تدفع التغيّرات المناخية أبناء القرى في جنوب شرقي المغرب، إلى المخاطرة بحياتهم للهجرة إلى الدول الأوروبية بحثاً عن مورد رزق.
وكما حال الكثيرين، فقد اضطر عبد الرحمن الذي لم يتجاوز 16 سنة، وينحدر من إقليم زاكورة، إلى ترك قريته والذهاب إلى أوروبا، أملاً في أن يجد مستقبلاً أفضل. ويقول في حديث لـ "اندبندنت عربية"، "لا مستقبل لي في قريتي، أهالي القرية يُعانون من الفقر بسبب الجفاف".
"لا زلتُ أخاطر بحياتي"
عبد الرحمن موجود حالياً في مدينة مليلية الخاضعة للسيادة الإسبانية، ويحلم في أن ينجح بالعبور إلى إحدى الدول الأوروبية، ويُضيف في هذا الصدد، "لا زلت أخاطر بحياتي، لأجل إيجاد فرصة لأتعلم حرفة وأعمل. قطعتُ مسافات طويلة من أقصى جنوب المغرب إلى شماله لأعبر إلى مليلية".
وأخبرنا كيف أمضى حوالى سنة في مدينة الناظور شمال المغرب، يُحاول العبور إلى مليلية، ويقول "أحياناً كنت أستأجر غرفة، ونمت في الشارع مرات عدة، أقاوم انخفاض درجة الحرارة، وأحاول كل يوم التسلل إلى الشاحنات لعبور الميناء. وأخيراً نجحتُ في الوصول إلى مليلية... لن أتراجع سأستمر لأنه ليس لدي خيار، حياتنا في القرية صعبة".
"الظروف دفعتني إلى أن أخاطر بحياتي"
ويُشار إلى أنه عام 2017 اندلعت أولى شرارة "ثورة العطش" في منطقة زاكورة من حي العطشان، وخرج السكان للمطالبة بحقهم في الاستفادة من الماء الصالح للشرب، ما أسفر عن اعتقال ما يقارب 23 متظاهراً، واتهموا "بالتجمهر والانخراط في مسيرة غير مرخص لها".
ويُشدد عبد الرحمن على أنّ أبناء منطقته المهاجرين في الدول الأوروبية يدعمون بعضهم بعضاً، وتابع "أبناء القرية، أو أي شخص ينحدر من الجنوب هنا، يُساعدني لأنهم يُدركون أني لم أختر الهجرة، بل الظروف دفعتني إلى أن أخاطر بحياتي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويُضطر أبناء قرى الجنوب الشرقي إلى المخاطرة بحياتهم للعبور إلى الفردوس الأوروبي، هرباً من الجفاف والتصحر وأزمة المياه.
"لا يوجد توازن مناخي"
وأشار عزيز بن الطالب رئيس المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية عضو المكتب التنفيذي لمؤسسة "ورزازات الكبرى" في حديث لـ"اندبندنت عربية"، "إلى أنّ هناك علاقة وطيدة بين التغيّرات المناخية، وتنامي ظاهرة الهجرة في الجنوب الشرقي للمغرب".
موضحاً، "أنّ التقلبات المناخية تنقسم إلى شقين، إما ارتفاع درجة الحرارة، أو ارتفاع منسوب التساقطات التي ينجم عنها فيضانات، أي لا يوجد توازن مناخي".
وأضاف قائلاً "من أصعب أنواع التغيرات المناخية النوع المرتبط بالجفاف والتصحّر، وزحل الرمال باعتبار أن هذه الظروف الطبيعية لا حل لها، ولكن أزمة الفيضانات يُمكن معالجتها ببناء السدود".
"يبحثون عن بديل لكي يعيشوا"
ويلفت إلى "أنّ أغلب سكان جنوب المغرب يعتمدون على النشاط الفلاحي والزراعي، وبسبب الجفاف والتصحر، أصبحوا يُعانون جراء فقدانهم مورد رزقهم، ويبحثون عن بديل آخر لكي يعتاشوا".
وأوضح "هناك من يتأقلم مع التغيّرات المناخية، وعوضاً من أن يعمل في الفلاحة، يتوجه للمجال السياحي، لينسجم مع الوضع الجديد، لكنه يشتغل فقط موسمياً. كحمل حقائب السياح، أي في مهن بسيطة ومحدودة الدخل".
ويمضي قائلاً "نذكر مثلاً في واحات المحاميد، حين تراجع عدد السكان بشكل لافت بين عامي 2004، و2014، وذلك لأنهم يعتمدون على النشاط الفلاحي، واستغلال أشجار النخيل بالدرجة الأولى، وجني ثمارها. فقد أثّرت التغيّرات المناخية سلباً على جزء مهم من هذه الواحات، ما دفع السكان إلى البحث عن موارد أخرى للعيش في المدن المجاورة، أو الهجرة إلى أوروبا".
واعترفت المنظمة الدولية للهجرة بأن التغيّر المناخي قد يكون سبباً للهجرة، والدول الأعضاء في المنظمة الدولية للهجرة وافقوا في عام 2007على تعريف مصطلح "المهاجرين البيئيين".
تداعيات عودة المهاجرين
ويُتابع رئيس المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية وعضو المكتب التنفيذي لمؤسسة ورزازات الكبرى، "على الرغم من أنّهم يُهاجرون، لكن دائماً يعودون إلى أرضهم، وأغلبهم يستثمرون في الزراعة التسويقية في المنطقة".
ويعتبر أنّ "هذا النوع من الزراعة ساهم أيضاً في الضغط البيئي لأنه يستنزف المياه ولا يُراعي الشح فيها".
ويُوضح "الزراعة التسويقية لا تتناسب مع طبيعة المنطقة، أو خصوصيتها المناخية، بينما كان الفلاح في السابق يعتمد على الزراعة المعيشية التي تخضع مواردها المائية إلى تدبير القبيلة".
ويرى "أنّه بسبب الهجرة أصبح النموذج الفردي هو السائد ويُعوض التدبير القبلي للقطاع الفلاحي، ما نجم عنه استنزاف للمياه".
"تخلوا عن القصور والقصبات"
ولم تُؤثر الهجرة على الفلاحة فقط بل أيضاً على أشكال البناء في القرى، ويُوضح رئيس المركز الدولي للواحات والمناطق الجبلية، "إنّ أبناء المنطقة المهاجرين تخلوا عن القصور والقصبات التاريخية، واستبدلوها ببناء عصري لا يُراعي خصوصية المنطقة جغرافياً، أو تاريخياً".
وذكر تقرير صادر عام 2014 من البنك الدولي بعنوان من "أجل عالم خالٍ من الفقر"، "أنّ المغرب يُعاني من احتياطي محدود للموارد المائية، "وأنّ حجم المياه التي يُمكن استغلالها لا تتجاوز 80 في المئة من الموارد المائية المتوفرة حالياً، أما على مستوى الجودة فهي متوسطة وأربعة في المئة منها تعتبر جيدة".