ماذا دهى أسعار الأسهم؟ لدينا اقتصاد عالمي عصفت به أكثر حالات الركود حدة في مئة سنة تقريباً. وثمة احتمال (لو صدقتم المتشائمين) بأن يعود كوفيد-19 في الشتاء في موجة ثانية أسوأ بكثير من الأولى. اقترضت الحكومات كميات ضخمة من الأموال سيستحق سدادها بطريقة أو بأخرى. ويخوض أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، حرباً تجارية مع بعضهما بعضاً.
لكن أسعار الأسهم على ضفتي المحيط الأطلسي ارتدت صعوداً: فمؤشر "ناسداك المجمع" وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق خلال تعاملات الجمعة، واستعاد مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" (الأوسع نطاقاً) ثلاثة أرباع خسائره هذا العام تقريباً، ويصح الأمر نفسه تقريباً في مؤشر "داكس" الذي يضم أبرز 30 شركة ألمانية، وفي حين تخلف مؤشر "فاينانشال تايمز 100" البريطاني بعض الشيء، استعاد ثلثي مستواه الأقصى.
وقلما حصل انفصال كهذا بين المعلقين الاقتصاديين، المتشائمين كثيراً في أغلبيتهم، وبين أداء الأسواق.
وثمة شروح ممكنة كثيرة.
يشير تفسير من التفسيرات إلى أن الانتعاش لم يطَل الأسهم كلها، أو بالأحرى الأصول كلها. فأسهم المصارف لا تزال ضعيفة. فقيمة سهم "إتش إس بي سي"، وهو أكبر مصرف في أوروبا وكان حتى وقت قريب أكبر المؤسسات قيمة في المملكة المتحدة، تبلغ الآن قيمته أكثر بقليل من نصف ما كانت عليه في أوائل عام 2018. وثمة أسباب واضحة لذلك.
في المقابل، أصبحت "أسترازينيكا" الآن الشركة البريطانية الأكبر قيمة، ما يعكس إعادة تصنيف الشركة المصنعة للمستحضرات الصيدلانية، ونجاحها في صنع عقاقير لعلاج السرطان. ولو فازت في السباق إلى صنع لقاح كوفيد-19، يُتوقَّع أن يرتقي تصنيفها إلى مرتبة أرفع. ولو صحت التقارير التي تفيد بأنها تواصلت مع منافستها "جلعاد" في شأن اندماج، وتحقق الأمر، فستصبح شركة عملاقة بالفعل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لو نظرتم في أسعار الأصول الأخرى، ثمة نتائج متباينة في شكل مماثل. فالعقارات الممتازة في نيويورك ولندن تعاني من القلق في شأن مستقبل المدن الكبرى في عالم تصبح فيه الوظائف أكثر ندرة. ويبدو أن ناطحات السحاب الفاخرة في نيويورك تعاني بشكل خاص. فهل تريدون حقاً العيش على ارتفاع عشرات الأمتار فوق سطح الأرض، في حين أن الوصول إلى المصعد قد يكون محدوداً؟ ومن جهة أخرى، تشهد المنازل الريفية في كل مكان طلباً متزايداً. فلو اضطر الناس إلى الدخول في عزلة ذاتية، فالأفضل أن يفعلوا ذلك وحول منازلهم حدائق.
وثمة (دائماً في أوقات كالوقت الحالي) أشخاص يمتلكون الأموال ويبحثون عن صفقة، وأشخاص يريدون أن يبيعوا ممتلكات بسرعة.
وتؤدي هذه النقطة إلى تتمة الشرح، أو على الأقل شرح سبب التقلب. فحين انهارت الأسواق في مارس (آذار)، باع بعض الناس أسهمهم بسبب الحاجة، أو ببساطة لأنهم شعروا بالذعر، لكن البعض الآخر رأى في الأمر فرصة لا تسنح إلا كل عقد من الزمن لبناء موقع استثماري في شركات متينة، وهي فرصة لا تسنح لأغلبية المستثمرين إلا مرتين أو ثلاث مرات في العمر.
