بعدما كان الراب في المغرب خاصاً بالرجال، بدأ جيل جديد من الفنانات المغربيات منذ سنوات يخترقن هذا العالم الذكوري، ويُدافعن بشجاعة عن قضايا المرأة، بكلمات توصف بالجريئة، ما يُعرضهن للهجوم. وبفضل مواقع التواصل الاجتماعي، حقّقت نجمات الراب انتشاراً وملايين المشاهدة. تُلقب بـ"سلطانة" واسمها يسرا مغنية الراب الأولى في المغرب، ويُلقبها جمهورها بـ"صوت النساء" بسبب تناولها في أغانيها معاناة المرأة في الهامش.
تروي سلطانة عن بدايتها، "كُنت أسمع موسيقى الراب في المركز الأميركي للغات، وتعرفت إلى هذا النوع من الفن في شوارع مدينة الدار البيضاء".
تعرضت سلطانة للانتقادات بسب كلمات أغانيها الجريئة، وتفسّر ذلك بأنه "طبيعي، لأنهم لم يعيشوا التجارب نفسها التي تعيشها النساء. اليوم، هناك نساء مشردات ونساء محرومات في الجبال، هل علينا أن نصمت ولا نتحدث عن معاناتهن".
"أن نغير طريقة تفكير المجتمع"
تضع سلطانة قضية نساء الهامش أولويّة بالنسبة إليها، وستستمر في الكشف عن المسكوت عنه في المجتمع المغربي، للدفاع عن حقوق المرأة وإبراز المعايير المزدوجة للرجال.
وسلطانة هي المغنية الأولى التي أنشأت فرقة راب نسوية، تحمل اسم "تيغريس فلو"، وتضم أربع فتيات. لكن، على الرغم من تتويجهن بجائزة جيل شباب مهرجان موازين وجائزة "صوت أوف ذو بلاد"، لم تستمر المجموعة بسبب التحديات المادية والاجتماعية. وبعد توقف شريكاتها في الفرقة، استمرت لتُعبر عن الفقر والهشاشة والضياع وانكسار أحلام الشباب.
وتُشارك سلطانة في محاضرات وندوات دولية للتعريف بفن الراب، وتتحدث عن تجارب نون النسوة في هذا العالم. وتقول "نحن لا نغني عن الحب أو الخيانة، بل نتناول مشاكل حياتنا وما نعيشه ونُحاول من خلال كلمات أغانينا أن نُغير طريقة تفكير المجتمع".
وتؤمن المتحدثة ذاتها بأنّ في قدرة الراب النسائي إيصال صوت المرأة، و"نحن نطرح مشاكل ممتهنات الجنس والتحرش الجنسي والعنف وغيرها من المشاكل التي تواجه النساء في المجتمع".
لم يكن سهلاً على سلطانة أن تستمر في غناء الراب، بسبب الصعوبات المادية ونظرة المجتمع إلى النساء في هذا المجال. وقد "ناضلتُ لأجل أن أكون مغنية راب، وأتمنى أن أكون قد نجحت في فتح المجال لنساء أخريات لاقتحام هذا العالم، وطرح قضايا المجتمع بجرأة".
"سأفعل ما بدا لي"
وتعرض فنانة الراب منال بنشليخة معاناة النساء مع التحرش الجنسي، قائلة في إحدى أغانيها "سأفعل ما بدا لي"، لتُعبر عن حق النساء في ارتداء ما يرغبن، وأن يُواجهن المتحرش ولا يصمتن خوفاً من العار.
بأسنان مغلفة وضفائر متمردة، رفقة فتيات، تظهر منال في أغانيها، لتُعبر عن انتقادها للتحرش الجنسي والتمييز ضد المرأة، ولتكون من الشابات القلائل اللواتي اخترن توظيف الراب لطرح قضايا النساء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واقتحمت مغنية الراب "ختك" هذا النوع الموسيقي، ولقيت الدعم من محبي موسيقى الراب، وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في ظهورها على الساحة الفنية.
واختارت اسم "ختك" لكسر تابو يقترن بالأخت، مشيرة إلى أنّ الرجال في موسيقى الراب في المغرب يشتمون شقيقات بعضهن بعضاً بكلمات نابية، معتبرة أنّ اختيارها هذا الاسم هو تأكيد أنّ عبارة اختك ليست إهانة.
وتستخدم مغنية الراب إيلي أو إلهام بنت الستاتي كلمات توصف بأنها غير محتشمة في أغانيها. ما جعلها عرضة للانتقاد، وتعرضت لهجوم بقنانٍ بلاستيكية والشتم خلال صعودها منصة مهرجان "البولفار".
"من تختار الراب يجب أن تكون قوية"
وسط هذه الظروف القاسية، تتوقف فنانات وتنسحبن من مجال الفن. وتقول سهام البالغة من العمر 38 سنة، "كُنت أعشق غناء الراب، وأرافق أبناء حيّنا في الحفلات للغناء، كنت متحمسة جداً. لكن طبيعة المجتمع والظروف منعتني من الاستمرار، وقررت التوقف".
وتُتابع "أهم شرط للاستمرار هو الاستقلالية المادية، ومجال الراب غير مربح، لهذا من الصعب المواصلة. المرأة على خلاف الرجل في مجتمعنا تواجهها صعوبات وتحديات مضاعفة وبعد الزواج تتغير حياتها".
وتلاحظ نبيلة ناصيري، طالبة جامعية مغربية، أن "ليس سهلاً أن يتقبل الجمهور المغربي امرأة تشتم في أغانيها، لهذا من الصعب على الفتيات الاستمرار في هذا المجال".
وتُضيف، "فن الراب صعب على الرجال أيضاً، أعتقد بأنّه فن لا يليق بالمرأة ويُعرضها للانتقادات".
أما هدى، وهي طالبة في معهد الموسيقى، فتعتقد بأنّ "من حق النساء أن يُغنين الراب، لأنهنّ مؤهلات أكثر للتعبير عن واقع النساء".
وكذلك أشرف، طالب جامعي، يؤمن بأن "على من تختار الراب أن تكون قوية وتتحمل انتقادات المجتمع المغربي، الذي لم يعتد على حضور النساء في هذا المجال".