أبدى محامون وناشطون اجتماعيون سودانيون امتعاضهم من بعض مظاهر التمييز العنصري التي تمارس بشكل فاضح ضد مكونات ومجتمعات بعينها، ما خلق غبناً وكراهية بين المجتمعات والقبائل التي تعيش مع بعضها بعضاً، بالتالي أدى ذلك إلى إضعاف وحدة الصف الوطني وتفكيك النسيج الاجتماعي.
وحمل هؤلاء في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" النظام السابق مسؤولية تفشي هذه الظاهرة وما تبعها من فتن ونزاعات لا تزال تفتك بأمن الوطن واستقراره.
دولة هشة
يقول الأمين العام لهيئة محامي دارفور الصادق علي حسن، "يشكل التمييز العنصري في السودان ظاهرة وثقافة أنتجتها ممارسات خاطئة وتمييز اجتماعي واضح. وفي نظري أن السبب الرئيس الذي عمق هذا النوع من السلوك هو ضعف القوانين الخاصة بمكافحة العنصرية والتمييز"، لافتاً إلى أن هناك كثيراً من المواطنين الذين يعانون من الإحساس بالظلم والاضطهاد بسبب العرق والنوع، مشيراً، على سبيل المثال، إلى نكات متداولة تسخر من فئات ومناطق بعينها.
وأضاف "هذه الممارسات لم تكن في العهود السابقة تمثل ظاهرة مقلقة، لكن في عهد عمر البشير تفشت بشكل مقيت، وأججت مشاعر جماعات وأفراد وجعلتهم يحسون بالنقص، لدرجة حرمانهم من بعض الوظائف لأسباب عنصرية وقبلية"، مؤكداً أن هذه الممارسات أضعفت وحدة الصف الوطني، واستمرارها سيؤدي إلى نتائج كارثية، خصوصاً أن السودان دولة هشة.
وتابع حسن "نحن كسودانيين نحتاج لتصحيح هذه السلوكيات الخاطئة من أجل بناء دولة مواطنة وعدالة اجتماعية"، مبيناً أن كثيراً من المشكلات والنزاعات التي تقع من حين إلى آخر بين القبائل السودانية التي تعيش في منطقة واحدة تنطلق من تعليقات عنصرية بين أفراد محددين، ثم تتحول إلى نزاع وانقسام مجتمعي يقود إلى ما لا تحمد عقباه.
ودعا إلى سن قوانين رادعة لمعاقبة كل من يمس مظاهر الإنسانية بشكل عام، ومن أهمها قضايا التمييز العنصري، لافتاً إلى أنه ليس شرطاً أن تضع الدولة هذه القوانين، فمن الأفضل أن تقوم المجموعات المجتمعية بتقديم اقتراحات بمشاريع قوانين خاصة بمكافحة العنصرية، على أن تقوم الجهات العدلية في البلاد بصياغتها وفق سلطاتها التشريعية.
الكبت والكراهية
في السياق نفسه، أوضح المحامي السوداني المعز حضرة أن ظواهر التمييز العنصري في المجتمع السوداني مسكوت عنها وقد لا تظهر بشكل علني، كما أن المحاكم السودانية نادراً ما تشهد مثل هذا النوع من القضايا، إلا في حدود ضيقة جداً، وغالبية أسبابها الكبت والإهانة، منوهاً إلى أن القانون الجنائي السوداني لا يتضمن بشكل واضح أي حديث عن العنصرية.
وتابع "للأسف الشديد أن النظام السابق كان له دور في إشعال نار العنصرية، حيث كان يتبع سياسة فرق تسد في تعامله مع القبائل، وهو من استخدم لفظ زرقة (أصحاب اللون الأسود الداكن) وعرب في حرب دارفور، حيث كان يُسلح قبائل ضد أخرى، ولا يتورع عن استخدام ألفاظ دامغة في العنصرية، حتى أصبحت هذه الظاهرة شائعة في المجتمع من خلال الخطابات السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف حضرة "هناك عرف موجود ومتوارث بأن لا تمييزاً في الدين أو العرق أو المكانة أو المنطقة، كما أن السودان يعد أحد الدول الأطراف في الاتفاقات الدولية التي نصت على القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1965، وقد تضمن الدستور الانتقالي للسودان لعام 2005 في المادة 27، أن كل الحقوق والحريات المضمنة في هذه الاتفاقية تعد جزءاً لا يتجزأ من الدستور، لكن يجب أن تتطور القوانين الخاصة بقضايا التمييز الاجتماعي والعنصرية لتقضي على كل ما يسهم في الفتك بالنسيج الاجتماعي، على أن تكون المواطنة هي الأساس في مسألة الهوية والتعاملات الاجتماعية".
وأشار إلى أن معالجة مثل هذه الظواهر تتطلب بالدرجة الأولى توعية مجتمعية، وليس الاعتماد على القوانين وحدها، ففي الولايات المتحدة الأميركية أكثر بلدان العالم تقدماً في الجوانب التشريعية المتعلقة بحقوق الإنسان لم تستطع القوانين القضاء على ظاهرة العنصرية فيها، لذلك لا بد من تفعيل الجانب التوعوي من خلال منظمات المجتمع المدني عبر برامج تشاركية مع الجهات ذات العلاقة في الدولة.
في المقابل، يوضح عضو مجمع الفقه الإسلامي في السودان الدكتور محمد خليفة صديق أن "الأساس التشريعي لمكافحة العنصرية موجود في القوانين السودانية، أما من الناحية الشرعية فإن الإسلام تحدث عن بغض ظاهرة التمييز العنصري بكل أشكاله في كثير من الآيات، واعتبر أن التقوى هي الفيصل في التمييز بين الناس وليس العرق أو اللون أو أي جهة أو غير ذلك".
الكسب السياسي
ويقول الناشط الاجتماعي صالح عباس "لم يعرف السودان في القدم هذه الأشكال من العنصرية البغيضة، وهي ظاهرة دخيلة جلبتها للمجتمع أحزاب الإسلام السياسي، من خلال تفضيل مناطق على أخرى، وجماعات على غيرها، بهدف الكسب السياسي الرخيص، ولم تكن تتورع عن نعت خصومها بكلمات بذيئة تطعن في عاداتهم وثقافاتهم ليقوم صغار النفوس في المجتمع بتناولها بسخرية وتقليل شأن، وهو ما خلق غبناً داخل هذه المجتمعات وانتشار الكراهية بطريقة غير مألوفة. والآن ما يحدث من توترات ونزاعات قبلية وغيرها هو نتاج تلك الأفعال التي أججها النظام السابق، ويصعب القضاء عليها ما لم تتكاتف كل الجهود وتتصالح المجتمعات ليكون القانون هو سيد الموقف".
ودعا إلى "حظر التمييز العنصري ومكافحته بكل السبل المشروعة والمتاحة، وضمان حق كل إنسان في المساواة أمام القانون"، مشدداً على أهمية التزام الدولة بسن تشريعات صارمة تضع حداً لهذه الظاهرة حتى يعود المجتمع السوداني إلى سابق عهده، حيث عرف عنه التسامح والتعايش وقبول الآخر من دون تمييز عرقي أو اثني أو جهوي.