولهجة خاصة بها. وتتوزع هذه القبائل في مختلف مناطق السودان.
يضيف "من هذا المنطلق، ظلت قضية هوية الدولة السودانية محل خلاف بين المجموعات السياسية والثقافية والدينية، فلكل واحدة منها رؤيتها الخاصة، لكن في الآونة الأخيرة حدث شبه تقارب بين معظم تلك المجموعات، وعلى أن تكون المواطنة أساس الحقوق".
ويرى حضرة أن الهوية السودانية ثنائية التكوين وتقع ما بين الأفريقية والعروبية، وبدلاً من أن تُترجم بالتعايش والتسامح تدافعت عليها الحروب الأهلية والتهميش والإقصاء.
ويأمل حضرة في أن "تُحرز مفاوضات السلام الجارية في جوبا تقدّماً، خصوصاً في شأن الهوية، كي تنطلق بلادنا نحو التنمية".