فتح الآباء قلوبهم للحديث عن الثمن الباهظ الذي تتكبّده الحياة الأسرية نتيجة لوباء فيروس كورونا، إذ يتسبب الإغلاق المستمر في مشقّة بلغت مستويات لم يسبق لكثيرين في بريطانيا أن عانوا منها من قبل.
في حين أن فقدان الوظائف أدخل البعض في الدين والفقر للمرة الأولى، فإن الآباء الذين كانوا يواجهون صعوبات في الاستمرارية من قبل الأزمة، تبيّنوا أن تغطية نفقاتهم كل أسبوع باتت شبه مستحيلة.
إحدى الأمهات أخبرت "اندبندنت" أنها بقيت من دون طعام لأيام عدّة كي تضمن أن أطفالها يتناولون ما يكفيهم، بينما تحدثت أخرى عن إجبارها على الاختيار بين الطعام أو تدفئة بيت الأسرة.
تعيش بولا ساري غونزاليز، البالغة من العمر 29 سنة وهي أم عزباء لثلاثة أطفال دون سن العاشرة، معاناة مالية منذ أن فقدت وظيفتها كطاهية في مطعم السنة الماضية.
وزاد الإغلاق الحياة صعوبة بسبب ارتفاع المبلغ الذي يُنفَق على الكهرباء والغاز في شقتها الكائنة شمال غربي لندن. فبعد سداد الإيجار وجميع فواتيرها من المعونات الحكومية التي تتلقّاها بداية الشهر، تجد أن ما يتبقّى لديها الآن هو 4.30 جنيه إسترليني فقط لتأمين الطعام والحفاظات حتى نهاية الشهر.
ولهذا، فإنها تعتمد بالكامل تقريباً على قسائم المدرسة المتوفرة لطفليها الأكبر سنّاً (بقيمة 15 جنيهاً إسترلينياً لكل طفل في الأسبوع) لشراء الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها، وعلى رزمة غذائية أسبوعية واحدة توصلها جمعية "بنك سُفرة للطعام" الخيرية للمعونات الطارئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت السيدة ساري غونزاليز: "أنا لا أبالي بالجوع في بعض الأحيان، ما دام أطفالي يتناولون الطعام... قد أتناول أحياناً وجبة رئيسة واحدة فقط خلال اليوم. في إحدى المرات أثناء الإغلاق، لم أتمكّن من تناول أي شيء لمدة يومين أو ثلاثة أيام تقريباً. لكنني أوفّر الطعام للأطفال دائماً - أحاول أن أبقي على الأمور طبيعية قدر الإمكان بالنسبة إليهم... الوضع شديد الصعوبة في الوقت الحالي. إنه مرهِق جداً. آمل في أنني سأستطيع العودة إلى العمل وتسهيل الأمور نوعاً ما عندما يرجع الأطفال إلى المدرسة في وقت لاحق من العام".
تمكّن مشروع فيليكس، وهو شريك حملة "ساعدوا الجياع" التي تديرها "اندبندنت"، من مضاعفة حجم فائض الطعام الذي يقدّمه إلى المحتاجين أربع مرات منذ بدء الأزمة.
وما زال العمل بالإلحاح ذاته مثل أي وقت مضى، إذ أظهر أحدث استطلاع أجرته شركة يوغوف لأبحاث وتحليلات بيانات السوق YouGov poll لصالح جمعية مؤسسة الغذاء الخيرية Food Foundation charity أن أكثر من 1.5 مليون شخص ضمن الأسر التي لديها أطفال، كانوا غير قادرين على الوصول إلى الغذاء لأسباب اقتصادية خلال فترة الإغلاق.
وقالت سابين غودوين، منسّقة شبكة المعونة الغذائية المستقلة، إن بعض بنوك الغذاء شهدت زيادة على الطلب بنسبة ثلاثة أضعاف مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وقالت الدكتورة ريتشل لوبسترا، المحاضرة في التغذية في كلية كينغز كوليدج لندن King’s College London: "كما هو واضح من خلال البيانات واتجاهات استخدام بنوك الطعام أيضاً، فإنّ العائلات التي لديها أطفال تكافح حقاً الآن. إن رؤية الآباء يعانون في سبيل وضع الطعام على المائدة بينما يبقون من دون طعام، أمر محبط".
وذكرت ريبيكا آرتشر وشريكها - اللذان يسكنان مع ثلاث فتيات يبلغن من العمر ثماني سنوات وست سنوات وثلاث سنوات في منزلهم الكائن في منطقة هاي بارنيت بلندن - أنهما وجدا صعوبة في شراء الطعام الكافي خلال فترة الإغلاق. وقالت آرتشر "يكلّفني التسوّق أكثر بكثير بسبب بقائهن في المنزل طوال الوقت".
بمجرد ما تُسدَّد الفواتير وينتهي التسوّق الأسبوعي الرئيس يوم الاثنين، يجد الزوجان أن بحوزتهما حوالى 50 جنيهاً إسترلينياً للاستمرار بقية الأسبوع - ما يساوي تقريباً نصف المبلغ الذي كان يتبقّى لديهما عادةً قبل اندلاع الوباء.
استفادت العائلة أخيراً من قسيمتين مدرسيتين تبلغ قيمة كل منهما 15 جنيهاً إسترلينياً تحصل عليهما الفتاتان الأكبر سناً، وتتلّقى بضع وجبات مطبوخة من جارتها كيتي لويز باربر - وهي متطوعة تقدم الطعام باستعمال الإمدادات التي يوفّرها مشروع فيليكس.
تقول الآنسة أرتشر: "الوضع متأزم بالفعل. التفكير والقلق إزاء المال طوال الوقت ليس بالأمر السهل. لم يخطر ببالي أبداً أنني سأقلق لوجود طعام كاف للأطفال. في إحدى المراحل، لم يتوفر لدينا المال لعداد الغاز مسبق الدفع، لذا اضطُررنا إلى الاستغناء عنه لأكثر من أسبوع".
وحذرت منظمة تراسيل ترست الخيرية The Trussell Trust، التي تدير أكبر شبكة للبنوك الغذائية في البلاد، من عدم قدرة المؤسسات الخيرية الغذائية على التدبّر "إلى ما لا نهاية" في ظل الارتفاع الحاد في الطلب على المساعدة بسبب الوباء.
ووجّه ائتلاف مكوّن من الجمعيات الخيرية التي تحارب الفقر كتاباً إلى وزير المالية يطلب فيه خطة طارئة لدعم الدخل من شأنها زيادة معونات الأطفال وإلغاء مدة الانتظار لخمسة أسابيع قبل الحصول على أول دفعة من المعونات الحكومية المعروفة بالتعويض الشامل.
وحذر أنتوني كوتيريل، قائد منظمة "سالفيشن آرمي" الخيرية في المملكة المتحدة: "لقد مرت سنوات منذ رأينا أن الفقر يمثّل خطراً حقيقياً وقائماً بالنسبة إلى عددٍ كبيرٍ من الناس. نحن نقترب من نقطة تحوّل في الفقر".
© The Independent