وبالطبع، يصعب في شكل استثنائي فهم الأمر بالشكل المناسب. فالمستثمر الأميركي الأكبر خبرة، وارن بافت، تنبه بالفعل إلى أن أسعار الأسهم كانت مقيمة بأكبر من قيمتها، وبدأ بتجميع الأموال النقدية. لكن يبدو أنه ربما فشل تالياً في اغتنام الفرصة وإعادة المشاركة بقوة في السوق.
وثمة خيط آخر من خيوط الرأي المتعلقة بوتيرة التعافي، ويتمثل في توفر كمية كبيرة من الأموال. وسنعرف الأربعاء ما إن كان انتعاش الوظائف الأميركية سيدفع مجلس الاحتياط الفيدرالي إلى تخفيضٍ قليل لمقدار الأموال التي يضخها في الاقتصاد، لكن المؤسسات النظيرة له في أماكن أخرى، مثل المصرف المركزي الأوروبي، تبقي صنابير ضخ الأموال مفتوحة.
فلو طُبِعت أموال كثيرة، يجب أن تصب في مكان ما. وما لم تفرض القواعد الناظمة على أصحاب الأموال استثمارها في أسواق سندات الخزينة التي تولد عوائد بنسب تقل عن نسب التضخم – أو تكون معدلاتها الاسمية سلبية في الواقع كما هي الحال في كثير من بلدان أوروبا – فلن يضعوا أموالهم فيها.
بالنسبة للمستثمرين المتمرسين كفاية للوصول إلى الاستثمارات في الأسهم الخاصة، ثمة أهداف أخرى يضعونها نصب أعينهم، لكن الشركات الأصغر، مثل الشركات العقارية، غير قابلة للتسييل. ولن يكون في مقدورهم استرجاع أموالهم بسرعة إذا احتاجوا إلى ذلك. وهكذا، نعود مراراً وتكراراً إلى الأسهم العالمية باعتبارها الأصول المختارة.
وثمة محور إضافي. لا أحد يعرف إن كانت هذه الأموال كلها التي ضُخَّت في النظام ستولّد في النهاية تضخماً. ومن المؤكد أن الأمر لا يبدو كذلك الآن، لكن ثمة بعض الخطر. وتقدم الأسهم نوعاً ما من أنواع الحماية من ذلك الخطر.
ولا يعني أي من هذا الكلام أن انهياراً جديداً في أسعار الأسهم لن يحصل. وستكون قدرتنا على توقع ذلك أمراً مهماً، لكننا عاجزون عن ذلك. في هذه الأثناء وعلى افتراض أن أسعار الأسهم ستبقى متماسكة في شكل معقول – مع مطبات على طول الطريق، طبعاً – وستحقق مستويات عالية إجمالية قياسية بحلول نهاية العام المقبل، سيكون كوفيد-19 وسع الفجوة المالية أكثر بين الأغنياء والفقراء.
فلو قفزت أسعار الأصول، سيكون أداء أصحاب الأصول الأفضل. وسيلاقي من لا يمتلكون أصولاً صعوبات أكثر حتى من ذي قبل في مراكمة الثروة– مثلاً، من خلال شراء منزل. وسيستفيد الأكبر سناً ممن لديهم بعض المدخرات، ولن يستفيد الأصغر سناً الذين لم يجمعوا مدخرات بعد. وسيزعزع انهيار أسعار الأسهم الاقتصاد بالطرق كلها، بما في ذلك تخفيض قيمة صناديق التقاعد تخفيضاً كبيراً. ويجب ألا يرحب أحد بذلك. لكن يجب أن نتذكر أن التفاوت المالي ضار، وأن ثم خطر في أن توسع السياسات المستخدمة لإنعاش الاقتصاد هذه الفجوة.
© The Independent