يبدو أن الأوضاع في دول الساحل الأفريقي تتجه إلى التعقيد مع تصاعد الاعتداءات الإرهابية، حيث يكاد لا يمر يوم من دون تسجيل قتلى وجرحى جراء هجومات إرهابيين على قرى أو ثكنات عسكرية، ما يكشف قدرة تحرك كبيرة للجماعات الإرهابية المنتشرة في المنطقة على الرغم من الخطط والجهود المبذولة لمكافحتها.
الجزائر أولى بالساحل
وبات واضحاً أن منطقة الساحل ستكون ساحة حرب جديدة على الإرهاب مع اقتراب موعد جلوس الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار، وستكون الجزائر إحدى الدول المعنية بهذه الحرب لاعتبارات عدة، أهمها حدودها الطويلة مع مالي والنيجر والروابط التاريخية السياسية والاقتصادية وحتى العائلية، وخبرتها المعترف بها في مجال محاربة الإرهاب وهي أكبر المتضررين منه، إضافة إلى أن الإرهابيين الناشطين في المنطقة يحملون الجنسية الجزائرية.
وقال قائد الأركان بالنيابة سعيد شنقريحة إثر العملية الإرهابية التي استهدفت ثكنة عسكرية جزائرية على الحدود مع مالي وأدت إلى مقتل عسكري، "إن الجزائر سترد على المعتدين في الوقت والمكان المناسبين، لتفتح نافذة عن مستقبل تحرك البلاد في إطار محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، بخاصة بعد اقتراح دسترة السماح بإرسال قوات عسكرية من الجيش خارج الحدود".
أحسن دفاع هو الهجوم
يعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية أحمد بركاني في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن الجزائر تعمل وبحرص شديد على حماية حدودها بخاصة الشرقية والجنوبية لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين والإرهابيين ونشطاء الجريمة المنظمة، لكن يبدو أن الأمر تعدى الحماية من الداخل بعد تطور الأوضاع بدول الجوار وفرض على السلطات السياسية والعسكرية ضرورة الانتقال إلى اعتماد خطة "أحسن دفاع هو الهجوم"، مضيفاً أن استمرار الاستراتيجية ذاتها في ظل تطور إمكانات ووسائل تحرك الإرهابيين وتوسع الاضطرابات يجعل الجزائر خارج اللعبة بما يهدد أمنها واستقرارها.
ويتابع بركاني أن الجيش بات أحد أقوى جيوش العالم ليس من حيث الإمكانات والاحترافية فقط، وإنما للخبرة الطويلة التي اكتسبها في هذا المجال، وعليه حان الوقت للدخول إلى جانب الدول في الساحل أو بليبيا من أجل حماية الحدود وليس لدعم طرف ضد آخر، موضحاً أن الجزائر تواصل احترام سيادة الدول وترفض إذكاء الفتنة وإحداث الفوضى، غير أن العمليات الاستباقية أو الرد على المعتدين بات ضرورياً محذراً من العناصر الإرهابية والمرتزقة الذين أحضروا إلى ليبيا والذين سينتقلون إلى منطقة الساحل بالتأكيد، بعد الاستغناء عنهم من طرف الجهات التي تكفلت بنقلهم من سوريا والعراق.
تكاتف دولي... وفشل
في المقابل، بات تكاتف الدول من أجل دعم دول الساحل الأفريقي في حربها ضد الإرهاب ضرورة استعجالية، وعلى الرغم من التحالفات المشكلة وآخرها تحالف غرب أفريقيا ودول أوروبية، غير أنها فشلت في اجتثاث الإرهاب في المنطقة بسبب الخلفيات التي تسيّرها، حيث أن كل تكتل عسكري يميل إلى جهة وأهداف معينة تختلف عن الأخرى وفي بعض الأحيان متضادة بشكل يعرقل المجهودات أكثر منه مواجهة الإرهاب، بدليل أن فرنسا تنشر 5100 جندي إلا أن الاعتداءات التي تنفذها جماعات "القاعدة" و"داعش" تتصاعد، والأمر نفسه مع ألمانيا وبلجيكا والولايات المتحدة وغيرهم.
وعلى الرغم من أن القوات الفرنسية ودول الساحل حققت بعض المكاسب، بخاصة "اصطياد" زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد الملك دروكدال، غير أن استمرار النشاط الإرهابي دفع إلى التفكير في تعزيز قدرات القوات الأوروبية الموجودة بالمنطقة، حيث أشارت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، إلى أن فرنسا تعول على قوة "تاكوبا" قيد التشكيل التي ستكون من وحدات كوماندوس أوروبية جاهزة للعمل مع نهاية الصيف المقبل.
تحذير من قادم الأيام
من جهة ثانية، يعتقد الإعلامي المهتم بالشأن الأمني عمار قردود في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن الراغبين في خلافة زعيم القاعدة الراحل في بلاد المغرب الإسلامي، سيعمدون إلى استعراض عضلاتهم وتنفيذ أكبر قدر ممكن من الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء من باب "نحن هنا"، وقال "واهم من يتوقع أو يعتقد أن بمقتل دروكدال ستنخفض وتيرة العمل الإرهابي بالمنطقة".
ويواصل قردود أنه في ظل الحديث عن ارتفاع عدد الإرهابيين والمرتزقة الذين وصلوا ليبيا والذين من المنتظر تنقلهم إلى الساحل مع اقتراب موعد الحل السياسي فإنه بات من الضرورة منح الجيش الجزائري الضوء الأخضر للتدخل خارج الحدود ليس للهجوم، ولكن للدفاع عن حرمة التراب الجزائري لأن العقيدة العسكرية للجيش دفاعية محضة، ومنعاً لتكرار سيناريو "تيغنتورين" عندما هاجم إرهابيون القاعدة النفطية جنوب الجزائر في 2013، وفي وقت كانت قوات الجيش الجزائري تتابع بدقة حركات الإرهابيين الذين نفذوا الهجوم خارج الحدود لكن بسبب عقيدة الجيش الرافضة للتدخل خارجياً وقعت الكارثة.