كأن انتشار وباء كوفيد 19، والحجر الصحي لثلاثة أشهر والأزمة الاقتصادية التي سبقته ورافقته وتتجاوزه لا تكفي لتأزيم الكآبة والضجر والقلق. وبات كلّ تفصيلٍ يترابط مع الآخر بشكلٍ تلقائي وكأنّ مؤامرةً كونيةً تتقصد الناس، لإتعابهم. من هذه التفاصيل، إيقاف العمل أو تقنينه وما رافق ذلك من تدهورٍ اقتصادي كان بدأ قبل تفشي كورونا.
وجاء الصيف ببهجته المكتومة هذا العام، وما يرافقه من وعود بالراحة والعطل والنشاطات في الهواء الطلق، كلها أتت مشروطة بالحجر المنزلي الإلزامي. ويرافق تبديل الفصول تبديل الثياب من الشتوي إلى الصيفي. قد يبدو الأمر ثانوياً، إلا أن زيادة أوزان الناس التي رافقت الحجر أخيراً من جهة، وزيادة أسعار الثياب بشكل جنوني من جهة ثانية جعلا الموضوع مكلفاً ومحبطاً في آن.
استيقظت الثياب الصيفية من سباتها الشتوي، كما كلّ عام. ولكن لا ليس كما كل عام!
طمر الملل بالدهون
تقول نهى ناصر ممازحة وغاضبة في آن "ثيابي لم تتعرّف عليّ، تستشبه بي ولكنها غير متأكدة أنني أنا نهى". وتضيف أنها هي بذاتها لم تعد تتعرف على نفسها، إذ كانت تعيش جوّاً من الكابة بعد إجراء تخفيض الراتب وصولاً إلى صرفها من عملها مع مطلع العام، وجاء الحجر المنزلي -وما زال- ليقضي على آخر أمل لديها بالتفاؤل والبدء من جديد.
تخبر نهى أن وزنها زاد 7 كيلوغرامات ولا يزال الرقم يتطور، فالمعجنات التي أصبحت تتقنها والحلويات التي لا تتوقف عن صناعتها تأكلها "لطمر الملل، فتتحوّل إلى دهون متراكمة". وتقول إنه مع إنزال الثياب الصيفية هبطت معنوياتها، بعدما وجدت 4 قطع من أصل 68 ما زالت تناسبها لأنها فضفاضة بالأصل. وتضيف أن أختها وبعض الصديقات قد يفرحن بثيابها التي لم تلبس معظمها، إذ اشترتها في آخر الصيف الماضي. أما هي فستكتفي بشراء بعض ملابس النوم لأن لا مزاج لها بالخروج أصلاً.
بيجامات جديدة
تقول مي الحسيني القاطنة في دبي أن العائلة أصبحت بحاجة لثياب نوم جديدة، فهي زاد وزنها بمقدار كيلوغرامين أثناء الحجر، وابنتها مثلها، أما زوجها فكبرت كتلته الجسدية كيلوغرامات عدة، لا ينوي أن يعرف عددها، بينما تشير إلى أن قامة ابنها تزداد طولاً. وحدها الكلاب التي تعيش معهم لم يزد وزنها.
وما رافق الحجر من توقف عمل يشي أن التفكير في التسوق هذا العام سيكون ضرباً من الخيال بحسب مي، وذلك بسبب عدم الإنتاج وصرف الكثير مما ادُخر، لذا تعتبر أن العودة إلى الوزن المناسب لارتداء الثياب الموجودة في المنزل أفضل الحلول.
العمل بالثياب المنزلية
ينا جبيلي في باريس تقول إن الشركة طلبت منها العمل من المنزل حتى أيلول (سبتمبر) المقبل. وتشير إلى أن ذلك سمح لها بارتداء ثياب منزلية مريحة، إذ لم تعد مضطرة للبس "البلايزر" والثياب الرسمية والكعب العالي والتبرج. وتضيف أن وزنها زاد خلال الحجر بمقدار كيلوغرام واحد، لكن الأولاد لم يسمنوا بسبب حركتهم الدائمة في الحديقة، بالتالي في حال احتاجت ثياباً صيفية للخروج، فلا مشكلة لديها. وتقول إن معدّل زيادة الوزن في فرنسا بسبب الحجر كان كيلوغرامين تقريباً للشخص الواحد.
الحجر أيقظ مواهب العجن
من ناحية أخرى، كان وزن هلا بطرس بدأ يزداد منذ العام الماضي فاشترت ثياباً واسعة، لا يزال بعضها صالحاً للبس. وتقول إن الحجر أيقظها على التفنن بالعجين والخبز ما جعلها تسمن بشكل مضاعف. وهي تصرّ على عدم الذهاب للسوق كي لا تكتئب، وتشك أصلاً أن تجد قياسها، فيما تأمل بأن تخسر كيلوغرامات عدة قبل التسوق.
