قبل ظهور كورونا كانت النظريات الاقتصادية تشير إلى أنه مع كل صعود في العملة الأميركية، فإن سوق الأصول الآمنة بقيادة الذهب تنزل بالنسب نفسها التي يحققها الدولار الأميركي، وعلى العكس، فإنّ كل نزول في قيمة الورقة الأميركية الخضراء يقابله صعود في أسعار الذهب.
لكن، وجود مخاطر وتداعيات فيروس كورونا المستجد كسر هذا المنطق، وخالف النظريات الاقتصادية القائمة، إذ تشير البيانات والأرقام المتاحة إلى أن العملة الأميركية تواصل النزيف مقابل سلة العملات العالمية، وفي الوقت نفسه فإن المعدن النفيس فقدَ أكثر من 68 دولاراً من قيمته خلال تعاملات الأسبوع الماضي، وهو أمر نادر الحدوث في عصر ما قبل ظهور كورونا.
وتشير البيانات، إلى أن الدولار الأميركي يشهد منذ فترة تراجعاً ملحوظاً مقابل غالبية العملات الرئيسة الأخرى في الآونة الأخيرة، وفي الوقت نفسه ينزل الذهب، فما السر وراء تغيير المعادلة والنظرية القائلة إن سعر الدولار والذهب يسيران في اتجاه مناقض؟
المستثمرون يتجهون إلى سوق الأصول الخطرة
تشير مذكرة بحثية حديثة، إلى أنه وفي العموم، فإن الهبوط في سعر صرف الورقة الأميركية الخضراء جاء مدفوعاً بإقبال المستثمرين على الأصول الخطرة، وهو ما يتعارض مع السمة التي اكتسبتها الورقة الخضراء أخيراً، باعتبارها أحد الملاذات الآمنة في أوقات عدم اليقين سواء الاقتصادي أو السياسي.
وذكرت وحدة أبحاث "مباشر"، أن هذا التراجع في قيمة العملة الأميركية مستمر وسط آمال قوية بشأن التعافي الاقتصادي العالمي من الضربة التي خلّفها وباء "كوفيد 19"، إذ إن المزيد من الاقتصادات تتخذ خطوات تدريجية لإعادة الفتح بعد أشهر من الإغلاق.
وسيطر اللون الأحمر على تعاملات الدولار الأميركي مقابل عدد من العملات، مثل اليورو والجنيه الإسترليني والكرونة النرويجية والسويدية والدولار الكندي، إذ تضغط الاحتجاجات ضد العنصرية في الولايات المتحدة على الورقة الأميركية الخضراء.
وفي الأسبوع الماضي، اندلعت مظاهرات تطوّرت في وقت لاحق إلى أعمال عنف في الولايات المتحدة تندد بمقتل مواطن أميركي من أصل أفريقي يُدعى جورج فلويد على يد أحد أفراد الشرطة.
وتراجع مؤشر الدولار الرئيسي، الذي يتبع أداء الورقة الأميركية مقابل ست عملات رئيسة أخرى في تعاملات الأربعاء إلى أدنى مستوى منذ الـ11 من مارس (آذار) الماضي.
الدولار يستعد لدخول سوق هابطة
كبير محللي السوق في مجموعة "جيه إف دي"، تشارلامبوس بيسورس، يرى أن "المستثمرين يواصلون التطلع إلى ما بعد التوترات الأميركية الصينية والاضطرابات المدنية في الولايات المتحدة".
وتتزامن الخسائر في جانب العملة الأميركية مع المكاسب المستمرة داخل "وول ستريت" على الرغم من التوترات السياسية داخل الولايات المتحدة. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه قد ينشر الجيش من أجل قمع الاحتجاجات.
بينما حذّر المحللون الاستراتيجيون بمجموعة "سيتي غروب"، من أن الدولار الأميركي قد يستعد لدخول سوق هابطة ربما لفترة تصل إلى نحو عقد من الزمن. وأشاروا إلى أنه إذا كان الاقتصاد العالمي قد وصل إلى القاع، وسيتعافى مجدداً، وكانت معدلات الفائدة الأميركية عند مستوى الصفر، وكانت إمكانات النمو أقل من الأسواق الناشئة، يمكن أن نرى الدولار يدخل في سوق هابطة قد تدوم مدة تتراوح بين خمسة وعشرة أعوام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستمر الدولار الأميركي بذلك الهبوط في موجة من الخسائر تدخل يومها السادس على التوالي حتى تعاملات الأربعاء الماضي، إذ إن المكاسب شبه المتواصلة لأكثر من عامين قد تكون وصلت إلى النهاية في مارس (آذار) الماضي.
