ايران واسرائيل تتبادلان التهديدات العسكرية، وسط زيادة العقوبات الأميركية بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. وليس ذلك خارج المألوف في ادارة اللعبة بينهما، وان تركزت الانطباعات على أمرين ظاهرين: حركة سياسية وإعلامية من بنيامين نتنياهو لتقوية حظوظه في الإنتخابات النيابية خلال الشهر المقبل.
وحلقة في ردود طهران على الحصار الأميركي وإعلان اسرائيل ان قواتها البحرية ستمنع البواخر الإيرانية من تهريب النفط. اذ هدّدت إيران بتدمير البحرية الإسرائلية، وهدّد قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري بجعل إيران مقبرة لأميركا إذا تجرأت على الحرب. واكتفى قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بتهديد اميركا بـ "حروب غير متماثلة" عبر وكلاء الجمهورية الإسلامية معلناً ان البحر الأحمر غير آمن، وباب المندب غير آمن، ومضيق هرمز مرشح للغلق".
وهو ما اختصره الرئيس حسن روحاني بالقول: "ان لم تصدر إيران نفطها، فلن تستطيع اية دولة في الخليج تصدير نفطها". لكن الأمور في العمق لها مسار ثابت في الأساس. فلا الجمهورية الإسلامية التي هدّد مسؤول عسكري فيها بـ "محو اسرائيل من الوجود خلال سبع دقائق ونصف" تريد شن حرب على إسرائيل، أو ردت على قصف الطيران الاسرائيلي لقواتها في سوريا، أو تدخلت مباشرة لمساعدة حزب الله في الدفاع ضد حرب اسرائيل عليه والتي دمرت الكثير في لبنان عام 2006. ولا الدولة العبرية التي قدمت السلاح الى طهران خلال الحرب مع العراق في فضيحة "إيران غيت"، وتعيد التذكير بأن ملك الفرس قورش الكبير هو الذي أعاد اليهود من بابل الى فلسطين بعد سبيهم على يد نبوخذ نصّر، تريد حرباً مع إيران.
ذلك أن "العداء لأميركا هو المبدأ وأساس الثورة الاسلامية"، كما قال المرشد الأعلى علي خامنئي. وهو أعلن "ان إيران تقود العالم في مواجهة اميركا، والمقارنة بين سياسة الشرق الأوسط للغرب وسياسة الشرق الأوسط لإيران تكشف بوضوح ان السياسة الإقليمية للجمهورية الاسلامية تقترب من تحقيق أهدافها وان لها اليد العليا في المتغيرات". وأقوى سلاح في يد طهران هو العداء المعلن لإسرائيل ورفع شعار تحرير فلسطين. وأقوى سلاح اسرائيلي هو العداء المعلن لإيران والتهديد بالحرب ضدها ضمن استراتيجية "كبح النفوذ الايراني" التي اعلنتها ادارة الرئيس دونالد ترمب، واحياناً كرد على تردد أميركا في محاربة ما تسميه "السلوك الخبيث" لايران ومحاولة "زعزعة الاستقرار" في الشرق الأوسط والتهديد بإزالة اسرائيل من فوق الخارطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكل منهما يوظف العداء في خدمة أهدافه. طهران تراهن على ما يقدمه شعار تحرير فلسطين والعداء لاسرائيل واميركا من جاذبية لجهودها في "تجنيد" حلفاء في المنطقة، والذي لولاه لما تمكنت من قيادة ما تسميه "محور الممانعة والمقاومة" الذي هو اسم مستعار للمشروع الايراني الناشط حالياً في صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت وغزة. أما تل أبيب فانها توظف عداءها لايران وعداء إيران لها في جلب المزيد من المساعدات والدعم في الغرب الأميركي والأوروبي. فضلاً عن الإتكال على حرص الكرملين بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين على ضمان أمن اسرائيل والسماح بضرب "قواعد" ايرانية في سوريا.
والترجمة السياسية لهذا التوظيف المزدوج هي الحرص على استمرار "الستاتيكو": لا تسوية للصراع العربي-الاسرائيلي، ولا حرب شاملة للتحرير. التسوية تحرق ورقة المقاومة في يد طهران، وتنهي عملياً جاذبية شعار التحرير والقدرةعلى اختراق النسيج الاجتماعي العربي وضمان "الشرعية" لأسلحة الاذرع الايرانية في أكثر من دولة تحت عنوان المقاومة. والحرب الشاملة تقود في النهاية الى ضربة نووية اسرائيلية لايران حين تجد اسرائيل نفسها محشورة.
أما اسرائيل التي كان لأحزاب اليسار والوسط دور في سياستها وعملت ادارات اميركية وحكومات اوروبية على دفعها الى البحث في تسوية للصراع العربي-الاسرائيلي، فانها صارت أسيرة تنامي اليمين المتشدد الرافض للتسوية. وللمرة الأولى يجاهر نتنياهو بما كان يغلفه ببعض الكلام على السلام. اذ يخوض الانتخابات تحت عنوان: مطلوب حكومة يمين لمنع حل الدولتين، والتحذير من حكومة "يسارية" تقبل إقامة دولة فلسطينية، وهي للمفارقة حكومة ثلاثة جنرالات من رؤساء الأركان السابقين. حتى الجنرال بيني غانتس منافس نتنياهو والذي يتهمه رئيس الحكومة بـ "اليسارية"، فانه لم يجرؤ على ذكر حد الدولتين بل اكتفى بشعار "الانفصال عن الفلسطينيين".
واقوى خرطوشة في سلاح العداء الايراني لاسرائيل هي رفض اسرائيل للتسوية وانحياز اميركا وخصوصاً في عهد ترمب الى سياستها اليمينية الرافضة للتسوية. وأقوى خرطوشة في سلاح العداء الاسرائيلي لايران هي اصرار طهران على التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة وزعزعة استقرارها، والادعاء بانها "تحكم أربع عواصم عربية".
وأكثر ما ينطبق على حاجة إيران واسرائيل الى تبادل العداء هو قول الشاعر قسطنطين كفافي: "ماذا يحدث لنا من دون البرابرة؟ انهم نوع من الحل".