وكانت هلا تحضر حلوى "الإكلير"، و"كراكرز بالزعتر"، وتحاول تعلم صنع الجبنة المنزلية.
السعرات في خزانة الثياب
أما إيمان عبود فقررت الاستغناء عن كل الثياب التي باتت ضيقة، وتقول إن خيبة اعترتها حين أنزلت الثياب الصيفية. إلا أنها كانت متأكدة أن أطفالها الذين كبروا سنة سيحتاجون حتماً لثياب أكبر مقاساً. وتقول ممازحة "ليس بالضرورة عندما يكبر الأولاد وتصغر ثيابهم أن يحصل لنا نحن الكبار الأمر عينه، ولكن هذا ما حصل بعد الحجر".
احتفظت إيمان ببعض الثياب التي صودف أنها فضفاضة وقياسها واحد (free size)، وأرسلت الباقي إلى إحدى الجمعيات. وختمت كلامها بنكتة تقول إن "السعرات الحرارية عبارة عن مخلوقات صغيرة تعيش في الخزانة وتضيّق الثياب يوماً بعد آخر. ويبدو أنها فعلت فعلها هذا العام".
بدّلت الصابون واللافندر
تخبر نغم صفا أنها بدّلت "اللافندر" والصابون الموضوع بين الثياب الصيفية لتحميها من الرطوبة والحشرات، وأنزلت ربع الملابس ولا تعرف إن كانت ستستخدمها. لكن الثياب المريحة الصيفية أنزلت كلها. وتقول إنه من غير الممكن شراء أي قطعة إضافية هذا العام، إذ إنها منذ مارس (آذار) الماضي، لم تتقاضى أي أتعاب، بخاصة أنها تعمل بشكل حرّ في القطاع السياحي، الذي تضرر بشكل كارثي.
حافظت نغم على رشاقتها خلال فترة الحجر، وتخبر أن لا مشكلة في مقاس الثياب الصيفية إنما في حاجتها، فهي لن تحتاجها هذا العام.
أما القطع التي أنزلتها هي تلك المخصصة للذهاب إلى السوبرماركت والتنقلات الضرورية. وأضافت أنها عادة تشترك سنوياً في منتجعات بحرية لكنها لم تفعل هذا العام، إذ تخشى من التقاط فيروس كورونا ولا تثق بالمسابح وما يروّجون له.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التبضع عبر الإنترنت "كارثي"
في سياق آخر، تقول لمى ضاهر إنها غالباً ما تستغني عن معظم ثيابها في آخر كلّ فصل وتحتفظ بالأساسيات، لتواكب الموضة. لكنها تندم هذه السنة أنها فعلت بسبب الغلاء الفاحش. وتقول إنها كانت تشتري الثياب من متاجر عبر الإنترنت خارج لبنان بالدولار، تختارها بعد ظهور خطوط الموضة الرئيسية والألوان الدارجة، وتطلبها قبل شهرين لتصل في أول فصل الصيف. وتضيف أن القطعة التي كانت تدفع ثمنها 50 دولاراً كانت تساوي 75 ألف ليرة لبنانية، وأصبحت تساوي الآن 250 ألف ليرة مع تهاوي قيمة العملة الوطنية أخيراً بشكل دراماتيكي، "لم يعد بمقدورنا الشراء من الخارج حتى من المواقع الرخيصة الثمن، لأنها تسعّر بالدولار".
وتخبر لمى أن أمها كانت نصحتها بعدم الاستغناء العام الماضي عن ثيابها الصيفية بخاصة مع بدء الحراك الشعبي في لبنان والتدهور الاقتصادي الذي كان في بدايته، لكنها اعتقدت في حينه أنها أزمة قد تستمر لشهرين وتمر، معبرةً عن ندمها لعدم سماع نصيحة أمها.
الكمامة مع موضة الصيف
أما الألوان الرائجة لربيع وصيف 2020 بحسب أسابيع الموضة التي أقيمت في باريس وكوبنهاغن ونيويورك ولندن وميلانو ما قبل الحجر، فسيطر اللون الأحمر الناري، والأزرق السماوي، والوردي، والأصفر الباهت، والأخضر بلون النعناع والأخضر الفستقي، والأبيض والليلكي الفاتح والبيج.
وتجدر الإشارة إلى رواج الأكمام الفضفاضة والثياب المنقّطة، والشورتات الطويلة "البرمودا"، والكشكش، والجينزات الواسعة.
قد تكون هذه المعلومات غير مفيدة جداً، مع عدم وجود ما يكفي من نشاطات عملية وترفيهية هذا الصيف. إلا أنه لا بأس بمعرفة خطوط الموضة، التي أضيفت إليها الكمامات التي صنعتها دور الأزياء وتحمل شعاراتها مثل دار لوي فويتون وديور وشانيل وغيرها منذ الشهر الماضي. وعمل البعض منها على خياطة أقنعة طبية للعاملين في المتاجر والسوبرماركت، وشارك في خياطتها متطوعون.