وأشار مصرف "غولدمان ساكس"، في مذكرة بحثية حديثة، إلى أن "الوضع الآن قد تغيّر مقارنة برؤيتهم السابقة التي كانت لا تفضّل الرهان على هبوط الدولار الأميركي في المحافظ الاستثمارية خلال الأشهر القليلة الماضية". وأوضح أن الاقتصادات الكبرى بما في ذلك الصين بدأت إعادة الفتح وسط انخفاض معدلات الإصابة، مع الإشارة إلى أنه من المناسب الآن بالنسبة إلى المستثمرين اتخاذ مراكز هبوطية للدولار في محافظهم الاستثمارية.
وكتب المحللون في بنك "جي بي مورغان"، خلال مذكرة بحثية حديثة، أن المعنويات الأكثر إشراقاً بشأن النمو العالمي جنباً إلى جنب مع تخفيف قواعد الإغلاق باتت محركاً رئيساً لعمليات بيع الدولار.
وفي مارس الماضي، صعد الدولار الأميركي مع وصول المخاوف حيال تفشي وباء كورونا المستجد إلى الذروة، وتكالبْ المستثمرين على عملة الاحتياطي العالمية باعتبارها عنصر أمان. ومنذ ذلك الحين، كانت المخاطر المتزايدة في منطقة اليورو والتوترات بين الولايات المتحدة والصين سواء تجارية أو بشأن المسؤولية عن تفشي الوباء، وأخيراً حول فرض سيطرة صينية على هونغ كونغ، شجّعت رهانات الملاذ الآمن ما حافظ على قوة الدولار.
بينما يرى "دويتشه بنك"، أن المسألة البارزة في سوق العملات الأجنبية هذا العام هي مرونة الدولار. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الدولار لا يزال يشهد مكاسب تتجاوز 11 في المئة منذ بداية العام الحالي وحتى الآن، مع حقيقة أن المؤشر تجاوز 102 في تعاملات الـ20 من مارس الماضي.
خسائر أسبوعية قوية للمعدن النفيس
في سوق الأصول والملاذات الآمنة، تراجعت أسعار الذهب بأكثر من 44 دولاراً عند تسوية تعاملات أمس الجمعة، عقب صدور تقرير الوظائف الشهري في الولايات المتحدة الأميركية، ليسجّل المعدن النفيس خسائر أسبوعية قوية، إذ أظهر تقرير الوظائف الأميركي أن اقتصاد الولايات المتحدة أضاف 2.5 مليون وظيفة إلى سوق العمل داخل الولايات المتحدة خلال مايو (أيار) الماضي بعكس توقعات المحللين، ما أدّى إلى تراجع معدّل البطالة إلى 13.3 في المئة.
في حين تراجعت أجور العاملين في الولايات المتحدة خلال مايو (أيار) الماضي. ويأتي الهبوط في أسعار المعدن النفيس وسط آمال تعافي الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يقلص شهية المستثمرين حيال الأصول الآمنة.
وابتعد المستثمرون عن حيازة الذهب لصالح الأصول الخطرة، مع المكاسب القوية التي حققتها أسواق الأسهم الأميركية خلال الفترة الأخيرة، إذ ربح "داو جونز" نحو 1000 نقطة خلال التداولات.
وعند تسوية الجلسة، تراجع سعر العقود الآجلة لمعدن الذهب تسليم أغسطس (آب) المقبل بنحو 2.6 في المئة، أو ما يوازي 44.40 دولار إلى مستوى 1683 دولاراً للأوقية عند أدنى مستوى لهذا العقد الأكثر نشاطاً منذ الثالث من أبريل (نيسان) الماضي. وسجّل المعدن الأصفر خسائر أسبوعية بلغت 3.9 في المئة، أو ما يعادل 68.7 دولار.
ووفق الأرقام المتاحة، هبط سعر التسليم الفوري من المعدن النفيس 1.9 في المئة أو ما يعادل 32.46 دولار، مسجلاً مستوى 1681.38 دولار للأوقية. وخلال التوقيت نفسه، ارتفع المؤشر الرئيس للدولار الذي يتبع أداء الورقة الأميركية مقابل ست عملات رئيسة 0.3 في المئة، مسجلاً 96.979 نقطة.