في المملكة المتحدة، حذَّر أحد كبار المديرين في "هيئة الخدمة الصحية الوطنية" (إن. إتش. أس) NHS من أن الأطفال يكابدون اعتلالاً في صحتهم العقلية والنفسية نتيجة حال الإغلاق التي فرضها فيروس كورونا، فيما كشف خبراء أن في مقدور الفيروس أن يصيب الدماغ ويسبّب اضطرابات نفسية يطول أمدها إلى ما يربو على عقد من الزمن.
في حلقة نقاشية عبر الإنترنت، أخبر البروفيسور تيم كيندال، المدير السريريّ الوطنيّ للصحة العقلية في "إن. إتش. إس. إنغلاند"، "الجمعية الملكية للطب" Royal Society of Medicine بأنّ تأثير الإغلاق قد أضر بالأطفال بشدة "من دون أدنى شك"، مضيفاً أنه طُلب إلى مؤسسات الصحة الوطنية "أن تبدأ بالتحلي بعزم أكثر على الخروج وإيجاد الأطفال" الذين يمرّون بصعوبات.
تأتي تعليقات كيندال في أعقاب تحذيرات مماثلة أطلقها أطباء نفسيِّون وجمعيات خيريّة بشأن ما وصفوه بـ"طوفان" من (مشاكل) الصحة العقلية والنفسية المتدهورة فيما يتماثل آلاف من المرضى للشفاء بعدما احتاجوا إلى علاجات في وحدات العناية المركّزة، ذلك إلى جانب الآثار التي يخلِّفها الإغلاق والضرر الذي يمس الاقتصاد.
على المنوال نفسه، قال البروفيسور إد بولمور، وهو عالم أعصاب في جامعة "كامبريدج" البريطانية، إنّ ثمة أدلة كافية الآن كي نعتبر أنّ فيروس "سارس- كوف- 2" يسبِّب "مرضاً عصبياً"، وقال إن من الوارد أن تستمر التأثيرات النفسية إلى ما يزيد على عقد من الزمن.
كذلك ذكر أن بحوثاً أظهرت أن عدداً من مرضى "كوفيد-19" عانوا "نوعاً من حالة ذهنية مضطربة"، مضيفاً أن ذلك يشمل "حالات من اضطراب المزاج الذهانيّ والقصور الإدراكي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في كلام بولمور، "لا نعرف بالضرورة أسباب ذلك التسمّم العصبي. ربما يكون السبب أن الفيروس يصيب الدماغ، ويُحتمل أن الاستجابة المناعيّة تجاه الفيروس تتلف الدماغ، أو ربما ينتج ذلك عن تدفق الدم إلى الدماغ. تبدو تلك الآليات كافة منطقية في الوقت الراهن".
وقال إن بيانات بشأن الإصابات السابقة بفيروسي "سارس" و"ميرس" أشارت إلى احتمال ظهور ضرر (نفسي) طويل الأمد.
وذكر بولمور، "عندما تنظر في نوع الآثار الجانبية النفسية الطويلة الأجل (عواقب المرض) للوباءين (سارس وميرس)، تجد أنها بالغة الشدة. في متابعة على مدى 12 سنة عقب المرض الحاد، كانوا يجدون تردّدات مرتفعة جداً من اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق والأرق والقصور الإدراكي المعتدل. يجدر بنا أن نتعامل مع هذا الداء بجدية شديدة من منظور نفسي وعصبي، ليس الآن فحسب، إنما ربما لأشهر وسنوات مقبلة".
خلال المناقشة عبر الإنترنت أيضاً، صرّح البروفيسور كيندال، وهو طبيب نفسي استشاري، أن "القلق الرئيس" الذي يعتريه هو (حول حال) الصحة العقلية والنفسية للأطفال.
وذكر أن المكالمات الواردة إلى خط المساعدة الخاص بخدمة "تشايلدلاين" Childline البريطانية ارتفعت بنسبة 50 في المئة خلال الأشهر الأخيرة.
وأضاف "أسمع عن آباء وأمهات يعانون فعلاً في محاولاتهم تعليم الأطفال في المنزل، ويكافحون مع أطفال يواجهون مشكلات في النمو العصبي من قبيل قصور الانتباه وفرط الحركة والتوحد ADHD and autism. أعتقد الآن أن هؤلاء الصغار يتعرّضون لضغط نفسي".
"في اعتقادي، لا شكّ في أنه وفقاً للبيانات التي نحصل عليها الآن، ونحن ندقّق فيها، يواجه الأطفال واليافعون المصابون بالتوحّد، أو قصور الانتباه وفرط الحركة بشكل خاص، بل الأطفال والشباب عموماً، على ما أظن، معاناة شديدة مع الإغلاق"، على ما ذكر كيندال.
وأضاف "نعمل على الاستعداد لهذا الأمر. لذا نتحدّث إلى رؤساء تنفيذيِّين ومديرين طبيِّين، ونساعد مؤسسات في أنحاء البلاد على أن تتقدّم وتبدأ بالتحلي بعزم أكثر على الخروج وإيجاد الأطفال".
وقال البروفيسور كيندال إن سيمون ستيفنز، الرئيس التنفيذي لـ"إن. إتش. إس إنغلاند"، ساند التوسّع في تقديم خدمات الصحة العقلية والنفسية كجزء من وعود قطعتها الخطة الطويلة الأجل للخدمة الصحية، ويجري تتبع النفقات بغية التأكد من وصولها (هذه المخصصات) إلى مستحقيها في الخطوط الأمامية.
وأردف "تكشّفت الحقيقة. يدرك الجميع أن للصحة العقلية والنفسية نتائج سيئة على الصحة الجسدية والاقتصاد، وما إلى ذلك. لذا، الآن هو الوقت المناسب للحرص على إبقاء الصحة العقلية والنفسية في حال سليمة. لن نكفّ عن الحرص على تحقيق ذلك، وسيمون ستيفنز يقف خلف ذلك تماماً. أعتقد أننا ما زلنا نحظى بفرصة جيدة جداً كي نجعل ذلك حقيقة".
© The Independent